قصائد للشاعرة الإنجليزية جو شابكوت ج2 ت
2008-02-15
عَنْـزَةٌ
الغسقُ
و طريقٌ صحراويٌّ .
فجأةً
غدوتُ عَنزةً .
للأمانةِ .. استغرقَ الأمرُ دقيقتين
لينبثقَ القرنانِ من جُمْجُمَتي ،
يتمردَ عموديَّ الِفقَريُّ
ويستقرَ على نحوٍ أفقي ،
تلتصقَ أصابعي هكذا
وتتخذَ أظافري طريقَها نحوَ التطَّورِ
فتغدو حوافرَ.
ما عادَ الطريقُ صحراويًا إذن
بل صارَ حَشْدَ ماعزٍ.
كمْ يعجبُني هذا !
لكن أكرهُ تصادمَنا داخلَ النُفُق.
والآن
أحبُّ الثُغاءَ في آذانِهم
لعْقَ خاصرةٍ أو اثنتين،
أثغوُ وألعقُ هنا ، وهنا.
روحي تحرِّكُها الآنَ
عضلةُ وعظامُ عَنزة ،
رائحتُها وفراؤها .
وكذا
أرتكبُ الحبُّ على طريقتِها.
انتهى بيَ الأمرُ
على رأسِ القطيع
حيث التقاءِ الطُرُقِ و سياجِ الأشجار،
رائحةُ الأرضِ
العشبِ
أوراقِ الشجرِ
و رؤوسِ الأزهارِ
واختلاطِ نكهاتِ عصارةِ المطاطِ و التوابل.
سوف آكلَ كلَّ شيءٍ إذن
ربما أغْمِضتُ عيني و التهمتُ العالَمَ
أمضغُ الأوراقَ الشهيَّةَ تحت الأشعةِ الدافئة.
ثمَّ
أتذوقُ الشمسَ الآفلةَ تلك
قليلاً من السحبِ الداكنةِ أيضًا
و بعدها
بعضَ المباني الشاهقةَ هناك
بعيدًا في المدينةِ المجاورة.
لابدَ أني ابتلعتُ توًا
مبنى الإدارةِ الرئيسيَّ
حيث عمليةُ الهضمِ الهائلة
تشي بتفتتِ ممرٍّ طويلٍ مفتوحِ النهايات
ربما كان هذا الممرُّ
إصبعًا صغيرًا
لرجلٍ ما.
أغنيةُ حبٍّ لقطيعِ أغنام
" اِربحْ قطيعَ أغنامٍ !"
هكذا قال الإعلانُ
" فرصةٌ للفوزِ مع كلِّ قنينةٍ من الشَّعيرِ النَّقيِّ "
سأدخلُ المسابقةَ إذن
أربحُ قطيعًا
ثمَّ أهبكَ إياه.
اِبقِ القطيعَ بالبيتِ
دعْهم يرعونَ بأرجائِه،
على نحوٍ مُسالمٍ.
سيأكلون السجادَ أولاً
ورقَ الحائطِ
ثمَّ يشرعونَ في الأمتعةِ الصلبةِ.
يدبرونَ طريقَهم عبرَ الستائرِ
تتطايرُ كلُّ الأشياءِ
كتبٌ ... مخطوطات
داخلَ أفواهِهم الرطبة.
إني أعرفُكَ
أنتَ لا تحبُّ أثاثَكَ مجترًّا على هذا النحو ،
تفضِّلُ الحياةَ زغبيةً
مُمَشَطةً و مغزولةً.
ها هو القطيعُ قد اكتشفَ مَكْمَنَك
سيبدأون بالعصفِ داخل أذنيكَ
يمسحون أنوفَهم بشَعرِكَ
غالبًا ستكونُ البدايةُ بالمطبخ
يدغدغونَ ركبتيكَ بفرشاةٍ ناعمةٍ
يحاصرونك حولَ الأريكةِ
ثمَّ يشربونَ ماءَ مغطسِك
تتفرقُ ملابسُكَ بين البطون.
في الظلام...
سيعرفُ الخرافُ طريقَهم لأظافرِكَ
يمتصونَ أصابعَ قدميِك
يرعونَ فوقَ ساقيكَ
ينزعونَ كل شعيرةٍ بأسنانٍ رقيقةٍ وحانية
ستشعرُ برذاذِ أنفاسٍ وشفاه
يتماوجونَ كسحابةٍ عبر صدرِك … وجهِكَ ثم لِحيتك ،
يحرثونَ العُشْبَ الناعمَ
عندئذٍ
ستجدُ نفسَكَ مستسلمًا مثل حَمَلٍ عجوز
سعيدًا ومتآلفًا مع القطيع تمامًا
و حينَ أصلُ إليكَ في زيِّ "Po-Beeb " راعيةِ الغنم
سأتأملُ المشهدَ طويلاُ
لكنَّكَ
بمِنْجَلٍ معقوفٍ
ستتركُ القطيعَ مجزوزًا
و تتركني
محرومةً من الحبِّ
وحيدة.
نَبْضُ ثمرةٍ
وددتُ أن أقولَ
" ثلاجةٌ نظيفةٌ ! "
لكن انظرْ خيوطَ الصدأِ في الخلفِ
و بقعةَ الغُبارِ البُنْيَّةِ أسفلَ طبقِ السَّلَطَةِ.
ها هنا ..
حيثُ أحيا لأسبوعين مضيا
منذ اِنتُزِعتُ من غابةِ الخُضَر هناك.
كنتُ جامحةً في الأملِ،
حين طمِعتُ في بقائي هشةً دومًا
لأستثيرَ حلْقَه القاسي ولسانَه ،
و كلَّ جزءٍ من فَمه
الآنَ
أحسُّ بأوراقي الخارجيةِ تفقدُ مقاومتَها،
يتسربُ الأوكسجينُ القاتلُ إلى عٌمقي،
فيما يتسللُ الماءُ بعيدًا ،
والخَدَرْ
الخَدَرُ يزحفُ شيئًا فشيئًا
نحو قلبي.
هنا، بقاعِ الثلاجةِ
حيثُ الصمتْ .
فقط أنا .. مع خَسَّةٍ مُتَعَرِّجةٍ و نِصْفِ بَصَلةٍ،
ينفتحُ بابُ الثلاجةِ مراتٍ عديدةً خلال اليوم
لكنَّه ..
أبدًا لا يَفتحُ دُرْجَ الخُضَرِ هنا ..
حيث أقبعُ في ركني
منكمشةً على عزلتي.
في الأعلى
أجزاءٌ غريبةٌ من اللحومِ البشعة ؛
ضلعٌ كاملٌ بشعيراتِه القبيحة ؛
أجنحةٌ وأشياءٌ تخصُّ طائرٍ ضخم ؛
حوافرُ ومناقيرُ ؛
و عصارةٌ عطِنةٌ تسيلُ عبر أرففِ الثلاجةِ
ثمَّ تقطرُ فوق رؤوسِنا الخابيةِ.
منظمُ الرطوبةِ يُبقي البرودةَ ثابتةً
حتى في الطَقسِ الحار
فتبدأُ الكائناتُ البائسةُ بالقاعِ في التجمدِ،
ثلاثُ مراتٍ عَضَّنا الصقيعُ،
وشعرتُ بالآمٍ مروعَّة
عندما تكاثفتْ بلوراتُ الجليدِ
حول أهدابي.
عازلٌ حراريٌّ متقاعسٌ عن عملِه
لا مهربَ من الاسترخاءِ في البرودةِ إذن
ندعُ الصقيعَ يتخللُ مسامَّنا
ربما وافقَ هذا فكرةَ حفظِ الأطعمةِ ،
لكن
سرعان ما أشعرُ بالدِّفءِ ثانيةً
حينَ أفكرُّ فيه ،
أذوبُ مع لُعابِه
أمرُّ على حلقِه
ثمَّ
تهضِمُي خلاياه
حينئذٍ
أتعلَّمُ خلالَ ذوباني
صيغةً جديدةً للحياة ،
أتغضَّنُ …. أذبلُ و أموتُ
ثمَّ
أتفتحُ من جديدٍ للحُّبِّ.
-------------------------------
جو شابكوت من مواليد لندن عام 1953، حاصلة على درجة الزمالة في جامعتي كامبردج وهارفارد الأمريكتين، وفازت بعدة جوائز شعرية رفيعة منها جائزة الكومونولث عن ديوانها الأول "طلاءُ رضيع" عام 1991 وجائزة الشعر الدولية عن ديوانها الثاني "العبارة" في نفس العام وجائزة الشعر البريطاني. واحتفى بها النقاد الغربيون كونها تجمع بين الفانتازي والواقعي على نحو بارع مع مقدرة على خلق عالم فوضوي يحرّض قارئها على رؤية الأشياء من حوله على نحو مختلف. قُدمّت للعربية لأول مرة في أنطولوجيا "مشجوجٌ بفأس"، قصائد من الشعر البريطاني والأمريكي المعاصر، ترجمة فاطمة ناعوت، وصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر عام 2004. بعض قصائد هذا الملف منشورة ضمن هذا الكتاب.
جريدة "النهار"- بيروت
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |