هل حاكم أى دولة مسؤول عن المستوى الحضارى والفكرى والتعليمى والسلوكى لرعيته؟ هل بوسعنا القول إن السلوك الجمعى الراقى، أو المنحط، لمجتمع ما فى فترة زمنية ما، من مسؤوليات حاكم هذا المجتمع فى تلك المرحلة؟ الإجابة فى رأيى،: «نعم». وإلا ما تعريف الحاكم؟ أهو مَن يتخد قرار الحرب وغزو الدول؟ الذى يتوسّع فى حكمه بضمّ ممالك أخرى إلى حظيرته؟ أهو مَن يعلو اقتصاديًّا بدولته؟ وماذا عن العلوّ الأخلاقى والفكرى والثقافى والتربوى للمواطنين؟ مسؤولية مَن؟ وما معنى الحديث الشريف: «كلّ راعٍ مسؤول عن رعيته»؟ ولماذا نسمى المواطنين «رعايا»، ولا نسمّى الحاكم «راعيًا»؟ فإن كانوا رعايا، فهو راع، مسؤول عن رعاياه.
وضع الفيلسوف الفرنسى الموسوعى وعالم الرياضيات الأشهر رينيه ديكارت أسئلة ثلاثة يجب على كل إنسان أن يضعها نصب عينيه لبناء شخصيته فكريًّا وسلوكيًّا. ١- ما الذى يجب أن أعرفه؟ ٢- ماذا عليّ أن أعمل بهذه المعرفة؟ ٣- ما السلوك الذى يترتب على تلك المعرفة وذاك العمل؟
السؤال الأول يضعنا أمام قضية «المعرفة». والثانى يفجّر قضية «العمل». والثالث يُلقى بنا فى ساحة قضية «الأخلاق». تلك هى الدعائم الثلاث لبناء مجتمع متحضر وفاعل يقف فى مصاف الدول المتقدمة. المعرفة هى تقديس «العلم» فى المدارس والجامعات والمحافل العلمية والدوائر البحثية والبعثات. «العمل» هو تقديس الزراعة والمصانع والتشييد والمؤسسات والحِرف. و«الأخلاق» هى تقديس القانون وإعلاء القيم الرفيعة والسلوك المتحضر مع البيئة والإنسان والحيوان واحترام الآخر ومحاربة العنصرية والطبقية والطائفية التنابذ بالعرق واللون والعقيدة والنوع.
فإن قبضتُ على صبيّ متسرّب من التعليم، أو خريج جامعة يخطئ فى كتابة اسمه، سأقول من فورى: «الحاكمُ فاشلٌ وخائن الأمانة». وإن وجدتُ عاطلا عن العمل، أو مرتشيًا أو لصًّا أو قاتلا طلقاء خارج القضبان، أو كسولا يتقاضى راتبه ولا يقوم بعمله، أو متسولاً أو طفل شوارع جائعًا وعاريًا، أو بلطجيًا يجول فى الأرض يشيع الويل بين الناس، وإن وجدتُ رجلا يُهين امرأة، أو متطرفًا يستلب حقوق مخالف فى العقيدة، أو جهولا يلوّث الطريقَ والعيونَ والصدورَ بالقمامة والمخلفات، أو يقتلَ الهواءَ بعادم سيارة أو مصنع، أو سفيهًا يُخرّب الآذان والأرواح بألفاظ نابية أو أغان منحطة أو سلوك مشين، ولا أجد القانون يقف لكل أولئك بالمرصاد الفورى، سأقول: «ثمة حاكم كسولٌ بليد خائنٌ للأمانة».
يقول القرآنُ الكريم فى قصة ذى القرنين: «إنّا مكّنا له فى الأرضِ وآتيناه من كلِّ شيء سببًا، فاتبَع سببا». لهذا أنتظرُ من الرئيس القادم أن يتبّعَ الأسبابَ التى ترتقى بالعلم، والعمل، والأخلاق، بجواهرها الحقّة، وليس بصورها الشكلية الراهنة.
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...