Alef Logo
يوميات
              

طريق الحرير

نشتمان خلف

خاص ألف

2013-05-06

بات السوري وهو يتنقل بين ثنايا وطنه مجازفاً وبهلواناً، حتى أصبح الأمر أشبه برحلة في خبايا الموت وأسراره، يتصيده برهة ً ويُصطاد برهة أخرى، ليستحيل إلى كائنٍ بلا هويةٍ وبلا عنوان رغم كل أوراقه الثبوتية، وأنساقه الفكرية، وذكرياته التي مرغ بها تفاصيل طريقٍ من الطرق الشهيرة. في رحلة البحث عن اللقاء والخروج على ما بات مألوفاً لكل السوريين، من قصفٍ وقتلٍ وقذفٍ وخطف ... إلخ؛ يُجرّ المواطن إلى شكل جديد من أشكال الصراع. صراعٌ يتقاذفهم بين طيات عربات تجرها دواليب تتنافس هي الأخرى في محاولة الوصول قبلاً للوجهة المقصودة كمتوالية لا يمكن أن يُصاغ لها حلٌ في المدى المنظور. خمسة عشر حاجزاً منوعاً يتنافسون في أشكال الانتماء، مُثقلين عقول المسافرين بحالة من التوتر والخوف والتعرق، وهيجاناً في عمل الغدد الصّم، مصحوباً بارتفاع الأدرينالين طوال اثني عشر ساعة من السفر المضني.
هكذا باتوا يستحضرون صور التاريخ الذي انقضى على جنبات الطريق ذاته من تنوع (همجي – حضاري – إنساني – تعددي).
وقف مرافق الرحلة المسماة بعرف الناقلين رحلة سياحية؛ مشيراً للنساء بوضع الحجاب المزيف (الاحتياطي) لتتعالى الأصوات وتنطفئ الأنوار بعد أن لاحت من بعيد راية سوداء ممهورة بعبارة مكتوبة بخط أبيض ملتف كالذقون التي فكر الكثير من المسافرين بأنها تصلح لكنس القذارة.. هكذا تحدّث عقلهم الباطن بلسانٍ مقطوع وخشيةٍ متواريةٍ على محيّاهم.
دخل العربة المخصصة للسياحة الداخلية شخصان، صاح أحدهما: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تمتم الجميع في قرارة أنفسهم: "الله لا كان جاب الغلا"; (هويات ... هويات...) فبدأت معركة مدّ الأيادي في أحشاء الحقائب النسائية بحثاً عن الثبوتيات في صمت رهيب، وبدأ صاحب الذقن المتنامي منذ أربعة أشهر في الفحص والتدقيق والتمحيص كأنه أصم وأبكم وأعمى... بينما انطلق الآخر في إذاعة الخطبة التي كان قد حفظها في كُـتيبات الأمراء الجدد: (... يا إخوة الإسلام أبشروا، فالخلافة قادمة .....!، الجزية شرعة من شرائع السماء .... الكفرة لابدّ هالكون .... والإسلام لابدّ منتصرٌ ...والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته). لاح كمن ينتظرُ تصفيقاً حاراً، لكن الجمهور خذله، فنزل متقهقراً ثقيلاً، كأنه سقط من طائرة. تنفس الجميع الصعداء، عندما أعلن المرافق بأنهم سيتابعون الطريق برفقة الموت المنتظر على مقربةٍ من ذات المكان، لم تكن سوى برهةُ من الوقت حتى وقف المرافق من جديد بعد أن لاحت من بعيد عبارة: ـ قف حاجز للتفتيش.
دخل شخصان العربة فصاح أحدهما (... هويات ... هويات)، تكرر المشهد على مرأى الشخصين، بأسلوب جديد ملؤه التوتر والخوف والارتجاف... صاح الجندي مجدداً ... (بسرعة يا أوباش شو رح نستناكم للصبح يعني ...)، فما كان من الآخر إلا أن قال: (الشباب نزلو من الباص بسرعة، مع دفاتر الخدمة الإلزامية). مضى على ذلك أكثر من نصف ساعة، والنساء متربصات بأعينهنّ نوافد العربة، ليراقبوا مصير آخرين كانوا قبل قليل شركاء لهم في الطريق، أو أخوة، أو أزواج أو أبناء، مع تكرر المشهد ذاته لاحظ الأطفال ما يدور من صراع حولهم، ليتعالى صوت البكاء، حتى أن البعض منهم غطَّ في نومٍ عميق، مسافراً في عربة من نسج خياله الطفولي – ربما لو كان هذا خياراً – لاختاره كل المسافرين حينها. بدأ بعض الشباب يتلقى اللكمات والشتائم في دهشةٍ وحيرةٍ وابتسامةٍ مُهينة علّها تبقي على الأمل الشحيح الذي يتمسك به ويفصله عن الموت الذي وقـّع على صكه عندما قرر الخروج في تلك الرحلة البائسة. انتهى التفتيش ... صاح أحد الجنود ... الكل يرجعوا عالباص ... مدّ المرافق يده في جيب أحد الجنود وربت على كتفه مبتسماً وضاحكاً ... (بس إرجع رح جيبلك معي الأمانة لا تاكل هم) .
هكذا ختموا المشهد ... لينطلق الباص من جديد على الطريق عينه وبالاتجاه عينه، لتبدأ الغدد الصم بإفراز هرموناتها بالمعدلات السورية الجديدة، والتي خرقت كل المستويات المتعارف عليها، ويبدأ الأدرينالين بالولوج بين مركبات الدم السوري، أدرينالين من نوع آخر، لا يدفع صاحبه للإقدام والشجاعة، والإثارة، بل إلى الإستكانة والذهول والترقب........... وربما للضياع.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أرض الاستواء

28-تشرين الثاني-2015

أليكسا

21-كانون الأول-2013

لنا أوطانٌ أخرى لنلتقي

13-تشرين الثاني-2013

للأرض تناصٌ كالفاجعة

05-تشرين الثاني-2013

أشباه مُدن

28-تشرين الأول-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow