بعد ازدهار الثورة الصناعية فى بلدان الغرب مع بدايات القرن التاسع عشر، بدأت طبقة العمال الكادحين، بما فيهم أطفال، يتعرضون لأشد أنواع العسف فى العمل فى ظروف بيئية شديدة الخطورة دون أى حماية أو تأمين على الحياة، يعانون استغلال أصحاب الأملاك الإقطاعيين، حتى وصلت ساعات عملهم إلى ١٦ ساعة يوميًّا، دون رعاية صحية ولا ضمانات مادية من قِبل المؤسسات الصناعية وأصحاب رؤوس الأموال الذين يستأجرونهم ويثرون على أكتافهم.
أشعلت تلك الحالُ البائسة العديدَ من مسيرات الاحتجاجات العمالية المتفرقة غير المنظمة، التى لم تسفر عن شىء، إلا تخفيض الرواتب والفصل عن العمل. من هنا تبرعمت فكرة النقابات والاتحادات لتوحيد الصوت، والمطالبة الجماعية بحقوق العمال المُهدَرة. ونشأت حركة «الثمان ساعات» فى تورنتو عام ١٨٨٦ التى نادت بتحديد ساعات العمل اليومى بما يليق بالآدمية وحقوق الإنسان. بعدها بسنوات بدأ من شيكاغو الاحتفال بعيد العمال فى أول مايو، تخليدًا لليوم الذى فتح فيه الجيش الأمريكى والشرطة النار على العمال المحتجين فى إضراب بولمان فسقط عشرات القتلى، ثم انتشر فى معظم بلدان العالم، ليصبح يوم عطلة يُكرَّم فيه العمالُ، عمادُ نهضة المجتمعات.
فإذا عرفنا أن إنتاجية العامل المصرى أقل من «نصف الساعة» يوميًّا، حسب تقارير جهاز التعبئة العامة والإحصاء، وأنه الأعلى تكلفة فى العالم مقارنة بما ينتجه بسبب تدنى مستويات الكفاءة والأداء وغياب الروح التنافسية والهمّة الإبداعية الخلاقة، وإذا علمنا أن العامل المصرى فى دول الخليج يتم «فكّه» بعاملين أو ثلاثة من الآسيويين كالهنود والفلبينيين والصينيين، لأنهم أقلُّ رواتب وتبّرمًا وتكشيرًا، وأكثر كفاءة وبشاشةً وحبًّا للعمل واحترامًا للقيم، فيحقّ لنا أن نسأل: بأى «وجه» نحتفل سنويًّا بعيد العمال؟! وهل نحتاج إلى حركة مضادة للثمان ساعات تطالب «بتطويل» ساعات إنتاج العامل المصرى من ٢٧ دقيقة إلى ثمان ساعات أسوةً بعمال الدول المتحضرة التى تقدّس العمل وتسعى للبناء.
الإهمال فى العمل، والبخل بالجهد لا يبرره ضعفُ رواتب العامل المصرى وحرمانه من عقود عمل قانونية وتأمينات ورعاية طبية. فالأصل فى الأشياء أن «أعمل» بجد، ثم أطالب بحقوقى المهدرة، فتصحُّ المعادلة.
قرأتُ مؤخرًا أن الموظف اليابانى إن وصل إلى مقر عمله مبكراً عن موعد العمل، يركن سيارته فى مكان بعيد، ليترك المكان القريب لمن يأتى متأخرًا! يعذّب نفسه بالسير مسافة طويلة ليقلّص الوقتَ المهدر من ساعات العمل. تخيلوا! إنهم اليابانيون الذى يحتجون إن منحتهم الحكومةُ إجازات «مدفوعة الأجر»، لأنهم يحبون العمل ويقدسونه حقًّا، ويحبون بلادهم حقًّا، «مش بالأغانى»، ويؤمنون أن الخامل والعاطل والكسول لا يستحق الحياة لأنه «عالة» على المجتمع، وزائدٌ عن حاجة الإنسانية. كل سنة ونحن نقدس العمل. Twitter: @FatimaNaoot
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...