سوريون ظلمهم الورق فاختاروا الافتراض.. شعراء "الفيسبوك"
خاص ألف
2016-09-10
هل الشعر هو فقط ما قرأناه ونقرأه على صفحات المجموعات والدواوين الشعرية الصادرة عن دور النشر والطباعة الورقية؟
وهل الشعراء وحدهم هم من استطاعوا نشر نتاجهم الشعري على بياض الورق، ثم انتشرت أعمالهم وإبداعاتهم بيننا وصرنا نتسابق للحصول على أحدث إصداراتهم ولو كلفنا ذلك الكثير من الوقت والمال؟
إن شبكات التواصل الاجتماعية أفسحت المجال أمام العديد من الذين يُستحق أن نطلق عليهم صفة شعراء حقيقيين رغم عدم قراءتنا بيتاً أو مقطعاً شعريا أو نثرياً ضمن المنشورات الورقية، وبالمقابل فقد قرأنا الكثير من النتاج الكتابي للبعض لا يستحق حتى المرور عليه أو تصنيفه ضمن خانة الشعر والأدب بصورة عامة، يشبه بذلك الكثير من المطبوعات التي لم يُطلِق عليها، سوى أصحابها، صفة (ديوان شعر)، وكان مصيرها ومصير كتّابها فوق الرفوف المهملة لمكتباتنا أو بين أكوام الكتب التي تباع بالوزن، دون أن تحوز على إعجاب القارئ الأدبي.
إن عدد الشعراء الذين يدعون المقدرة الشعرية الكتابية كبير جداً، ودواوينهم لا تعد ولا تحصى، فمنهم من كان شعره ساطعاً كشمس الصباح الطامحة في إشراقها وشموخها إلى قمة العطاء الإبداعي، ومنهم من كان شعره كالظل المتنقل مع شمس المغيب، في كل آونة يقترب نحو الزوال، وإذا قرأناه لا نجد فيه شيئاً من الشعر، وإذا بحثنا عن الإبداع فيه كأننا نبحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة. فصار لا بد من الوقوف بجرأة لانتقاد وغربلة الشعر المطبوع من اللا شعر. لذلك نقول لا بأس إذا جمعنا الكثير من هذا النتاج وصببنا عليه النفط وأحرقناه!
هذا القول ليس "هولاكي" النزعة للتجني على نتاجات البعض، بقدر ما هو دعوة لهؤلاء إلى الوقوف بشجاعة أمام المرآة ولو لمرة واحدة.. وذلك للحفاظ على القليل من النتاج الشعري المنسوخ طباعةً وإبداعه الغني عند بعض شعرائنا..
من خلال تتبع صفحاتِ بعض الأصدقاء والمجموعات على موقع (الفيسبوك) يتبين لنا، كقرّاء بسطاء للأدب، تمكّن العديد منهم من اللغة الشعرية من ناحية الصورة والشكل والمضمون، والوزن في بعض الحالات، رغم ميول البعض إلى كتابة النثر دون غيره من فنون الشعر والأدب ليطغى على أسلوب معظمهم.
والحال، فإن ذلك التتبع والتواصل معهم وسؤالهم عن سبب لجوئهم إلى صفحات (الفيسبوك) وعدم ميلهم إلى الطباعة الورقية التقليدية، أو النشر في الصحافة الأدبية كما يفعل الكثيرون، كانت مجمل الإجابات متقاطعة فيما بينها، ومعظمها يتعلق بصعوبة النشر الورقي بسبب ارتفاع تكلفة الطباعة في دور النشر التي لا تقبل بالطباعة والتوزيع إلا بالدفع المسبق لأصحابها. أما المتعلّق بالنشر في المطبوعات الدورية من صحف ومجلات، فقد كانت المسألة تتعلق بالصحيفة أو المجلة ذاتها، حيث لا تنشر ضمن صفحاتها إلا لشعراء معروفين مسبقاً، ولهم دواوين مطبوعة ومنتشرة في العالم العربي، أو للمحررين في الصحيفة ومن لهم علاقة بهم وإن كانت كتاباتهم لا تستوفي شروط اللغة الشعرية!
تقول "ن، مالك" إحدى كاتبات العالم الافتراضي (الفيسبوكي):
"البعض منا يعتقد بأن ما ينشر على هذه الصفحات ليس شعراً وإنما عبارة عن خربشات بطريقة أدبية وبلغة فصحى، ولا نستطيع أن نقارن أنفسنا بالشعراء المعروفين أو أن ننشر مثلهم. كل ما يريحنا حين نكتب بعضاً من كلماتنا هو كمّ الإعجابات (اللايكات) الذي يزيد يوماً بعد يوم!".
يبدو، ومن خلال كلمات سوسن، بأن البعض يشعر بعدم رضاه عمّا ينشره لاعتقاده بأنه لا يرقى إلى مستوى بعض الشعراء الذين استطاعوا يوماً طباعة نتاجهم الشعري ونشره، لذلك اكتفى بأسلوب (البوستات) الذي يمنحه مساحة أوسع من الكتابة بحرية بعيداً عن رقابة القارئ النقدي الأدبي.
أما "أ، بغدادي" فيقول:
"إضافةً إلى صعوبة النشر في سوريا قبل الثورة بسبب القيود الأمنية وارتفاع التكاليف، وصعوبة المعيشة في الداخل السوري المحرر أو في دول الاغتراب بعد قيام الثورة.. صار الفيسبوك هو الوسيلة الأسرع والأشمل في انتشار كتاباتنا وحرية كلماتنا رغم حنيننا إلى تقليب صفحات الشعر ومتعة إهداء المجموعات بين الأصدقاء.."
وباعتقادنا، فإن الشعر هو ما يحرك بداخلنا مشاعر الحب والكره والفرح والحزن والحنين والشوق من خلال الصور البيانية التي يحتويها، ولا يستطيع كاتب ما أن يمتلك الشعر دون أن يكون قارئاً جيداً له، غائصاً في أعماقه، قابضاً على مفاتيح لغته وفصاحتها.
ومن هنا، نستطيع الإجابة عن الأسئلة التي طرحناها في البداية، بالقول:
ليس شرطاً أبداً أن تكون كلماتك الشعرية مسوّرة بغلاف كرتوني ملوّن، نُسخ عليه لوحة لبيكاسو أو مودلياني، وكُتب بزاويتها (مجموعة شعرية) كي ترقى إلى محاكاة أحاسيسنا وانتزاع الاعتراف منا بأن صاحبها شاعر! وبالمقابل، فإننا نفاجأ بما عُثر عليه على صفحات التواصل الاجتماعية من قصائد ونقرأها للنهاية ظنّاً منّا بأنها مذيّلة باسم محمود درويش مثلاً أو القباني أو أدونيس أو الماغوط، أو أن تكون مترجمة عن لغات أجنبية لـ ت – س- إليوت أو لوركا أو حمزاتوف، لكنها تكون بتوقيع صاحب البوست.. الشاعر!
اقتباسات منهم:
وائل سعد الدين:
كلّما مِتنا
سنولدُ ما استطعنا
و المدى المسفوكُ في دمِنا المزنّر
سوفَ ينهدُّ
نحنُ الذينَ إذا وقفنا أو صرخنا ضدّ شيءٍ
لا نبالغُ -إن تمرّينا قليلاً-
فالجمالُ حقيقةٌ
و الضدُّ
يظهرُ
حسنَهُ
الضدُّ
بثينة علي:
أنا التي تناولَـتني
الشبابيك العاليات
والطيور الجارحة
...
أنا التي نظرت
الى الصباح الجديد
فاخترت البارحة..
أحمد بغدادي:
افتح لها باب الحديقة الخلفي
واتكئ على سور الحديقة
من بعيد ...
انتظر عبقها
وحفّز حدسكَ
بالنظر إلى ذكرياتك معها.
إن لم تأتِ
انتظر قليلاً
قليلاً انتظر وأنتَ تحصي بأنفاسكَ نبضات الأزهار؛
لربما تأخّرت عن موعد الحافلة
أو ..تناست ظلّها عند الغروب !
لربما ...
غيومٌ تندفُ المطرَ فوق رأسها
أخّرتها عن العِطر الذي
أعددته لها.
لربما تقصّدت أن تتأخرَ
كي تلوي ذراع الحبِ قليلاً
بغنجٍ الغزلان
وتسقطكَ في شركِ النرجسِ
واحتمالات العبقْ!.
.........
ولربما هذا القلقْ
صباحٌ غائمٌ
مدلهمٌ بالانتظار
والشفقْ!.
قصي زهر الدين:
تنمو أزهارُ الليلِ عالياً
عالياً جداً
وأعوادُ ثقابٍ تحترقُ ـ من بعيدٍ ـ في عتمةٍ عميقة
***
أعلم حينها أنكِ تضحكين
وأعلمُ
أنّ حيرةً تُورقُ
أنّ
قمراً يكشفُ عن حزنٍ باردٍ
وأعلمُ أن الحزنَ جميل..
08-أيار-2021
14-أيلول-2019 | |
27-تموز-2019 | |
23-حزيران-2018 | |
27-كانون الثاني-2018 | |
10-أيلول-2016 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |