أول لص فى التاريخ
2014-02-19
فى البَدء، كان إنسانٌ. فجاء إنسانٌ وتلصّصَ على الإنسان، فاخترع الإنسانُ الباب. فجاء إنسانٌ وفتح البابَ وسرق شيئًا. فاخترعَ الإنسانُ القِفلَ والمفتاحَ. ثم اخترع الأسوارَ والسياجَ والأصفادَ والخزائن والأرقام السرية وغيرها من أدواتٍ اخترعناها لنتحايل على لصٍّ زرع زهرة الشرّ الأولى التى لوثت الأرض وجعلتنا نبتكرُ القانونَ والمحاكم والسجون والمشانق.
أصلُ الحياة أن تكون خالية من مهن لا محلّ لها فى عالم «كان» يحكمه قانون البراءة. القاضى والسجّان والجلاد وسواها من وظائفَ ابتكرها الإنسانُ لكى يقتصَّ من إنسانٍ تلصَّص أو سرق أو قتل أو اغتصب. مهنٌ ما كنّا سنعرفها لو حافظنا على فطرتنا النقية حين قررنا أن نكون بشرًا.
فى البدء، كان عالمنا بسيطًا بلا أوراق. إن احتاج إنسانٌ بعض المال، دقّ بابَ جاره وسأله، فأعطاه. لكن إنسانًا ما، أنكر أنه أخذ، فاخترع أجدادُنا أشياءَ بغيضة مثل وصل الأمانة والكمبيالة وغيرها من أوراق سخيفة تقول بصوت غليظ: «احترسْ، ثمة لصٌّ يسرق».
فى البدء كان السفرُ بالطائرة سهلاً، مثل القطار. يصعد إنسانٌ إلى طائرة، وتلوّح له حبيبتُه من شرفة المطار، كما كانت نادية لطفى تلوّح لحبيبها فى أفلامنا القديمة. لكن إرهابيًّا حقيرًا خطف طائرة وروّع مسافرين، فارتفعت الأسوارُ والحواجزُ والأشعة السينية، وكُتب على المسافر، إلى الأبد، أن يُعامل كإرهابىّ مُحتمَل: يخلعُ حذاءه وساعته ومعطفه ويخضع للتفتيش الدقيق، ويُحرم من أن تكون عينا حبيبته، آخرَ ما يرى فى أرض الوطن.
إنه اللصُّ الأول والقاتلُ الأول والنصّابُ الأول والإرهابىُّ الأول. أولئك مَن أفسدوا براءتنا وعقّدوا حياتنا وسرقوا أعمارنا.
كلُّ سجن، كان يمكن أن يكون حديقة. كلُّ سورٍ يعطّل الشمس، كان ينبغى أن يكون أيكةَ ورد تغازلُ شعاع نور وترسمُ معه دانتيللا الظلال. كلُّ ثقبِ مفتاح فى كلِّ بابٍ، كان بوسعه أن يكون عُشًّا يسكنه عصفور، أو شرنقة حرير تخرج منها فراشة. كلُّ قِفْل كان يجب أن يكون مفتاح حياة فرعونيًّا. كلُّ محامٍ وقاضٍ وسجّان، كان يمكن أن يكون شاعرًا أو رسّامًا أو موسيقاراً أو نحّاتًا أو عاشقًا يسهرُ الليلَ ليصنعَ هديةً لحبيبته. كلُّ ساعة تُسرق من أعمارنا فى نقطة تفتيش، كان لابد أن نغرس فيها شجرةً أو نقرأ كتابًا أو نكتب قصيدة أو نداعبُ طفلاً أو نداوى مريضًا. زهور الشرّ حرمتنا من عازف بيانو يغسلُ قلوبنا بالفرح، واستبدلت به عشماوى يقصُّ أعناقَ الأشقياء.
أيها اللصُّ الأول فى التاريخ، أختصمُك أمام الله لأنك أفسدتَ حياتى وأدخلتَ فى معجمى مفرداتٍ لا أحبّها ولن أقبلَها، ولو عشتُ ألفَ عام.
Twitter: @FatimaNaoot
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |