فى مقبرة الملك الذهبىّ، «توت عنخ آمون» فى وادى الملوك بالأقصر، أقفُ الآن بين جلاليْن. أولا: «جلالِ الموت» المتجسِّد فى مومياء ملك صبىّ حيّر الدنيا، وكُتبتْ حوله آلافُ الرسائل الأكاديمية، وثانيًا: «جلال السَّلف» الخالد الذى كتب السطر الأول فى كتاب التاريخ، لكى نعتزَّ أبدَ الدهر بمصريتنا. وقتَ كانتِ الأممُ ترفلُ فى الهمجية والبداوة، يركضون وراء الطرائد، ويتقاتل الشقيقان من أجل قطعة لحم أو ثمرة فاكهة، لاهثين وراء شربة ماء، تاركين بئرًا جفّتْ ليبحثوا عن بئر أخرى نابضة بالرِّى، كان أجدادُنا يشيدون المعابدَ والأهراماتِ والمسلّات، ويُجرون العمليات الجراحية الدقيقة، ويحنطون المومياوات، ويبتكرون علومَ الهندسة والحساب واللوغاريتمات والفلك والطب والكيمياء، وفنون الشِّعر والرسم والنحت والرقص والموسيقى.
بتأملاتى تلك، كنتُ أسبحُ فى هذين الجلالين، وفجأةً، انتبهتُ على صوت المرشد السياحى يرمى بى من حالق المجد إلى قبح التزييف والضلالة. كان يتحدث عن إخناتون، والد توت عنخ آمون، قائلاً: «نلاحظ أن إخناتون كان يشبه مرسى»!!! استدعيتُ وجهَ إخناتون، كما صورته الجدارياتُ والتماثيل والموسوعات، فلم أجد أدنى تشابه، فأبديتُ اعتراضى. فإذا بالجهول يصعقنى قائلا بإعجاب: «ليس الشكل، بل كان إخناتون مثل مرسى يهتم بالدين، ويحارب الفنون! هنا مادت الأرضُ بى، وصرختُ: «مرسى شوّه الدينَ، وزيّف القرآن جاعلًا اللهَ يخشى البشرَ، حاشاه! مرسى الكذوب الخائن أسوأ نموذج لمسلم»! وهددته بإبلاغ شرطة السياحة إن استمر فى تضليل الناس جهلا، أو عمدًا.
فأما إخناتون العظيم، عابر الزمان والمكان، فكان أول الموحدين فى التاريخ قبل الرسالات السماوية. وحّد الآلهةَ فى إله واحد، أعطاه رمز: «قرص الشمس» آتون. هو الناسك المتصوف الذى كتب نشيدًا عملاقًا يمجّد فيه اللهَ دون أن يطلبَ منه شيئًا: «يا مَن يشرقُ بجماله فى أفق السماء/ أيها القوى الظاهر الباطن/ بعثتَ الناسَ من رقاد/ فتوجهوا لك بصلاة الشكر». وأما زوجته نفرتيتى، «الجميلة التى أتت»، فكانت تذهبُ يوميًّا إلى استديو نحّات البلاط الملكىّ «تحتمس» فى «تلّ العمارنة» عام 1340 ق م، لتقفَ أمامه كموديل، حتى صنع أعظمَ قطع الفن فى العالم، تلك التى يتباهى بها الألمان فى متحف برلين. فهل كان إخناتون خصيمَ الفن؟! أين منه العياط فاشل الفن والدين؟!
شبّهوا مرسى بالرسول الكريم، وأبى بكر فغضبنا، وشبهوه بنيلسون مانديلا، فضحكنا، وقالوا إن جبريل والسيدة البتول هبطا فى «رابعة» لنُصرته، فأشفقنا على عقولهم! لكن لم يخطر بخَلَدنا أن يغوصوا فى تاريخ أجدادنا، ليبثوا فى سموّه ركاكتَهم، فيخرّبوا وعى نشء نرجو أن يتعلّم عراقةَ سَلفه الخالد. أيها الأقزام، كفّوا عن الوثب فوق أكتاف عمالقة التاريخ.
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...