Alef Logo
يوميات
              

اصطياد بَرْق الرأس

دارا عبد الله

2012-12-16

(النرجسيَّة داءُ السجين)

تشاوُفُ المغرورِ علاجٌ لاكتئاب السجين، كلُّ إخفاقات الثاني ستذوبُ في طاقةِ تقديس الأوَّل لنفسه، كل من يستخفُّ بألمك يجعلك تنساه، شعورُ الآخر بحزنك يُفعِّله.


(مديحُ «الخوف»)

لمَ احتقارُ «الخوف»؟ الكتابة التمجيديَّة الحماسيَّة عن «البطولة» و«التضحيات» و«الدماء» هي شحنٌ للُّغة بمضامينَ رمزيَّة ذكوريَّة عنفيَّة، النصُّ هنا رئةٌ مختنقةٌ، لا مسافة شوقٍ بين القارئ والكاتب، كشخصين يتكلَّمان وثغراهما متلاصقان، لغةٌ تتحدَّث عن القتل بفرحٍ واستسهال ستبُرِّر القتل لاحقاً، أنْسَنةُ الانفعالات وإخراجها من حيّز الثابت المطلق إلى سياق التاريخ ضروريان للحدِّ من توالد ديكتاتوريات جديدة.

الورقةُ البيضاء كرسيُّ اعترافِ الكاتب، كما البحر للعاشق، والكاهِنُ للمُذنِب، الكتابةُ هنا كالنسيان أمومة كبرى، لمَ الادِّعاءُ إذاً؟!

بعد تجربتي القصيرة غير الكريمة في فروع الأمن، تضاعفَ «حاجز الخوف» عندي وازدادَ سماكةً، من حينها أخافُ فتحَ الأبواب، أخافُ الطارق دوماً، وأعيشُ دقائقَ صعبةً تتلفُ فيها أعصابي عند فتح كلّ باب، أخاف من رجال الأمن وشرطة المرور والعساكر والطلاب في «اتحاد الطلبة» والأشخاص ذوي الذقون الطويلة والرؤوس الحليقة، أرى السجون أمكنةً للإذلال، وليستَ منصَّات بطولة. نحن بحاجة إلى كتابات مليئة بالهزيمة والتلاشي.


( هجاءُ «الرثاء»)

مَشهدُ فصحَنتكَ أمامَ أكوامِ الجثثِ غير منطقيّ. اطمئنّ، أنتَ لستَ الميِّت، كلُّ استعراضٍ لذكرى مع الراحل هي كتابةٌ عن الذات، عمَّا أثارهُ المَوتُ فيك، كلُّ رثاءٍ هو احتفالٌ بالبقاء وتنفُّسٌ للصعداء بعد موتهم، اتِّخذ أحد موقفَين: إمَّا الصمتُ كعجزٍ عن الكلام، وإمَّا الموت بعد الميّت. (ربَّما هذا النصُّ ليس أكثر من رثاء!)


(دموعُ القارئ روحُ الكاتب السائلة)

يلومني الأصدقاء على الفائض الشعري في الموقف السياسي، حتى النصّ الفكري يجب أن يكون مليئاً بالرحمة، الاتِّكاءُ على الأقصى في النظريَّات الأيديولوجيَّة يُنتج نصَّاً ينضح بالدم، يقضي على بذور التعاطف الإنساني، نحن بحاجة إلى قليل من الشفقة.


(معارضة)

شهوةُ السلطةِ وميلُ التملُّك في سحْنةِ هيثم المالح مُرعبةٌ أكثر من الإجرام الغامض في ملامح آصف شوكت، البحَّة الناخِزةُ في صوت بسَّام جعارة تشعرُك أنَّه على وشْكِ التجشُّؤ أو التقيُّؤ على الشاشة، الماضي دوماً يتربَّصُ بالمستقبل، المستقبلُ فريسةُ الماضي، ربما أغلب سجَّاني المستقبل سيكونون سُجناء الماضي، من يستطيع أن يفهم رجل الأمن الذي يُعذِّب وهو يبكي؟ من سيُفسِّر الألفة بين السجين والصرصور؟ من سيشعر بالسجين الذي كتب على حائط المنفردة «ألمي أهلكني» والتي ذكَّرتني بعبارة شعرية لأحدهم: «يكفي، نخيركَ أَهْلَكَ القمرَ». إدانة «طائفةٍ» في ظلّ «ثورة»، أبشعُ من إدانة ثورة في ظلّ نظام.


(حواجِز)

قبل 15 آذار: أنتَ كرديّ ولا...؟ هويتك... معك هوية صحيح؟... فتشوا غراضو...


بعد 15 آذار: أنت كرديّ؟ أهلاً بـ«حبيبنا»، إنتو الكراد عاقلين.

ليتهُ يبصقُ في فمي، يُمرِّغ أنفي في القذارة ولا يقول لي: «إنتو مناح»، أن تكون مداناً ومشبوهاً هنا أفضل من أن تكونَ «مريحاً» و«عاقلاً». أن تكون فريسةً أفضلَ من أن تكون المفترس، الكرديّ تعوَّد تجرُّع الإهانة أمام الجميع، صعبٌ عليه التعوُّد على مشهد إهانةِ الجميع أمامه. كيف للمعارضة أن تعلم أن الكرديَّ «شُرِّد عن المكان»، مُنعَ أن يكونَ ابناً له، وتُملي عليه التصرُّف كأنه أبٌ لهذا المكان!


(الدم السنِّي واحد)
فصامٌ غامضٌ في دمشق، سيخُ الشاورما السمين يدورُ على إِيقاع ارتطامِ قذائف المدفعيَّة، دخان مشاوي «الربوة» يختلط مع الدخان المتصاعد من احتراقِ أحد الأمكنة، سُطِّحت الآلام وتبلَّد الانفعالُ، لو غطَّت قناة «الجزيرة» كامل الشاشة باللون الأحمر وكتبت «خبر عاجل» لم يعد ذلك كافياً، أصبحنا مجرمين دون أن نعلم.


(سبب فشل الحلّ السياسي)
أنيابُ الوحش لا تفارقُ الوحش وتبقى أنياباً، لحم الفريسةِ هو الذي يُفارقها.


(جيوش)

سألتُ جندياً قدم للتوّ من قُدْسَيَّا: هل دعستَ بالدبابة على جثَّتَين مختلفتَين، أم دعستَ على الجثَّة نفسها مرَّتين؟


(متفرِّقات)

- الأيديولوجيا نعلٌ متعفِّن لحصان كهلٍ متعبٍ كفَّ عن التقدُّم.
- ثمة قلقٌ عصابيٌّ يعاني منه المجرمُ في الداخل، كلُّ خطأ هو خطأ صغيرٌ لا يُمحى إلا بارتكاب خطأ أكبر، وهكذا إلى مالانهاية.

- فشلَ الاستسلام التام لوحشيَّة القاتل في إفشال ساديَّته، أليس هذا سبباً كافياً للتسلُّح؟!
- قمعُ الأجسادِ يُشعِلُ مكامن «الذهب الباطني»، الصمت في ممالك الخوف يُولِّدُ مع الزمن لغةَ نَظرٍ مُكثَّفة هي «قولُ الروح»، ما أغلظَ ثرثرة المعارضين على الشاشات.
- الموتُ: خطأ غيرُ مقصود. القتال: حادثٌ مُدبَّر، انتصارٌ على الخطأ.
- من أحد الجرحى: ليتَ الدموع تستطيع تصريف الألم.

- ظنَّ الاستبدادُ أنَّ تخبئةَ الحريَّة سيدفنها في عتمةِ مغارة النسيان، هو لا يعلم أن كبتَ الحريَّة يُخمِّرها أكثر.

- الحبُّ ليس اتِّفاقاً مُبرماً، والقبلةُ ليست وعداً قاطعاً.

- في كلّ التاريخ المكتوب لم أرَ حدثاً يضاهي الأحداث العظيمة التي تجري في غرف المنازل المغلقة، المؤرِّخون لا يعلمون أن تاريخ العالم كامنٌ في غرف المنازل.
- كلُّ الكلمات مكتوبةٌ على عدد لا نهائي من قصاصات ورق صغيرة، القصاصات موجودةٌ في صندوقٍ زجاجي كبير، اسحبْ كمشةً وارْصفِ الكلمات (لاحظ أن تلك الكلمات هي الكلمات التي تكرِّرها دوماً)، ستكون قصَّة حياتك، حذار من حرق الصندوق، الدخان الناتج عن حرق هذا العدد اللانهائي سيخنقُ كلَّ العالم.
- في الـ«فيس بوك» ثمَّة عواطف عبثيَّة مثل عواطف الحيوانات قبل الذبح.

- ما فائدةُ الأحلامِ لشخصٍ يعاني الأرق؟!

- رجلٌ لا يُبالي بشَعْركِ، سمكةٌ تستخفُّ بالماء.

- في غمرة هذا الجنون، أصبحَ الموت نجماً، جميعنا نسيَ شخصَ الفقيد.
-كان الوطنُ قبراً مقلوباً نحوَ الأعلى، أبوابهُ موصدةٌ بشدَّة، «الأمن والأمان» فضاؤُه الضيّق الخانق، الآخرُ البعيد (قطر، تركيا، أميركا...) متحمِّسٌ لتحقيق حرِّيتنا أكثرَ منا، لا أجل من تلك الحريَّة. اصطيادُ فريسةٍ حرَّة أسهلُ من اصطياد فريسةٍ مخبَّأة في قبر.
- كلُّ ما تحتاجه المخيَّلة الجائعة من أساطير عن الوحشيَّة، موجودٌ في الحدث السوري.

- الكاتب الصحافيُّ يشبه كثيراً جريدتهُ اليوميَّة، يدَّعي أنَّه يعرفُ كلَّ شيءٍ، وما يعرفهُ يتغيَّر يومياً.
- في بيروت كنتُ أهزُّ رأسي موافقاً على أي كلمةٍ أجنبية مُقحَمة عنوةً في الكلام، لذلك في المرّة القادمة سـ«أُسلِّح» نفسي بكنزٍ كبيرٍ من الأسماء الأجنبيَّة التي يجب ألا أُسأَل عن معناها.
- أَحبّ الكتابات إلى قلبي هي ردودُ فعلٍ على مواقفَ أكرهها.
- كلُّ كاتب مصابٍ بجنون العظمة فشلَ سابقاً في تعلُّم عزّة النفس.
- السفرُ من بيروت إلى دمشق، كالانتقال فجأةً من أغنيةٍ غربيَّة سريعة الإيقاع، إلى أغنية ذات شجنٍ شرقيّ خالص.

- رفضُ القُبلةِ يُكوِّن جرحاً بسرعةِ الشقّ الذي تَشكَّلَ بعصا موسى في البحر، ليس كل التئامٍ سريع مثل الماء.
- من هو الشخص الذي قرَّر أن الأسبوع سبعة أيام؟
- «العولمة» مسَخَتِ الاختلاف بين الملامح، جَمالٌ كونيٌّ مشتركٌ يُطبَّق على أعيننا، طبيبُ عمليَّات التجميل هو نفسه في كلِّ العالم، ثمَّة تنميطٌ موحَّدٌ مشترك متَّفق عليه في الملامح، لا يقلُّ فداحةً عن التماثل العمراني المقصود في دولة «البعث» (السجون والمشافي والمدارس والبيوت تشبه بعضها)، ما أكثر المللَ في جمالٍ متوقَّع ومعروف مسبقاً، في بيروت اختلافُ النساء لا يكون بالوجوه، أنا أُميِّز النساء بسيقانهنَّ، المكان الوحيد الذي لم يُسلَّع.


(أخوَّة)
«شعبٌ واحد في بلدين»، دكتاتورٌ واحدٌ يتربَّص بشعبَين.


«الغاوون»، العدد 53، 1 كانون الأول











































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الغيرة.. من أربع وجهات نظر

15-أيار-2021

اصطياد بَرْق الرأس

16-كانون الأول-2012

هَواجس مُلتقَطة

08-كانون الأول-2012

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow