أنا مَن يقولون عن ظلّي : أعزّ من حِمى كُليب ، لا لأنّ عواء جَروي أرهب أو أقوى من عواء جرو كليب ، بل لأني كما يقولون :كبير كلاب سموه ، كوني رئيس ديوانه وكاتم أسراره التي ترعى الوحش فيها آمنة بصدري ، ومعروف أنا ومشتوم من كل مواطني بلاد سموه أكثر من الشاي الصيني المعروف في العالم ، فمن لا يجرؤ على شتم سموه حتى في السر يشتمني، كون بعض شياطين الأرض من مخابرات سموه ، كما يتهامس المواطنون وهم يصفقون لذكر اسم سموه ، ويرددون أني حاكمه ومسيّره بدهائي ، أما حفنة المعارضة الأوباش فيطلقون عليّ أوصافاً مستعارة من عالم النساء ،لكن الجميع يبصم لي في حسن معاشرتي السلاطين ، فلديّ ما لدى كبير الشياطين من براعة في جعل" واوا " الأمراء بحاً ، حتى كان المواطنون يطلقون في السر عليّ الشيطان الأبيض المتوسط ، لكنني هذه المرة عجزت بكل ميزاتي وخصوصيتي في اقتناص دقيقة من وقت سموه ، لأذكره أنه مضى على عدوان إسرائيل في الجنوب اللبناني شهر ،وها قد توقف القتال ، وسموه لم يبادر إلى التبرع بتصريح حول العدوان ، ولم يقدم هبات الدولة كما فعل أشقاؤه إلى المنكوبين ، فقد أخذ سباق الهجن كل أيامه، إذ عمم سموه أن يقام سباق الهجن في كل ربوع الإمارة، والمشكلة هي سوء الحساب الذي سيسوم موظفي قصره إن فاته أمر دولي ، ولم يشارك به أخوانه العرب ، و الأنكى أن يقصّر في أمر يسبقه الأمير الذي ينافسه في كل الأمور ..فلو سبقه بمكرمة فيا ويلنا ، وللحقيقة مولانا نعماه تجلل كلّ المطربين إذا بلغ عدد الفيديو كليبات التي أنتجها على نفقته الخاص أكثر من ضعفي عدد رعايا إمارته ، وبلغ من مكرمته حين أطلت " الصبوحة" في برنامج تلفزيوني تشكو الوحدة والوحشة ،أنه أعلن لها استعداده لشراء أي زوج ترغب فيه ويملأ فراغ كبرتها ما دام الزمن غدر بخريطة وجهها التي تشبه خريطة كردستان ،ولم يعد لها من الشباب ما يغري خادماً سيرلانكياً بالزواج منها متيمناً بقول الرسول عليه السلام " ارحموا عزيز قوم ذلّ" ، وربما ضعف حيلتي في استدرار عطفه على لبنان يرجع إلى الدبق الذي أصاب تفكيري من جراء الإشراف على إحصاء " قفف" التمر العراقي الذي أرسله " جون أبي زيد " هدية لسموه ، وحكاية هذه الهدية أن السيد مستشار الأمن القومي العراقي " موفق الربيعي " الذي فلقه الحس الإنساني زار سموه على عجل وأخبره أن السفير " جون أبي زيد " يعيش حالة إنسانية حرجة ، فابنه الأصغر الذي بلغ عامه العشرين بعد تدمير الفلوجة ، أخفق في الزواج المثلي من بنت ديك تشيني التي رأت فيه بقايا ذكورة ، فاشترطت عملية تحويل جنسه إلى أنثى كاملة ،وبلغت تكلفة العمل بالعملة العراقية ملياري دينار عراقي ، ورأت الحكومة العراقية أن من واجبها مساعدة أبي زيد فانتشر الوزراء على أبواب الحسينيات و المساجد والكنائس يجمعون التبرعات والهبات ، ولما كانت حمية موفق الربيعي مسعورة ، رأى من واجبه الاستعانة بالأشقاء العرب ، فعرّج على ديار سموه الأبية ، وروى له مأساة ابن أبي زيد ، فاستشاطت نخوة سموه وسأله سعادتك قلت كم يلزمه من الفلوس ، رد الربيعي بخبث ملياري .. ولم يضف للعدد نوع العملة ، فخاطبني سموه، سجل يا عاملنا إن إرادتنا العليا ترسم بتحويل مليارين ونصف المليار دولاراً أمريكياً ، أردتُ أن أنبّه سموه أن المبلغ بالدينار العراقي ، فحال الربيعي بيني وبين سموه ، فراح يعانقه ويهيل عليه آيات المديح ، ولما أدرك نيتي ، ألح في الحصول على المبلغ بشيك على الفور ، وما إن وصل المبلغ إلى أبي زيد حتى أبرق له شاكراً مرفقاً آيات شكره بعشرين قفة تمر عراقي ، فأبو زيد ولأنه عاشر الحكومة العراقية صار منهم وفيهم فقد عرف أن أثمن الهدايا عند العرب التمور العراقية ، ولم يتخلف فخامة جلال الطالباني فقد أصدر مرسوماً يقضي بجبي ضرائب التمور ، لكن ربعها تمراً ، فجمع من سواد العراق على كل ما فيه من ملوحة الدم أحلى التمور التي دبّقت يديّ وتفكيري وخيالي عند إحصائها ، ويتوجب عليّ في مثل هذه الحالة أن أستل بطاقة الشكر وأبلّغ سموه عن وصول الهدية وقيمتها ، تذكرت قبل دخولي خلوة سموه أن هناك حيلة تجعلني أنبّه مولاي إلى تأخر هبته إلى لبنان ، فأسرعت إلى الهاتف الأميري في مكتبي وطلبت مدير قناة روتانا كليب الذي تربطه بمولاي كل سراويل الفنانات اللاحقات والسابقات، سلمت عليه بحرارة أذابت دبق تفكيري ،وقلت: طويل العمر أبغي خدمة وأنت لا تقصّر ، فردّ بشهامة أبشر ، قلت له : أريد من قناتكم أن تبث بدءاً من الساعة الواحدة وهو موعد لقائي سموه أغنية الواوا لهيفاء وهبي كل خمس عشرة دقيقة مرّة ، فردّ :غال والطلب رخيص ، أخذت نفساً عميقاً حييته بكل أسى أطفال قانا ، واستدرت نحو باب سموه ودخلت ،حييته ،وقدمت له بطاقة شكر جون أبي زيد ، وأتبعته بالثناء على قيمة التمور العراقية وحكمته في اختيار الهدية معدداً ماحفظت عن فوائد التمور ، ولما حان موعد بث أغنية الواوا ، أمسكت جهاز تحكم التلفاز وفتحت روتانا ، فأطلت هيفاء تصدح شوف الواوا بوس الواوا خلي الواوا بح ، فسلطن سموه وقد استلبته هيفا كل وقاره وسموه، وراح يتأوه كمراهق غير مهذب ، استغللت انفعال سموه وفتحت جهاز التلفزيون المخصص للأخبار قناة العربية وهي تبث مشهد مجازر إسرائيل وخرائب لبنان ، ظناً مني أنه سينتبه إلى واوا لبنان فيتكرم بحسناته للشعب المنكوب ، وخاصة عندما كانت تتدلع هيفا وتشير ببنانها إلى خدها شوف الواوا ، التفت سموه وهو في منتهى السكر وسألني كم يكلف تطبيب الواوا ، فرحت أعدد لسموه أن الأمير فلان تبرع بكذا وفخامة الرئيس علتان تبرع بكذا وووو ،فقال مقاطعاً بنزق قل لي أكبر مبلغ عربي قلت مليار قال لكاتب سموه :سجل: إرادتنا ترسم بالتبرع إلى واوا هيفا بثلاثة مليارات ، وفريق طبي من أكفأ أطباء الإمارة ذوي الجنسيات الأجنبية ، وبشاحنة عطور وما تيسر من جواهر وفانيلات داخلية ، ولشدة نشوتي بما أنجزت لم أعد أذكر ، إلا وقال : ونضع قصورنا في أسبانيا وجنيف وباريس تحت تصرف الواوا ، ونصف شط العاصمة محجوز بفنادقه وملاهيه للواوا ، وأردف أسرع اطلب لي سفيرنا في لبنان ليشرف بنفسه على حمل الهبات ، سألته سيدي والتمور العراقية ، قال: بلى سجل ياكاتبنا :وعشر قفف تمر عراقي للشعب اللبناني الشقيق . وعلى ما فيّ من صفات الدهاء فاتني التقسيم فكل ظني أن الهبات للبنان ،سألته والغباء آخذ مني كل مأخذ حيث فرحتي بالتبرع أغلقت عليّ، سيدي هل نبلغ الصحافة قال بلى وليطق الأمير .. وكل .. ، خرجت ، استدعيت مندوب القصر الإعلامي وأمرته أن يعدّ خبراً عن مصدر مسؤول : أن صاحب السمو يقدم هبة للشعب اللبناني مقدارها ثلاثة مليارات دولار ، ومساعدات معاشية عينية ، وطبية و مشفى متنقل يضم خيرة أطباء البلاد ، ما إن بُثّ الخبر على القناة الرئيسة حتى باتت الدوائر المعنية كخلية النحل وانتقل هذا النشاط إلى لبنان ، فقد أخبرت من مصدر موثوق أن ثلة رفيعة من سياسي لبنان ستستقبل الهبة وتحوله إلى كرنفال شعبي وبدأ وئام وهاب حلبة غيظ خصومه الذين كانوا يحتكرون مثل هذه الهبات ، والجميع وقع في الفخ ، انطلق الموكب الحاشد المرافق للهدايا من مطار بيروت بعد إذن إسرائيل ، و وئام وهاب يختال بين الحشود المتماوجة كسراب الخيبة ،لقد كنت أتابع المشهد على قناة الجديد التي استنفرت كل كوادرها لتغطية حفلة كرم سموه ، كما كنت أدقق فيما لا أفهمه من رجالنا هناك ، وصلت طلائع الموكب إلى حيث تجمهر وهاب وحشوده ، لكن لم تكن طلائع بل كل الموكب ، صعقت أين ذهبت بقية الموكب ، ساد اللغط و الهرج والمرج وراح وهاب بعد أن تفقد الهدايا وصعق حتى تصبب العرق من أعلى صلعته إلى أخمص قدميه وصرخ بمرافقيه أن يحملوه على الأكتاف ، وقد بدا متعرقاً منفوش الشعر والغضب يزأر من كل ملامحه وراح يصرخ :
واحد اثنان ونص
سعد الحريري يا لص.
جُنّ جنوني ورحت أصرخ على كل الهواتف الجوالة والفضائية والأرضية أن يفسّر لي رجالنا في لبنان ، ماذا حدث ، هل لطش الهدية وليد عيدو ، وفوجئت بمظاهرة قادمة من الاتجاه الآخر تحمل سليمان فرنجية مهللاً بسمو الأمير ،ومردداً :
واحد اثنان ثمانية
خاننا أبناء الزانية
وكان كبير مرافقيه يصرخ سيادة الوزير الجنرال عون يطلبك على الخط ، وآخر يقول سيادة الوزير الهدية فالصو عشرون قفة تمر عراقي ، انتبه الوزير فلم تمنعه الصعقة من الرد على عون الذي كان يصرخ بأعلى صوته يا سليمان :لا تنس جعجع ابن الضبعة يعني قل سبعة :
وسرعان ما راح الوزير يقول:
واحد اثنان سبعة
جعجع ابن الضبعة
بصقت بكل ما فيّ على الديوان الأميري وصورة سموه فقد أدركت الخدعة ، إذ أرسل الأمير المليارات والعطور و الفريق الطبي إلى واوا هيفا والتمر العراقي إلى الشعب اللبناني وفاتني ذلك ، خرجت من المكتب والجنون يأخذ مني كل حكمتي وأناتي ، مردداً بأعلى صوتي ظاناً أنني أقود مظاهرة من سراب الضمير العربي :
واحد اثنان ووْ
صاحب السمو تفو
أحاط بي حرسه واستلوا روحي قبل وصول عزرائيل، وكل ما أتذكّره قبل زجي بغوانتانامو أنّ آخر ما سمعته على قناة عربية قارئا يقرأً ( وإن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) . ولست متأكداً إن كانت قناة المنار فمذيعوها يفطرون دوما على تمر عراقي ....