الجــسدُ المُـعلن
خاص ألف
2006-06-14
مقدمة لا بد منها
شيء ما كان يدعوني ويشدني لقراءة أي نص تكتبه أنثى، أو ما يكتبه وبخطه فلم وقع بين يدي امرأة، أ لأن الأنثى طرف في هذا المنتج ؟، إذن فهو يملك إغرائها أو بعضاً منه؟، ربما.. وربما لأن كل ما تلمسه الأنثى يتحول تحت يدها ذهباً لا يقاوم سحره.
ورغم ما لصوت الأنثى (حال الكتابة) من سحر، بلغة البوح، وشحنة الإسرار (من السر)، المستوى الهادئ في نسج الحكاية مطعمة برائحة الجسد، فاكهة الغواية التي صارت الوسم لهذا الإبداع، وما كنت لأرى تأثيره وطغوته موضوعاً في كتابة الأنثى، حتى صادفت هذا النص للشاعرة/ ظبية خميس، وهي ترصد تبدلاً طبيعياً يحدث لهذا الجسد، فتعامله بعقلانية الحاجة التي تريد، حتى انه اضطرني لمعاودة القراءة، ومن خلال هذا النص كتبت مقالي الأول (من وإلى الذات)1، لأعيد كتابته أخرى تحت ذات العنوان2، تقول ظبية خميس:
- نص/ لغة3.
كلما قرر جسدي مطره الدموي الشهري
والذي يمشي كظل خلف دورة القمر
ويغبر عن بكائه عبر بوابة جسدي
حزناً على عجزه المخذول
عن التوحد بذكورة القمر النزقة.
سألت نفسي: أين يكمن الإذهال؟.. وكانت الإجابة: إنها حركية (ديناميكية) الحالة، أو رصد تبدل حالة الجسد (بيالوجياً)، وهو ما لم ألحظه سابقاً في أي نص، أو أيٍ من النصوص التي قرأت بقلم أنثى.. واسمحوا لي أن أقول أنثى، لأني لا أقصد المسمى بقدر ما أقصد الجنس وخصائصه (علامة فارقة).
لماذا الجسد ؟
هذا سؤال يحتاج إجابة، ولم أضع نفسي محللاً أو ناقداً، سامحاً لنفسي تأطير وتأسيس، لماذا الجسد ؟،.. ولأن الواقع فرض على الأنثى/المرأة نمطا حياتياً خاصاً، يعتمد رصيداً أو تركة من العادات والموروثات الاجتماعية التي جعلت من الأنثى/المرأة عيباً واجب الستر، فعاشت محاطة، مسورٌ ما حولها، فأنتج هذا (الارتداد الداخلي)4، أي اتجاهها لذاتها، ومع هكذا حال تؤهلها هذه التركة التبحر واكتشاف أن الجسد هو محل الغواية للذكر/الرجل، باعتبار أنه المناصف حياتياً، وإنها تظل تحفظ هذا الجسد وتعتني به حتى لحظة الاكتشاف الكبرى، لذا لم يكن من المستغرب أن تدك كل تفاصيل هذا الجسد، ومقدار الغواية في كل من تفاصيله (وحداته)ـ وكيف تسقط الإرادة والسلطة الذكورية أمام غوايته.
ومن ناحية أخرى تقابل (نظرية الغواية) بـ180 درجة (نظرية رفض الجسد) من كونه قالبٌ مفروض، يفرض على هذا الكائن التحلي بخصال موضوعة سلفاً، أو مبرمج لها سلفاً، تصرخ بها الشاعرة/ أليس سلوم:
- نص/ أفتش عن رجل عربي5.
ألم تسمعوا صرختي
أنا امرأة عربية
أودع القرن العشرين، ومازلت
سبية من الجاهلية.
فتطلق هذا الجسد تمرداً، صوتاً مطالباً بان يكون، لا أن تفرض كينونته، فتخرج به مطالبة بإعادة اكتشافه، وترك نظرة الجاهلية والعصور المظلمة المضللة.. إذن هناك نظريتان متقابلتان تحياهما الأنثى، والكاتبة تتفاعل أكثر مع هذا حال، فتراوح بين السير في الغواية، والرفض، صارخة رافضة وغاوية.
الشــاهد (سيكون الشاهد خاصاً بالكتابة النسائية في ليبيا).
في مواجهة الجسد تقف الكاتبة.
وفي الشاهد ينتصر الجسد، تظهر الأنثى أمام تقهقر سلطة الكاتبة، تقول الشاعرة/ عائشة إدريس المغربي/
- نص/ تهالة التي لا تقال6.
أريد استعادة طفولة نهدي
وعشقي البريء
اللعنة عليه
كم هو موغل في الوحل
سرقني الليل والانتظار.
وعلينا أن نعي (وأنا متأكد) الفرق في الدلالة بين النهد والثدي، فبينما تعكس المفردة الأولى دلالة حسية _جنسية) تعكس الثانية دلالتها المعنوية (عطاء الأمومة)، هذا يفيدنا في اقتناص النهد دلالة حسية إدراك أثر الزمن وفعله، مدركين أنه في الماوراء يهدم كل شيء، فَأمِلت الشاعرة استنطاق هذا الجزء من الجسد، الملفت والظاهر، فتسهل بذلك مراقبة تبدلاته.
من ذات المنطلق (إثارة حسية)، وبرؤية أكثر تمرداً وجرأة من مجرد التمني، تقتحم الشاعرة/دلال المغربي:
- نص/ حين يشتهيني النخيل7.
الليلة يشتهيني القلم
فكيف لا أعري نهدي
كيف لا أريه صحراء الروح
والخيول تصهل في خواء الجسد.
تتعدى الشاعرة الاستدعاء الدلالي تلبية لرغبة ما، لدخول المعترك من إطلاقه، منحه القدرة على المشاهدة، بإراءته الصحراء (صحراء الروح)، لكنها أيضاً لا تفلت من الرقابة الداخلية، التي أملاها عليها الموروث، إذ أنها في الأصل تستحث الصدر، حال كونه الحافظ والحاوي لما يدور بالنفس (معنوياً)، وهذا ما تكشفه الجملتين التاليتين (كيف لا أريه صحراء الروح/ والخيول تصهل في خواء الجسد)، لكن الشاعرة رأت في توائم ثنائية العين والنهد، إمكانية يمكن الاتكاء عليها.
الشاهد.. يكاد يجد ضالته، فكتابة الجسد (كما تسمى) لا نقرأها كثيراً في نتاج كاتباتنا (الشاعرات خاصة)، وإن كانت كتابته تمرداً، إلا أن رقابة داخلية تنبه أن الاستهجان معلن والرفض قريب، وهي بين هذا وذك تقحم مفرداته، رغبة في التمرد، تقول الشاعرة/ فوزية شلابي:
- نص/ هي أمي التي ترضع البرح8.
وأمي
امرأة ترضع البحر ثدييها
فيحتدم بالوطن وعدٌ طليق.
ما ذا لو قرأت: (وأمي/ امرأة ترضع البحر/ فيحتدم بالوطن وعدٌ طليق) وذات الحال لو قرانا (الليلة يشتهيني القلم/ فكيف لا أعري صدري...)، وتعود ذات الشاعرة/ فوزية شلابي، تقدم جسدها مشروعاً تاماً:
- نص/ الصيرورة9.
لم يعد جسدي يمنحني اشتهاءات الزمان الأول
إذ يتمادى العسل في ارتقاء الزلال،
ويفضح المدى عن لونه السديمي
وتطلع الاشارات من لمح الدهشة.
وتكمله في النص التالي:
- نص/ عربيداً كان رامبو10.
شهقت موسيقى القرنفل
امرأة عارية
تستر القصيدة بفخذيها
وللظلال الغامقة
تشذب حنايا ظهرها الثلجي، فيغور
في خطوط اللوحة (رامبو)
عربيداً كان
يدنو من الكرسي،
ومن أصابعي يفر.
هذا مشروع ناضج ليته اكتمل (خاصة وأن هذا المشروع جاء في المجموعة قبل الأخيرة للشاعرة)، والذي ينتهي بلمسة أصابع، حال الفرار، لن ندخل في تفاصيل هذا المشروع، لنه يحتاج قراءة خاصة تنطلق من تجربة الشاعرة، إنما كان الشاهر قراءة لها واستدلالاً، ولكننا نرصد:
فقد الجسد ألقه الأول، وانفصاله عن زلال الخلق (والزلال هو المادة في الخلية)، حلاوة الفاصل الحد.
هذا الجسد الأنثوي، (وبأكثر جرأة) يستر قصيدته الخاصة به، في مستقره المكين، إنه الخلق.
في هذه الحركة الثالثة، تكشف انحناءها (حنايا-من الحنو)، قمراً ساهراً في الليالي الغامقة.
ثم يفر هذا الشاعر الصغير (فالقصيدة لا تنجب إلا شاعر)، طائشاً، يدنو ويفر.
والحركة الأخيرة، تفتح أمامنا نافذة أخرى هي التماس/ اللمس/ المس، وقدرته على كشف مناطق أخرى، واستنطاق المكامن، تقول الشاعرة/ أم الخير الباروني:
- نص/ خوف11.
البارحة بعدما غادرتني
على غير عادتي
لم ألمس الماء
ولم أشرب
خفت
خفت أن أنطفئ.
هنا المس وهو يشعل الشاعرة، فينعها أن تمس الماء مخافة الانطفاء، مس ندركه لا نقرأه، وهو يكشف لنا أيضاً ما للإرث من تأثير، إنها برؤية تجريدية أمكنها رسم حالة خاصة من أن يكون الماء قادراً على إطفاء جذوة لقاء اشتعلت، تقدمه الشاعرة من خلال هذه الومضة المثال، والمس إو هذه الحاسة اللمس يمكنها نقل الكثير تتعدى مجرد البرودة السخونة، للكشف والتمني أن يكون بين اليدين، تقول الشاعرة/ حليمة الصادق العائب:
- نص/ نشوة الصباح12.
لأجلك ابتسمت هذا الصباح
ابتسمت،
كي تزهر بين يدي
ونتعدى المس فعلاً إلى فاعلً، من مجرد استكشاف إلى كاشف ومستنطق، تقول الشاعرة/دلال المغربي:
من يغتصبني ؟
ليفك إساري
لأولد من جديد.
سؤال بحث، يؤكد أنه لا تحقق إلا بالتماس والآخر، لذا تدعوه لكشفها واستخدمت (الاغتصاب) لكسر كل مقاومة تنشأ، لأنها تدرك أن هناك ثمة مقاومة ستكون، منهم على أقل تقدير.
مـاذا بعـد ؟
رغم الشاهد الحاضر، فإن حضور الجسد لغة غير مكتمل، أو غير واضح، ولو راجعنا ارث الذي تربت فيه الشاعرة لأدركنا السبب، لذا فهي تعيش انفصاماً
فهي ترضخ لهذا الإرث باعتبارها أحد الفاعلين اجتماعياً، فترى الجسد محرماً، وجالباً للرفض والسخط، حتى الطرد.
وتعيد النظر كرة أخرى، فتكتشفه إساراً وقيداً، فتبدأ في نشره.
بين دفعين تكتب المرأة ذاتها، شعراً قادراً على النفاذ والأخذ بنا، وتحت ذات الدفعين تكتب شاعرات التسعينيات الأكثر قرباً للنص الحديث، والتطلع على الجديد، إنهن يؤكدن أن الإرث لازال قائماً، وأن الطرح صراحة إعلان لا زال خافتاً.
08-أيار-2021
13-شباط-2007 | |
28-كانون الأول-2006 | |
14-حزيران-2006 | |
03-حزيران-2006 | |
11-أيار-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |