تثلج كعادتها في اليوم الأخير من السنة
أرسم على وجه سمائي صورة مضيئة للأمل
أمام نافذتي أشجار مثقلة بثمار بيض
وقلبي مثقل بكِ إلى حد البكاء
أحملكِ فيه ودياناً وبيوتاً وأنهاراً تنزف
حنطة وظلال طيور تأخذ نصيبها من غلّة الأرض
أطفلاً يلعبون بما تبقى من عمر قصير
شمساً غائبة تأخذ مكاناً مريحاً في الذكريات
خيم نازحين وقبلاً جامدة على الخدود
شهداء البرد والجوع والتشرّد والضياع
وشهداء من انفجارات أرضيّة وطائرات لا ترحم
لا أعرف كيف أضمّكِ إلى صدري قبل أن يرحل العام؟
ولحمك الأدميّ يتناثر على الجهات في كل انفجار.
في المقهى والشتاء حارس غاضب على الباب
نلتمّ على بيرة تدفئ أرواحنا العارية
لا نساء معنا فيها والبيرة تشرق بالذكريات
لم أكن يوماً مع الأصدقاء بلا سيرتكِ الجريحة
كنتِ أمي حيناً وحبيبتي أحيانأ كثيرة
وأنا أشرب حليب صدركِ حين أجوع
وألتهم حلمتيك حين يأخذني في عشقكِ الحال
في هذا الجحيم البارد
كيف يراكِ الله يا بلادي؟
أنتِ المشلوحة شقفاً على القارات
ومغموسة بالدم كلقمة الفقير
إله هذا اليوم غارق في البياض
من رأسه إلى أسافل الروح
إله على عكّازتين من ماء وضباب
إله غاضب كأعتى الطغاة
ومرح كرنين ضحكة الأطفال
يذوب تحت أسنان طفل سوري ظمآن
حين تعتريه الرحمة
ويعصف حين تشتدّ ريحه بآلاف الخيام
لا تفركي يديكِ من البرد
قبّليني كي تدفأ أعضائي وتتدثر بكِ روحي
وأطشّ ما تبقى من حنطة بيادري:
حفنة للعصافير الرمادية ولمناقيرها الثلجيّة
حفنة للبيادر البيضاء وأضراس الجليد
حفنة للتماثيل التي ترتجف من البرد
حفنة للطفل السوري المزرق قبل أن تمجّه الحياة
حفنة للطيور التي بلا أعشاش وبلا وطن
حفنة لشاعر يضع قلبه على النار حتى تذوب السماء.
لا آثار للطيور على الثلج
ولا للأرانب والثعالب الماكرة
الذئاب بعيدة والدروب تأسرها الثلوج
من يحب أولادكَ أكثر في هذا الشتاء يا أمّي؟
أنا أم طنجرة العدس الساخنة؟
لا ماء يفور على المدفأة
ولا إبريق الشاي يقرقر كالعادة
بيوت الجيران خالية من أصحابها
أولاد الحارة رحلوا جميعاً
من مات مات ومن أكلت عمره السجون
ماذا أفعل بنفسي أريد أن ألعب هناك؟
أمسك بيد الملائكة مرّة ومرّة بيد الشيطان
أريد أن أكون بكامل وجعي وطفولتي
سأعصر من أجلها ما تبقى من فاكهة أيامي
وكل ما تبقى من الدمع في العيون.
كل ليلة من يجرّ روحي إلى هناك؟
كل حلم أخرج إلى شوارعها حافي القدمين
لا أترك بيتاً في الحارة بلا صباح الخير
لا أترك غيمة في سمائها بلا تحية المطر
أقرع نواقيس أيامها التي نسيها الأولاد
أخربّش على حيطانها كلمة سرّها الخالدة "أحبّكِ"
أركض في حواريها فرحاً كمهر عاشق
حتى تشرب أرضها عرق الطفل الهاطل كشلّال
فيا أيّها الأرق الصديق
يا صاحبي الذي رافقني في هذا الليل الأبيض الطويل
لا تحرمني من إسرائي إلى سمائها
ذراعاها مفتوحتان كل ليلة في حلم الصبي
فلا تترك روح بلادي مشردة وعارية
في هذا العراء الأبيض القاتل!