فى برنامج «بيتنا الكبير»، ثم فى «صباح الخير يا مصر»، قلت إن مصرَ تحتاجُ رئيسًا «مجنونًا» وحكومات «مجنونة» لكى ننجو من «الوحلة» التى أورثنا إياها، على مدى عقود، حكّامُنا السابقون، وحكوماتنا. ثم جاء الإخوان فراحوا يتفنّنون فى غرس أقدام مصر الطاهرة فى الوحل، ثم إهالة التراب حول ساقيها، فلا تستطيع فكاكًا. انتفض الشعبُ المصرىُّ وانتزع أمَّه من الأسر، وبدأ فى رحلة نفض الغبار عن ثوبها الشريف. لكن الإرثَ الثقيل يحتاجُ جهدًا مضاعفًا كى يُختصرَ الزمنُ اللازم لتنهضَ مصرُ من عثرتِها وتنطلق فى ركب التحضّر فتستعيد مجدَها الغابرَ. البحث عن رئيس تقليدى، وإن كان وطنيًّا، وحكومات تقليدية، ولو كانت نشطةً غير كسول، قد ينقذ مصرَ من المحنة. لكن الأمر سوف يستغرق سنواتٍ وعقودًا، حتى تبرأ الجميلةُ من وهنِها الراهن، وتستعيدَ عافيتَها وتمضى فى طريق النور. لذا نحتاج إلى أفكارٍ ابتكارية جسور، مما نسميها، نحن المبدعين:
«أفكارًا مجنونة»، قد تبدو للتقليديين خارجةً عن سياق المنطق. فالتقليدىُّ محكومٌ بصندوق ضيّق يتحرك فيه مُكبّلًا بمحدودية المساحة الصغيرة التى يُتيحها له «الصندوقُ»، الذى يسميه بمعجمه: «المنطق». لكن المبدعَ لا يفكر على هذا النحو. المبدعُ يكسر الصندوقَ، ويفكر خارجه. Out of the Box. المبدعُ يضع أمامه هدفًا صعبًا مما يراه الآخر: «مستحيلًا»، ويقول: «سأحققه! لأن لا شىءَ مستحيلٌ فوق الأرض». لهذا يقول برنارد شو: «أنت ترى الموجودَ وتقول: كيف هذا؟!. بينما أنا أتخيل ما ليس موجودًا وأقول: ولمَ لا؟!
زعماءُ العالم الرائعون كانوا مجانين؛ فحققوا لبلادهم أشياء مدهشة. «غاندى» كان مجنونًا فحرّر بلاده من ربقة الإنجليز بأن جوّع نفسَه أربعين يومًا، ومشى مبتسمًا وحافيًا فى مسيرة الملح. «مهاتير محمد» قفز بماليزيا من سفح الحضيض إلى ذُرى العالم الأول بقرارات مجنونة فى التعليم والصناعة. «روزا باركس» كانت مجنونة، وكذلك «مارتن لوثر كينج»، فحررا بجنونهما السودَ من وحشية البيض. عزيز مصر «محمد على باشا» كان مجنونًا فى كل قراراته فصنع مصر الحديثة، لأنه أحبها أكثر مما أحبها أبناؤه، وحتى من تلَوه من حكّام مصريين، ولم يكن مصريًّا. شيّد جيشًا مصريًّا نظاميًّا.
فتح مدارسَ وجامعاتٍ ومعاهدَ ودورًا للتعليم الحرفى. أرسل بعثات علمية لأوروبا واستدعى علماءها لتدريب علمائنا. وجمع المشردين من الشوارع وجعل منهم حرفيين مهرة. وها هو السيسى يُجرى حصرًا لأطفال الشوارع (٣ ملايين) لكى يُلحقهم بمدارس الفنية العسكرية، فيحقق ضربة مزدوجة. ينقذ مصرَ من بلطجية مُحتملين، ويضمّ إليها جنودًا شرفاء. طوبى للمجانين، بُناة الأوطان.
[email protected] المصري اليوم