نقد / خصوصية الزمن في الكتابة النسائية
2006-05-11
القبض على الزمن
خصوصية الزمن في الكتابة النسائية
(إن أبرز صورة للمرأة ظهرت بها في زمن ما قبل الكتابة (كتابة المرأة) هي صورة شهرزاد...)...
(جاءت شهرزاد.. لتقاوم الرجل بسلاح اللغة، فحولته إلى (مستمع) وهي (مبدعة))...
آثرت أن أبدأ بهاتين الجملتين، من كتاب (المرأة واللغة) للدكتور/ عبدالله الغذامي، واللتان تدعمان مقولتي: (أن الوعي الأنثوي تكون برغبة ذكورية، أو تحت رعاية الذكورة، بذا فهو يرى النقص فيه، بالعين الذكورية، لا بالعين الإنسان المجردة، والمقبلة لقوانين الطبيعة والخلقة)، ومن هذا فإن الكثير من الأفكار التي تناقشها الفتاة، أو معاملاتها (وفي مشمول جملتنا الكاتبة والمبدعة) تنطلق من مرجعية الذكورة التي فرض أساسياتها، ولن نستطيع منح الأنثى درجة الكمال مادات لم تخرج عن هذه الرؤية، فهل تخرج.
قلنا إن الكاتبة والمبدعة لا تخرج عن هذا، فهي حتى وإن صرخت بكوامنها، وباحت بكل الأسرار، فهي بذلك تستثير الرجل المقابل لها، بما يمكن تسميته بشكل جديد للغواية، تمارس المرأة فيه رقصها، وحكايا شهرزاد، مقاومة رغبة الرجل أو الذكورة في ملكية هذه الملكات وحجبها.
و(الزمن) يغدو كابوساً وقدراً مقيت تواجهه المرأة، والكاتبة لا تستطيع إلا أن تتعامل معه بذات الرؤية، فلقد أوعزت الإرادة الذكورية به قاهراً لها، لكل ما يتعلق بها من مفاتن، ومقدرة على أداء أدوارها الحياتية، فتسقط مبكراً، وتغدو السنوات في سيرها اقتراباً من حافة العجز والقعود، هذا أيضاَ ينعكس اجتماعياً على السلوك، وهذا وإن كان ذا صلة، إلا أنه لا يدخل ضمن اهتمامنا في هذا الموضوع، فالمهم لدينا كيف لم تهرب الكاتبة والمبدعة من سيطرة هذه الفكرة؟، فالرجل تبدأ أول محطات زمنه بالبلوغ ومن ثم الأربعين (والكثير من الشعراء كتبو في هذه السن)، وتغدو الستين مفارقته ولا يغدو الحساب بعدها مفيداً، أما الأنثى فالحال يختلف معها، فالعاشرة نقطة، والخامسة عشر غيرها، وهكذا يكبر التوهج موازياً للسنوات، وتبدأ تصرخ بهذه الثمار التي لم تقطف:
هي
غارقة في اتباكها
تلملم طرف رغباتها
تسأل الأزرق
لماذا أكون وحدي والكائنات لي؟. ... إذا فالكاتبة لم تخرج عن هذا، ورصدت آثار الزمن فيها (في الأنوثة)، والتغيرات التي تشي بها التبدلات ... ولكن كيف؟، هنا أيضاً ينطلق النص من ذات الرؤية الخائفة من الفضح، أو الإشارة المباشرة، فلا يتحدث النص عن التجاعيد ولا رعشة الأيدي والعروق النافرة فيها، فهي تدرك أن كل هذه الأشياء تتضاد ومصطلح (الأنوثة التامة)، لكنها تتلمس ذلك في تبدلات أخرى تكون أثراً أقل إثارة.. وهنا تفاجئنا الشاعرة/ أسماء الطرابلسي، بجرأتها وفرحها بأول شعرة بيضاء، تقول في نص/ إلى السيدة شيخوخة:
ذات مساء قديم..
أبرق في شعري الليلي، شعاع فضيْ
ينبئني بأن الشيخوخة في طريقها إلي..
به استلمت أول برقية..
بأنها– بعد حين- ستدّق بابي..
فرحت بها..
أول شعرة بيضاء
تنذرني بأن الشباب قد شاب..
وأنني أغلقت الكثير من الأبواب..
دون انتباه..
لأنتبه كم من الوقت مرّ
وأنا باباً.. بعد آخر.. أعبر... وحتى وإن كانت جرأة، فهي مبطنة من خوف الحالة التي ستكون، والتي تقود إليها توالي الشعرات البيضاء، وهنا نقبض على هذا المشير (بياض الشعر)، وأسميه (المشير/الدّال غير المعلِن)، أو المشير الذي تكشفه المرأة وتستطيع إخفاءه إلا عن نفسها، ومع هذا فهو الأثر الأقل تأثيراً.. وبالعودة لنص الشاعرة/ أسماء الطرابلسي:
عجوز أنا؟..
تراني أصل لذلك العمر..
الذي يسأم فيه أبنائي أرائي..
ويرفض فيه أحفادي وجودي..
حين يزداد حرصي..
على طقوس عبادتي وصلاتي..
ولأسدد ديوني الدينية المتراكمة..
بتاريخ رجعي!..
باذلة جهدي لرفع معدل درجاتي
في بطاقة تخرجي من الدنيا.. الدنيا..
للعوالم الأعلى..
الأعلى..
إذا فهي تخاف العاقبة، والعاقبة هنا سلوك اجتماعي، وهذا ما أشرنا له من العلاقة الاجتماعية، إذا لا تستطيع الكاتبة (خاصة في بلادنا- وهنا الأساس المجتمع) الخروج عن الطقس الاجتماعي وصوره المتكررة والمعايشة، لتتمنى الشاعرة في نهاية نصها : (عجوز أنا؟ / آمل ألا أصل لذلك العمر!..)، وحتى وإن جاءت لغة النص مباشرة مرتبكة فيها الحالة الشعرية، تحت تأثير الحماس والانفعال لحظة الكشف، لكن مثاليته (من المثال) صالحة 100% دلالة، لكنا نقبض على هذه اللحظة في مركب آخر، إنه الإحساس النفسي بهذا الزمن، فتبدأ حالة من النكوص، أو الاسترجاع لزمن التوهج، والخواء من هذه الأفكار، وتقبض الشاعرة/ حواء القمودي، على نفسها طفلة، تقول:
أقعد على مصطبة الليل
أرقب نجمة تراود الظلمة كي لا تنام
أتذكر طفلة كانت
عيناها مسافة الدهشة
ضحكتها صهيل الخيول
شعرها سنابل قمح ... وبمقابلة بسيطة لدلائل هذه الذكرى في تلك الطفلة التي هي، نقبض على هذه الآثار في مقابل (عيناها مسافة الدهشة) و(ضحكتها صهيل الخيول)، و(شعرها سنابل القمح)، لنكتشف أنها تدرك وحتى داخلياً معنى انتهاءها أو تغيرها، ولو سمح باستطراد بسيط هنا، ندرك أن المحور إجمالاً يتمثل في (الجسد)، هذه الغواية أو الفاكهة المحرمة/المحللة، أو المخفاة/المعلنة، تكتشفها الأنثى سريعاً (والحال لا يختلف مع الكاتبة والمبدعة-هذا اتفاق سيكولوجي)، تقف على تبدلاتها طغياناً وانتفاراً، وتقف عليها تخفت وتنطفئ، ولأنه الجسد المحور، تتراكب العلاقة وتتعقد، وفي ذات النص، تتعقب الشاعرة/حواء القمودي، ألفتها التي كانت وتقف أمام تراكب الزمن في الخواء والتلاشي دون آثار:
أجلس على حافة ليلة ربيع
أرقب عمراً يتلاشى
دون أن أزدهي به
وأسمي أطفالاً لا أجدهم وكأن الحديث يعود بنا لمقدمة الكلام، من مرجعية العقلية الذكورية المسيطرة، والمتوثقة في إدراك الأنثى بالوقوف على ضرورة الاشتعال في جذوة الرجل، دون الخروج بالموضوع إلى المجرد، في التعامل معها من منطلق التأقلم مع متغيرات ملازمة لازمة لا يمكن رفضها، أو إنهاءها، لتخرج الفكرة من مجرد ضرورة الثنائية، إلى إمكانية الفردية، فكلا الأنثى والرجل كائن قادر على الاستقلالية التامة، وحتى نقبض على هذه الاستقلالية، نعود لموضوعنا في نص/ أسطورة عائشة، للشاعرة/ عائشة إدريس المغربي، إذ إنها تقف على عام جديد لثلاثين:
ينبجس لي عام جديد
أعيد كتابتي كل لحظة
.....
أضع الكحل مرتين
أحدق في مرايا النساء المشروخة
أمشط ثلاثين ضفيرة، لموعد الوصول
.....
هكذا يعدني الكهنة في الشتائية القادمة
أعبرك ممتطية نشوة الغابة البكر
أمشط ثلاثين نجمة وقمراً
أشعل النار وأنطفئ ... هنا أيضاً يحضر فعل الانتظار في مثال أو رمزية (الضفيرة)، تجمعها بعدد السنين لموعد الوصول، لتتحول هذه الضفائر إلى (ثلاثين نجمة وقمر)، والسبب في العام قمراً بعد الثلاثين، كونه يتحد به، في موعد الموصول.. وكأن هذا الإحساس أو هذه العلاقة لا يمكن أن تحس خارجها، أو المنظومة في ضرورة الثنائية، التي تطغى في حالة الانتظار، وأعتقد أن الموضوع سيدخل بنا شوارع أخرى، لذا سأختم بمقطع من نص/ شحوب المرايا، للشاعرة/ أرياف العذاب، والتي تخرج إلى التماس مباشرة مع التبدل الكبير:
عشرون عاماً من دمي
ألحقتها بالإنتظار
أخفيت كفي عن يدي
وشنقت أبواب القرار
.....
عشرون فاكهة أميرة
وطفقت ألعب بالدوار
عشرون من دمعي إليّ
قد أبرقت فوق المدى ... فهل نقول أن الزمن لا يحس إلا بالآخر؟، وإن كنت حضرت نفسي للتعلق بالزمن أو رصد أثره في النص الشعري، إلا أني لم أستطع أن أفصل تأثيره عن الكثير من العلائق، التي تتداخل وتتشابك في رسم هذا الأثر الذي تشهده الأنثى (وهو ليس بمنأى عن الرجل، لكن الظروف تختلف)، وتراقب تبدلاته على جسدها، وأجد الجسد حاضراً مرة أخرى، وكأن الموضوع برمته يدور في فلك الكتابة في ثنائية: (الجسد) و(الفكر الذكوري).
08-أيار-2021
13-شباط-2007 | |
28-كانون الأول-2006 | |
14-حزيران-2006 | |
03-حزيران-2006 | |
11-أيار-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |