مَن خدعنى مرةً، لا أثقُ فيه أبدًا، مهما غيّر أساليب خداعه، أو تدثّرَ بعباءة الودّ وابتسامة التحنان. حكمةٌ تعلمتُها من آبائى الفلاسفة والأدباء الذين قضيتُ عمرى على عتبات أبوابهم وبين وهاد سطورهم. وتعلّمناها من الحديث الشريف الذى قيل فى «أبى عزة الجمحى». وكان شاعرًا يهجو الرسولَ وآلَ البيت، حتى وقع أسيرًا لدى المسلمين فى غزوة «بدر»، فاستعطفَ النبىَّ وبكى فقرَه ومَن يعولُ من بنات، فسامحه الرسولُ وأطلق سراحَه بعد تعهّده بعدم قتال المسلمين. فلما كانت غزوة «أُحُد»، خرج مع المشركين يقاتلُ المسلمين ويُحرّض عليهم، حتى وقع فى الأسر مجددًا، فراح يستعطفُ النبىَّ مجدّدًا لِيَمنَّ عليه بالعفو، فقال له الرسول: «لا تذهب تمسحُ عارضيكَ بالكعبة قائلا: (خدعتُ محمّدًا مرتين! لا يُلدَغُ مؤمنٌ من جُحرٍ مرتين)».
ولأننا مؤمنون، علينا الحذَرُ ممَن قهقهوا بصاخبِ ضحكاتهم قائلين: (خدعنا الأزهرَ والكنيسةَ والشعبَ، ومرّرنا المادة ٢١٩، لدستور ٢٠١٢ بعدما دسسنا فيها كلماتٍ تضمنُ تسلّطنا، وقبلوها: «لأنهم مش فاهمينها!») قالها السيد «ياسر برهامي» نائب رئيس الدعوة السلفية، متفاخرًا بتوسّله «غفلةَ» الشعب ليمرّر أفكارَه العنصرية التى تصدعُ المجتمعَ طوائفَ وشِيعًا وفرقاءَ! لكنه بوغت بأن شعبنا العظيمَ غيرُ غافلٍ، فرفض المادة. ثم ثار فأسقط الدستورَ ونظام الحكم كلَّه. فعاد السيدُ يدسّ أنفَه فى دستورنا الجديد قائلا: «نقبلُ حذفَ ٢١٩، مقابل حذف كلمة (مبادئ) من المادة الثانية». لكن إرادة الشعب خذلته ثانيةً، فاستبقينا الكلمةَ، وحذفنا المادة الفخّ. فرضخ برهامى وذهب للاستفتاء قائلا: «نعم»، حسبما زعم، ورفع إصبعه بالحبر الفوسفورى أمام الكاميرات!
حزبُ النور، وتياراتُ الإسلام السياسى كافة، نموذجٌ جلىُّ لمَن يمسك العصا من المنتصف، ومَن يقفز من المركب قبل الغرق لينجو بنفسه، ومَن يرفع شعار «مات الملك، عاش الملك»، ومنَ يرضى لنفسه بأن يجنى ثمارًا لم يزرعها. فلا هُم شاركوا فى ٢٥ يناير، ولا فى ٣٠ يونيو، بل عارضوا الثورتين وحرّضوا ضد الثوار، ثم كانوا أسرعَ مَن ركض لقطف الثمر، ظّانين أن التاريخَ ينسى، والشعوب!
أقول للسيد برهامى إن المؤمنَ لا يُخدعُ مراتٍ ومرات. وإننا لن ننسى فخره بخداعنا، كما فعل الشاعرُ أبوعزّة، ولن ننسى جهره بكراهية أشقائنا المسيحيين، ولن ننسى أنه حرّضَ ضد القضاء والجيش والشرطة، ولن ننسى أن السلفيين كانوا متنَ الحشود فى اعتصام رابعة، ولن ننسى أن السلفيين لم يشاركوا فى الاستفتاء على دستور ٢٠١٣، ولن ننخدع بإصبعه الفوسفورىّ الأحمر، وابتسامته الوادعة.
مبروك دستور مصر المحترم، ومبروك عودة نقابتِى الجميلة، نقابة المهندسين، إلى حضن مصر، وعُقبى للمعلمين والمحليات.
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...