Alef Logo
يوميات
              

يا وطن

نشتمان خلف

خاص ألف

2013-05-18

على تخوم الذات العارفة بأسرار الطفولة كنا صغاراً... حين ساقنا المعلمون والموظفون في طوابير هندسية، ونحن صغار لا نفهم إلا لغة واحدة، كما يسميّها علماء النفس (لغة اللعب).
لم نكن ندري أننا مساقون أو محجوزون في طفولتنا، كالشجرة الوحيدة بين مئات الزرافات، كلّ واحدةٍ تقضمها من جهة. حتى استحالت لخريفٍ كالخريف الذي كنا فيه من أعلى قمة في وطننا إلى أخمص جرف فيه.
كنا نتسابق لبلوغ ساحة الاجتماعات العامة، دون معرفة مغزى ذهابنا هناك ... كأننا رهائنٌ للتمجيد والتغليف والتعليب، وكأن القائد لا يمكن أن يُغمض له جفنٌ، دون أن يرانا متجمعين، حاملين صوره المنوعة، كأشرطة الكاسيت (الميكس) المرمية هناك في مكان ما بين سماءٍ ثقيلةٍ وأرض واطئة متواطئة بأشباه رجال. هكذا وبأقاويل لم نعرف مغزاها إلا مؤخراً، كنا نمضي كبحيرات آدمية في شوارع تلك المدنية المنسية في آخر الرواق المفضي إلى شيء شبيه بالعدم. بحيرات تسبح فيها أحلامنا وطموحاتنا الطفولية، دونما هوية تذكر، أو حتى ماهية قد تشكل فيما بعد ما سيكون مستقبلنا ... بيد أننا كنّا على يقينٍ، إذا رحلنا من تلك الساحات بدون ذكرى وبدون مغزى.... فسيبقى هذا عبئاً، قد لا يتسع في طفولتنا القادمة (بين السماوات الدنيا والعليا) ... هناك مع ما تبقى من الجسد والروح... بإشارة القائد المحنط.
صراخ يتعالى
وهتافات تزمجر من فؤاد طفولي، لا ذات له ولا مكان
صبية ومعلمون وموظفون وعتالون وربما رجال ونساء...
ومن كل صنف زوج ...
قد تكون حكمةٌ اشترك فيها الله، ليسوقوا العباد من كل فجٍ عميق..
كان المعلمون يتراكضون، كالكلاب ولكن بشبهة آدمية، يلوّحون بإيماءاتهم غير المفهومة لنا؛ أن نزيد من حدة الصوت؛ أن نرفع من شدة توتر حبالنا الصوتية. ربما كانوا يريدون لنا أن نتحول لكائنات غير عاقلة، يزيد تواتر حبالها الصوتية عن عشرين ألف ذبذبة ويزيد... هكذا أوصت شعبة الحزب وفروع الأمن معلمينا ومديرينا...
القناعة كنزٌ لا يفنى... كانوا على دراية بهذا المثل العبقري، لذلك حاولوا أن يحاصرونا كأطفال، وكيف لهم أن يحاصروا طفلاً أو رهطاً من الأطفال، دون أن يلوّحوا بالعصي والتخويف والوعد والوعيد... كل هذا ولم نكن ندري لما نخاف منهم! ولماذا نخاف منهم!
فقط وبعد برهةٍ طويلة كلفتني أكثر من خمسة عشر عاماً... أيقنت بأننا كنا رهائن في وطن رهين ... يُبتز أهلنا بنا، ونُبتز بهم ... هكذا تربينا على المنطلقات النظرية والمؤتمرات القطرية والرشاوى الحكومية...إلخ
لكن رغم كل هذا ... لم يستطيعوا أن يقتلوا الطفل فينا حينها، ولن يستطيعوا أن يقتلوا فينا الوطن الآن ...
عمتم على وطنٍ ...
بكل النكهات ...
بكل التفاصيل ...
وبكل ما تبقى لنا من ذاتنا ، المحاصرة حينها...
قال سليم بركات في السيرتان:
كنا صغاراً يا صاحبي صغاراً جداً مثل فراخ الإوز ... واقفين على طرفي الشارع كسطور الكتابة ... وكان ثمة هرج كبير؛ هرج مهول ... وكان المعلمون الذين يقفزون بين الصفوف ملوحين بعصيهم أشبه بقطط مذعورة يصرخون ... انتبهوا ... لوّحوا بأيديكم لاحين يمرّ الرئيس ... ومرّ الرئيس ... إلخ إلخ إلخ.
ومر الرئيس حينها وما زال يمر؛
أما الآن فمروره أشبه بلصٍ يتصيّدُ الخلسة...

/ خاص ألف/

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أرض الاستواء

28-تشرين الثاني-2015

أليكسا

21-كانون الأول-2013

لنا أوطانٌ أخرى لنلتقي

13-تشرين الثاني-2013

للأرض تناصٌ كالفاجعة

05-تشرين الثاني-2013

أشباه مُدن

28-تشرين الأول-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow