تاريخ سوريا الحضاري بين قدسية الحجر و لعنةِ البشر 2
خاص ألف
2015-06-25
الثورة السورية من آثار الدمار إلى دمار الآثار
بدأت الثورة السورية و قُلبت طاولة الحرب على جغرافيتها و تاريخها و كان لمعنى الحرية المنشود أن يوقع سورية فريسةَ الفكرِ الشمولي لنظام البعث الذي لا يرى أبعد من عقليته الأمنية هذا الفكر الذي يختصر في بشار الأسد معنى الدولة ثقافياً و اجتماعياً و سياسياً فمجرد سقوط هذا الفكر هو سقوط لكل ما سبق و العكس ليس صحيح , و ما يتعرض له تاريخ سورية اليوم من نهب و قصف و تخريب يقع تحت مسميين متعاكسين في التوجه متفقين في الهدف , المسمى الأول وثنُ الأسد أو نحرق البلد , و المسمى الثاني يرى في الإرث الإنساني بدعة و أوثان و لا بد من حرقه .
الجهات المساهمة في سرقة و تدمير و إتلاف إرث سوريا
1 – النظام السوري : منذ بداية الثورة و النظام يمارس شطحات في الانتهاكات على مستوى الحجر و البشر كمحاولة منه لابتزاز إرادة السوريين و جعلهم و جعل العالم أجمع في حالة من الخوف و القلق على واقع سوريا و تاريخها لذلك لم يتوانى النظام عن قصف الكثير من المواقع الأثرية التي سنأتي على ذكرها تفصيلاً , بالإضافة إلى إطلاق يد ضباطه و جنوده لسرقة ما يحلو لهم في الكثير من المواقع الأثرية و هناك شهادات مسجلة بالصوت و الصورة و هي كثيرة
و هناك تجار آثار محترفين و الذين لهم صلة بمافيات عائلة الأسد و على رأسهم "ماهر الأسد" و قد نشُطَ عملهم منذ بداية الثورة
ناهيك عن إفراغ محتويات أغلب المتاحف منذ عام 2011 على يد النظام و نحن نعلم أن أكثر من 75% من هذه المقتنيات هي مقتنيات غير مؤرشفة ولا مسجلة و بالتالي لا يمكن التأكد من عودتها كاملةً
2 – داعش : التي وجدت في هذا الإرث التاريخي مصدر تمويل هائل لشراء السلاح و دفع رواتب مقاتليها فمنحت تراخيص تنقيب غير مشروعة في المناطق التي تسيطر عليها مقابل الحصول على 30% من قيمة الآثار الغير الاسلامية و 50% مقابل الآثار الاسلامية, و أغلب القطع الكبيرة التي يستحيل بيعها بسبب القوانين الدولية التي تمنع الإتجار بالآثار تعرضت للقصف و التدمير من قبل داعش مثل الفسيفساء البيزنطي و التماثيل الرومانية و اليونانية بداعي أنها شرك و بدعة و لا تمت إلى الإسلام بصلة .
3 – عصابات دولية محترفة : و تكمن خطورتها في توجهها القائم على تزوير تاريخ المنطقة و أغلب هذه العصابات مرتبط مع إسرائيل و هي من أوائل المافيات التي أدخلت أجهزة مسوحية متطورة إلى سورية بالإضافة لأجهزة اتصال عبر الأقمار الصناعية و هذه العصابات متخصصة بسرقة المخطوطات و الآثار و الخزائن و المتاحف و البنوك و قد سبق لهذه العصابات أن دخلت إلى العراق و ليبيا.
4 – أفراد عاديون و عناصر منفلتة من الجيش الحر : الأفراد هم أشخاص سولت لهم أنفسهم استغلال وضع البلاد و قاموا بعمليات نبش لاستخراج بعض القطع الأثرية والاتجار بها من باب الرزق في ظل انعدام سبل العيش و للأسف فقد أصبحت هذه المهنة متداولة بين الكثيرين في المناطق الغنية بالإرث التاريخي و ذلك لعدم وجود أي مراقبة أو مساءلة
و بالنسبة للجيش الحر فقد أضروا بالمواقع الأثرية من جانبين , الجانب الأول عندما كانت أحد تكتيكاتهم الاختباء في أماكن أثرية و هم يعلمون أن النظام الذي أباد البشر لن يتوانى عن قصف هذه المناطق دون أدنى مسئولية
أما الجانب الثاني فهو قيام عناصر منفلتة من الجيش الحر بتسهيل عملية الاتجار ببعض القطع الأثرية و خاصة في المناطق الحدودية بالإضافة لوجود كثير من الشهادات التي تقول عن قيام بعض المستنفعين من الجيش الحر بإقامة طوق حول بعض المواقع الأثرية و نبشها جهاراً نهاراً.
5 – الهاربون من القصف : فالقصف العشوائي للنظام في مناطق شمال سورية دفع بالناجين إلى حمل أطفالهم و بعض مستلزماتهم و الهروب إلى بعض المدن الأثرية للاحتماءِ بها من البرد و المطر و القذائف و قد حولوها إلى مخيماتٍ للجوء مما أدى إلى إتلاف أجزاء كبيرة في مقتنياتها .
هذا القصف الهمجي للنظام و الأيديولوجية الظلامية للجهات المتطرفة و الاسراع و الانسعار في نهب ثروات "سيدة التاريخ" كما يسميها أحد علماء الآثار والذي جعل القائمين بالنهب يقومون بأساليب بدائية لاستخراج القطع الأثرية ( المعول , و الرفش , الكومبريسات الكبيرة , الجرافات, و غيرها) أقول أن كل هذا جعل اليونيسكو تصدر قائمة تخص ستة مواقع أثرية سورية مهددة بالزوال من أصل ثمانية مواقع مسجلة على لائحة التراث العالمي .
جغرافية عمليات التهريب
العملية ليست معقدة جداً , حق الجار على الجار , فاللقى الأثرية المستخرجة من المناطق الجنوبية مثل درعا يتم تهريبها عن طريق الأردن إلى متاحف إسرائيل . أما اللقى الأثرية المستخرجة من حمص تدمر و دمشق فهي تدخل عن طريق لبنان و تصل إلى يد هواة جمع التحف -و ما أكثرهم في لبنان- أو إلى تجار آثار في أوروبا , أما المناطق الشمالية التي كانت كنوزها مخبأة حتى عام 2011 و فقدت بكارتها مع بداية الثورة فهي من نصيب تركيا و منها إلى أوروبا , و بالتأكيد لا يمكننا التحدث عن الكميات المُهربة فالواقع دائماً أسوأ بكثير فيما يخص هذه القضية و الحديث عن ملف التهريب يحتاج إلى أن نُفرِد دراسة خاصة عنه .
توثيق بعض الانتهاكات في المحافظات و المتاحف
دمشق
لا تزال دمشق إلى الآن هي الأكثر نجاةً من حيث عدم تعرض مواقعها الأثرية إلى القصف و النهب العشوائي باستثناء حي جوبر الدمشقي الذي تعرض لقصفٍ همجي من قبل قوات النظام مما أدى إلى دمار الكنيس اليهودي في 1282013 و يعتبر كنيس جوبر من أقدم الكُنُس في العالم فقد بني في العام 700 ق.م و يوجد فيه أقدم نُسَخ للتوراة
ريف دمشق
أتت الحرب الدائرة في مناطق ريف دمشق على الكثير من المواقع و خاصةً المواقع المسيحية العريقة فقذائف المدفعية للنظام دمرت قسماً كبيراً من دير صيدنايا و الذي يعود تاريخه إلى 574 ميلادي في الفترة البيزنطية المبكرة , و في معلولا تم حرق بعض الكنائس القديمة على أيدي بعض المتطرفين و تم سرقة مخطوطات و أيقونات تعود للقرن الرابع الميلادي . بالإضافة إلى قصف جامع حرملة علي يد النظام في منطقة المناشر عين ترما و فيها مقام الصحابي الجليل "حرملة" , ناهيكَ عن دمار الكبير من الحمامات الأثرية كحمام حرستا الشهير إبان تعرضها للقصف .
درعا
استهدف النظام المسجد العمري في درعا ، الذي بني أثناء الفتح الإسلامي لسوريا في أيام الخليفة عمر بن الخطاب .
وشمل التدمير مدينة بصرى (المرجة على لائحة التراث العالمي) و التي يقع فيها أفضل مسرح روماني في العالم، كذلك جامع "الأم أياد " في "درة" هو واحد من أقدم المساجد الإسلامية في سورية، والذي بناه الخليفة عمر بن الخطاب أيضاً، إضافةً لتل الأشعري وتل أم حوران في نوى، وقد تم ترحيل حجارة من مواقع أثرية في قرية المتاعية، وهدم مبان أثرية في كل من طفس وداعل وفي البلدة القديمة في سحم الجولان , أما مؤخراً فقد أصبحت مواقع درعا الأثرية بازاراً لعصابات دولية محترفة و الكثير من هذه البازارات تحت إشراف فصائل من الجيش الحر , و آخر تقرير صدر أواخر الشهر الماضي عن احتكار بعض الفصائل المقاتلة لمواقع يتم التنقيب بها في وضح النهار .
الحسكة
و هي من أغنى المواقع الأثرية بالشواهد و الأساطير الغامضة التي تلف هذه الشواهد , (1200) موقع أثري و لكل موقع حكايات تمتد منذ الألف الرابع قبل الميلاد حتى صد التتار و المغول إبان الحكم الاسلامي , و أشهر حاضراتها تل عربان الذي يضاهي تدمر من حيث إرثه التاريخي , و بدأ النهب في مواقع الحسكة منذ بداية الثورة السورية , و أشهر المواقع التي نهبت تل "حمو كار" و تل " جمولة الفوقاني" , و للأسف فقد كان النهب فيها يأخذ طابع العمل الجماعي و اليومي (من قبل سكانها و من قبل مستنفعين في الجيش الحر ) و في بعض المواقع تم الحفر حتى ثلاثة أمتار إلى أن اقتنعت جبهة النصرة بضرورة إصدار قرارات تمنع التنقيب , و لكن ما لبث التنقيب أن عاد لنشاطة مع سيطرة "داعش" التي اكتنزت مقتنيات المواقع الثمينة كالذهب و الأواني الفاخرة و غيرها في بيت مال المسلمين و حطمت كل ما له علاقة بتماثيل للأشخاص أو الحيوانات بداعي محاربة الوثنية , كتماثيل تل عجاجة (عربان) التي تم تحطيمها في مدينة الشدادي على مرأى الناس علماً أنها تماثيل تعود للحقبة الآشورية .. و غيرها الكثير الكثير
دير الزور
تعرضت المواقع الأثرية و المعالم الحضارية في دير الزور إلى العديد من عمليات القصف على يد النظام براً و جواً و أهم المواقع التي تعرضت للقصف هي الجسر المُعلق ثاني أقدم الجسور المعلقة في العالم و الذي بني في فترة الاحتلال الفرنسي , و كذلك السوق "المقبي" الذي كان مكاناً تدور فيه الاشتباكات بين الجيش الحر و النظامي و تعرض متحف الدير الكبير إلى القصف و النهب من قبل جميع المتصارعين , و الجرح الأكبر في دير الزور هو موقع "دورا أوروبوس" هذا النموذج الكلاسيكي الفريد للمدن القديمة التي تم تأسيسها على يد السلوقيون و تعرض هذا الموقع للنهب من ألفه إلى يائه , و كل ذلك كان يتم أمام ما يدعى بالهيئة الشرعية و كتائب الجيش الحر دون أي اعتراض , و للأسف فإن أغلب لصوص الآثار هم من أبناء العشائر في الدير الجاهلين بقيمة تراثهم و الذي تم بيعه بأبخس الأثمان .
الرقة
شقيقة بغداد اللدودة فهي تشابه بغداد في قواسم كثيرة من تاريخها الذي بدأ منذا الألف الرابع قبل الميلاد في حضارة تل "زيدان" وصولاً إلى الدولة الاسلامية و ازدهارها في عصر الرشيد و قد سميت عاصمة الرشيد . بقيت متاحف الرقة آمنة في بداية الثورة و لكن ما لبثت أن تعرضت متحافها و مواقعها للنهب المنظم أثناء وجودها تحت سيطرة النظام و بعد خروجها عن سيطرته و كغيرها من المحافظات السورية الأخرى طال قصف النظام فيها سور المدينة و باب بغداد و قصر البنات و الجامع القديم و أنهكتها إجراءات داعش من تصاريح للتنقيب عن كنوزها لكلِ قاصٍ و دان , و تدمير آثارها التي تمثل رموز وثنية بالنسبة لهم , و يُشهَد لمواقع الرقة (السبية) الأثرية أنها سببت انقسام بين فصائل داعش فمنهم من يريد حرقها و تدميرها و منهم من يريد بيعها و الاستفادة منها .
حماة
مدينة النواعير كما يطلق عليها حيث تضم مئة و خمسة نواعير , و قد صب النظام جام غضبه على هذه المدينة التي كان لها ثأر قديم معه , لذلك لم تسلم معالمها الأثرية من بطشه فتم قصف حي الأربعين و بقايا المدينة التاريخية و أبيد حي الكيلانية الذي يعود للعهد المملوكي ناهيك عن حرق عدد من النواعير آخرها ناعورة المحمدية , و كذلك لم تسلم قلعة المضيق المسجلة على لائحة الثراث الإنساني من القصف العنيف و تحولت فيما بعد إلى كراج للدبابات .
و لم يكن الوضع أفضلَ حظاً مع مدينة أفاميا الأثرية و التي تعرضت بدورها إلى قصف شديد و نُهِبَ متحفها الذي يحوي لوحات فسيفسائية تعود إلى الحقبة الرومانية و قد تحولت هذه المدينة إلى منطقة اشتباكات حامية الوطيس بين الجيش الحر و جيش النظام و الذي أدى بدوره إلى تدمير كل مواقعها الأثرية .
حمص
بلغت حصيلة خراب مدينة حمص في الحملة العسكرية التي شنها النظام عليها حداً خطيراً حيث دمرت أغلب مساجدها التي تعود إلى العهد المملوكي ، وتعرض مسجد أبي ذر الغفاري في باب تدمر للتدمير أيضاً، وشمل القصف بمدفعية الهاون سوق النوري الأثري الذي يعود إلى العهد الأيوبي وتهدم العديد من محلاته كما تعرض سوق القيسرية إلى القصف أيضاَ
أما كاتدرائية السيدة العذراء أم الزنار في حي الحميدية، والمعروفة باسم كنيسة أم الزنار التي بنيت تحت الأرض في عام 59 ميلادي فقد نشر ناشطون مقاطع فيديو تظهر آثار الدمار الذي حل بها
وتعرَض الجامع التاريخي و رمز مدينة حمص جامع خالد بن الوليد إلى القصف. وفي مدينة القصير التي تبعد عن مدينة حمص 35 كم غرباً تلقى دير القديس "إليان" الحمصي نصيبه من مدفعية النظام .
حسان دويكات
2015-06-24
رائع
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
28-كانون الأول-2019 | |
17-شباط-2018 | |
25-تشرين الثاني-2017 | |
25-حزيران-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |