المضحك المبكي فيما يخص السوريين
أحمد طلب الناصر
2018-01-27
لم يكن مستبعداً عن أطياف المهجّرين السوريين التضارب بالمواقف إزاء عملية "غصن الزيتون" الدائرة منذ تاريخ العشرين من الشهر الجاري، في ريف حلب الشمالي، عفرين وما حولها. بل ومن الطبيعي جداً أن نشهد هذا الاختلاف، على صفحات التواصل الاجتماعي، بين مؤيد ومعارض لقيامها رغم إعلان الحكومة التركية، وفي عدة مناسبات، بأن عملية درع الفرات، التي انطلقت في آب/ أغسطس الماضي، لن تقف عند هذا الحد، بل ستمتد إلى عفرين ومنبج أيضاً وصولاً إلى شرق الفرات، وأن الأتراك لن يسمحوا بقيام كيان إرهابي متاخم لحدودها ويهدد أمنها ومصالحها.
وفي الوقت الذي بارك فيه معظم السوريين تلك العملية، لا سيما المتواجدين منهم على الأراضي التركية والنازحين من الشمال السوري وعلى الأخص من أبناء البلدات التي سيطرت عليها ميليشيا الـ pyd بعد انتزاعها من الجيش الحر، ونعني هنا أهالي "تل رفعت" وما حولها، الذين لا تزال صورة جثث أبنائهم الملقاة على القاطرة، والمعروضة في شوارع عفرين، محفورة عميقاً في ذاكرتهم، يظهر فريق آخر منتقداً الخطوة التركية متهماً إياها بالتدخّل في شأن داخلي سوري تارة، وتارة أخرى باستهداف مدنيي مدينة عفرين كما يسوّق إعلام الميليشيات التابعة لتنظيم الـ pkk المصنّف إرهابياً في لوائح الأمم المتحدة.
ما يثير الاستغراب هو أن الأطراف السورية "الممانعة" لغصن الزيتون هي ذاتها التي استنكرت في السابق إعلان قوات حماية الشعب الكردي وإدارة الحكم الذاتي إنشاء إقليم "روج آفا- غرب كردستان" في آذار/ مارس 2016 قبيل انطلاق عملية درع الفرات التي بدّدت أحلام الكيان الانفصالي في الشمال السوري المحرر بعد اغتصابه من قبل تنظيم داعش تمهيداً لتسليمه لاحقاً للـ "بي كا كا" ضمن سيناريو شيطاني يشبه تماماً ما حصل مؤخراً في الرقة وديرالزور.
ومعظم من حمل لواء "الاستنكار" السوري للعملية الأخيرة، على شبكات التواصل الاجتماعي، هم من المتواجدين داخل بعض الدول الأوروبية، إضافة لدول عربية أخرى، وفريق محدود داخل تركيا ممّن ينضوي داخل جمعيات ومنظمات تصف نفسها بالـ "مدنية" رغم أنها لم تظهر في السابق أي تعاطف تجاه عشرات الآلاف ممن هجروا من مدنهم وقراهم نتيجة سياسة التغيير الديموغرافي التي انتهجتها الميليشيات التابعة لـ بي كا كا،
اعتبر البعض من أولئك أن التدخل التركي "احتلالاً" والبعض الآخر اعتبره "انتهاكاً" للسيادة السورية، وآخرون اعتبروه "تقسيماً" لسوريا، ضاربين بعرض الحائط الاحتلال الإيراني، والروسي، والأمريكي المتمثل بـ "قسد"، والميليشيات العراقية واللبنانية. كما نسوا أو تناسوا الانتهاكات اليومية الصارخة التي تمارسها طائرات التحالف وإسرائيل وروسيا، على جميع الأطراف السورية بدون استثناء. وراح أيضاً عن أذهانهم الخارطة السورية المقسّمة أصلاً منذ اليوم الأول الذي استخدم فيه نظام الأسد العنف ضد المدنيين وقرر فصل مناطق الثورة عن "سوريا المفيدة"، حسب تسميته، والخاضعة لسيطرته العسكرية والأمنية والطائفية، ناهيك عن المناطق التي تقاسمها مع قسد، في شرق وشمال سوريا، بمراكز مدينتي الحسكة والقامشلي، وشرقي الفرات وغربه في محافظة ديرالزور.
تركيا لم تتدخل في الملف السوري منذ بدء انطلاقة الثورة إلا ضمن الوضع الإنساني بالدرجة الأولى، ففتحت حدودها واستقبلت أكبر عدد للاجئين السوريين في العالم، في الوقت الذي أغلقت معظم الدول العربية أبوابها بوجه السوريين. وحين تطلّب الأمر تدخلها لوقف آلة الدم التي أشعلها نظام الأسد، طلبت تركيا مساندة دول "الناتو"، الذي تشكّل فيه القوة الرئيسة الفاعلة بشرق الأطلسي، لاكتساب شرعية وفعالية تدخلها، إلا أن أمريكا والاتحاد الأوروبي لم يستجيبا لطلبها، مع محاولتهما جاهدين دفع تركيا إلى المستنقع السوري بشكل منفرد، ومواجهة التدخل الإيراني والروسي وبقية الميليشيات الطائفية داخل الأراضي السورية، تحضيراً لزعزعتها داخلياً. إلا أن الحكومة التركية تنبّهت للمصيدة التي كانت تُحضّر لها، وآثرت عدم الانجرار وراء ما كان يُحاك في مطابخ الغرب.
لكن، وبعد وصول التهديد إلى عقر دار الأتراك، متمثلاً بإقامة كيان يديره تنظيم انفصالي إرهابي طالما أضرّ بمصالح الدولة التركية، داخلياً وخارجياً، وهدد وحدتها، على مدى أكثر من ثلاثة عقود، كان الداعم الرئيسي فيه عائلة الأسد، تشاركها أمريكا اليوم، كان لا بد لتركيا من التحرّك للوقوف بوجهه، لا سيما أن وجوده اليوم صار يمثل تهديداً للسوريين أيضاً الذين ضاقوا ذرعاً بسنوات التغريب القسري داخل تركيا وباتوا يتطلعون إلى الخلاص والعودة إلى بلداتهم وقراهم التي يحتلها تنظيم حليف للنظام السوري.
كل ذلك، دفع فصائل الجيش السوري الحر، الذي شارك في عملية تحرير منطقة درع الفرات، إلى المشاركة بتحرير عفرين، بمساندة وتغطية الجيش التركي، آملاً أن يمتد التحرير مستقبلاً صوب منبج وبقية المناطق التي تسيطر عليها ميليشيات بي كا كا، ليتمكن السوريون من العودة إلى أراضيهم كما سبق وحصل في مناطق درع الفرات.
ومنذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها عن البدء بعملية غصن الزيتون، بادرت جموع الشباب الأتراك والسوريين إلى التوجه صوب شُعب التجنيد المنتشرة داخل أكثر من 10 ولايات تركية للتطوع والمشاركة في العملية، في الوقت الذي تعتبر فيه بعض الأطراف التركية، لا سيما المعارِضة للعدالة والتنمية، أن العملية تصب بمجملها في صالح اللاجئين السوريين متجاهلين التهديد الذي يمثله الانفصاليون من وحدات حماية الشعب لحدودهم الجنوبية، ويعتبرون زجّ أبنائهم في المعركة، لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
في المقابل، والطريف والمفاجئ بنفس الوقت، هو موقف بعض "السوريين" ممّن حصلوا على جنسية الدولة التركية مؤخراً، يشاركونهم الرأي، ويعتبرون أن القضية لا تمثلهم، وليست أكثر من صراع فريقين سوريين متناحرين يميل كل طرف منهما لنظام ضد الآخر!