الأدب الشفاهي الكردي في كتاب
2008-03-30
" لقد وضعت الشعوب في النتاجات الفنية أعمق التصورات و التأملات فالفن يعمل غالباً كمفتاح ، وهو عند بعض الشعوب المفتاح الوحيد لفهم أخلاقهم ودياناتهم" - هيجل
لعل النتاجات الفنية للشعب الكردي خاصة،المتمثلة بفلكلوره بجانيه المادي والمعنوي,تكاد أن تكون هذا المتاخ لفهم شخصية الكردي و الكرد بشكل عام,دون إغفال للأحداث التاريخية التي امتزج بعضها في هذه النتاجات,وخاصة في بعض الملاحم والحكايات والأغاني الشعبية,على اعتبار أن التأريخ أيضاً,في حقيقة أمره,مثل الفلكلور,من صنع الناس الذين أضفوا على المادة التاريخية التي تناولوها,أو صاغوها,الكثير مما يعتمل في دواخلهم ومخيلتهم من طموحات وهواجس ورغبات, وإذا اعتبرنا الفلكلور تاريخاً بهذا الشكل أو ذاك – صادقاً أو كاذباً – كما يصفه مرسيا الياد حسب اعتقاد بعض القبائل البدائية(2) فلأنه تاريخ الذاكرة والضمير والروح,أرخ لحياة الناس في سيرورتها الدائمة,إنه بهذا المعنى,تاريخ العواطف والأحاسيس والرغبات والأحلام ونمط التفكير لدى الشعب،في الزمان والمكان المحددين,اللذين لا يمكن الفصل بينهما على الإطلاق،إن الفلكلور هو المجال الوحيد الذي لم يستطيع قاهر الشعب الكردي القبض عليه ونفيه أو تشويهه أو تهميشه ،مما جعل هذا المجال,المتنفس شبه الوحيد لأبناء هذا الشعب,أكثر غنى وثراء من ناحية المضمون والشكل من أي مجال آخر,ولهذا قد يعتبر جمع وتصنيف ودراسة مواده نوع من رسم ملامح هوية شعب يتعرض للانقراض,الأمر الذي أدركه الكاتب علي الجزيري كما يوضح في مقدمة كتابه(الأدب الشفاهي الكوردي) الصادر عن رابطة كاوا للثقافة الكوردية .ففي أحد عشر فصلاً يعالج الجزيري مكوناً أو عنصراً من عناصر الفلكلور بجانبه الشفاهي(الملاحم,الغناء,الحكاية الشعبية,المعتقدات الخرافية الفكاهة,الميتولوجيا,الألغاز والأحاجي,المأثورات,الألعاب,التصوير الشعبي)إضافة إلى مدخل يوضح فيه سبب اختياره لموضوع الفلكلور,كما يحدد فيه منهجه المادي –الجدلي,لينتقل الأدب الشفاهي الكردي من مرحلته الأولية السابقة على التدوين,إلى مرحلته الثانوية – المرحلة الأكثر علمية وحضارية، في تأكيد منه على الحضور الحي لهذا الشعب,وبتواضع جم يشير الكاتب إلى جهود سابقة عليه في تصنيف وجمع، وإلى حد ما، دراسة مواد الفلكلور الكردي، مثل (جاسمي جليل – جليلي جليل,صبحي جعفر، جكرخوين) ومن المستشرفين (نيكتين,ليسكو ..).إلا أنه يأخذ على الكثير منهم –وخاصة الكرد –الضعف المنهجي وسوء التصنيف .ومن الملاحظ أن الجزيري يقدم الجديد في كل فصل من فصول كتابه الذي يدرس فيه أحد مكونات الأدب الشفاهي الكردي من خلال تناوله لمادته بطريقة علمية تأخذ بعين الاعتبار أهم سمات المادة الفلكلورية المتمثلة بالبساطة والعفوية,وفي إشارة للكاتب إلى أسباب غنى فلكلور هذا الشعب، يؤكد على جملة من الأسباب أو العوامل التي ساهمت في عملية إثرائه,فيعزو أحد أهم أسباب غناه إلى الجهود الكبيرة والمخلصة لبعض المغنيين والمطربين أمثال :(علي برداشاني,ولي ديوانه,حمه كو بهديناني,هركول بوتاني) وإلى تأثر الكرد بنتاجات الشعوب المجاورة من قبيل (التأثر والتأثير)الأمر الذي يؤكده الكاتب في غير مكان (فصل المعتقدات الخرافية).وهو طرح يثير تساؤلين رئيسين أولهما: إن الفلكلور يكف عن كونه كلمة الشعب الخالصة,أو المأثورات الروحية الشعبية – التراث الشفوي- عندما تشوبه عناصر غريبة من خلال تأثره بنتاج الآخرين، كما أن التأثر والتأثير –أو التثاقف –كما يسميه الكاتب يمكن أن ينطبق على الشفاهية الثانوية (مرحلة التدوين )التالية على الشفاهية الأولية –وهي في هذه الحال ضرورة حضارية أكيدة .ثانيهما: إن (التأثر والتأثير) الحاصل بين الكرد وبين الأقوام المجاورة لا يمكن أن يطلق عليه مصطلح أو صفة التثاقف، لأن التثاقف لا يقوم إلا على أساس الاحترام المتبادل والاعتراف بالآخر والندية الثقافية.وهذا غير متوفر في الحالة الكردية,بسبب سياسية الآخر تجاه الشعب الكردي,وعدم توفر كيان سياسي, أو مؤسسات ثقافية كردية فاعلة ذات حضور متميز,وليس بخاف على أحد عملية القرصنة التي يتعرض لها فلكلور هذا الشعب-في حين لم يستفد الكورد من فلكلوره –بشكل إبداعي أو غير أبداعي-وربما لهذا لم يذكر الباحث مثلاً واحداً عن تأثر الكرد (الإيجابي)بتراث الآخر الشفاهي خاصة –موضوع بحثنا,والكاتب في حديثه عن الخرافات,أو المعتقدات الخرافية –ينفي ويؤكد في الوقت ذاته عملية التأثر أو تبني الكرد لبعض المعتقدات الخرافية للأقوام المجاورة,وخاصة بعد انتشار الإسلام بين الكورد (ص53),فهو حين يورد بعض المعتقدات التي هي ذات أصول إسلامية,أو صبغة إسلامية واضحة ،ينفي عنها هذه الصفة,ويرجعها إلى أصل وثني مثل: الدعاء,الصلاة,الصيام (هذا من فضل ربي –الحسود لا يسود)أو قول أحدهم لصاحبه حين يعطس(خير إن شاء الله...الخ) وإذا كانت هذه المعتقدات أو الشعائر قد ابتعد الكثير منها عن روح الدين الإسلامي.فلأن الواقع المتخلف قد صاغها صياغة متخلفة.وفي مجال الغناء يصنف الكاتب هذا الحقل في عدة مجموعات وفقاً للمضمون وهي :
الأغنية العاطفية (لاوك وحيران).
الأغنية البطولية أو التاريخية (شه ر).
الأغنية الشعبية وأغنية العمل الفلكلورية (الحيران والحيرانوك).
أغاني الأطفال.
أغاني الطقوس (الدينية –البكائيات).
أغاني الرقص(ديلوك).
الأغنية السياسية الاجتماعية.
الأنشودة القصصية الشعرية –(ص167).
ثم يورد الجزيري بعض الأغاني الفلكلورية(حيران وحيرانوك)مترجماً بعض الأغاني الأجنبية والكردية ترجمة موقفة بغية عقد مقارنة بينهما,والتدليل على ارتقاء هذه المادة الفلكلورية الكردية,فيحلل مضمون الأغنية الكردية التي تعبر –في الأعم الأغلب منها –عن حالة انفعالية إنسانية تهدف إلى تجاوز العوائق والعقبات (دينية,طبقية..الخ)هذه العوائق التي تقف في وجه الحب,القوة الخالدة التي لن تفنى إلا بموت الإنسان,ويكشف الكاتب في هذا الفصل عن كنوز مخبوءة في ثنايا ذاكرة الكردي ووجدانه,فيعرضها ويحللها برهافة حس وفهم عميق ,مشيراً إلى إمكانية الاستفادة من بعضها في مجالات أدبية أو فنية,مثل أغنية السجين. إن هذا الكشف الذي يقدمه لنا الجزيري في أكثر من بحث أو فصل من فصول كتابه,لا يمكن لهذه العجالة الإحاطة به،ومن الملاحظ أن الجزيري قد وفق في اختيار وتوظيف بعض أمثلة الكتاب ،ويتجلى هذا التوفيق أكثر في فصل الزمرد في مأثورات الكرد,هذه المأثورات ترجمها الكاتب ترجمة دقيقة لم تفقد المادة المترجمة روحها وحيويتها,بعد أن قدم دراسة موجزة عن هذه المادة التي هي لون من ألوان الحكمة-تمتاز بقصرها ودقة مدلولها,وحسب (توماس بوا)فإنها تدل على غنى الفلكلور الكردي بها ،والتي تدل على رهافة حس الكرد وحرصهم على تزيين محاوراتهم بالحكم المقفاة ذات الإيقاع المناسب من الأمثلة الكثيرة التي يذكرها الكاتب :
_الوطن ،وطن الكرد ،لكن الكرد فيه غرباء
_ تصير اللحية شبراً-ولا يصبح العدو صديقاً .
_ لن تبقى الحشائش تحت الصخور .ص(101-102 )
بيد أن أمثلة أخرى غير دقيقة أو موظفة لخدمة غرضه يوردها الجزيري في أكثر من مكان أو موضع,ففي بحث الميثولوجيا مثلاً يورد الكاتب مقطعاً من ملحمة(كلكامش)على اعتبار –حسب رأيه –إن السومريين ذوي أصول كردية,ويبرهن على ذلك من خلال التشابه الحاصل بين المفردات السومرية وبعض المفردات الكردية المستخدمة اليوم (؟!!)مثل كلمة /كور=عميق/ دار =خشب أو شجرة.وبأنهم- السومريون- قد انحدروا من جبال كردستان،وهذه باعتقادي مغالطة تاريخية ,إضافة إلى نظرة غير علمية إلى اللغة ككائن جامد لم يصبه التحول والتطور,والأمر نفسه يمكن أن يقال حين يعتبر (حكاية النبي سليمان والجن والفتيات الأوربيات ) ومفادها أن الكرد هم نتاج زواج الجان بنساء أوربيات، يعتبرها أسطورة كردية,.وهي في حقيقة أمرها مجرد تسفير براني متعصب عن أصل الكرد،ناتج عن وعي مشوه بهذا الخصوص،ويمكن العثور على أمثلة أخرى من هذا القبيل في فصل الفكاهة مثلاً ،الذي اعتمد فيه الكاتب على هنري برغسون وكتابه (الضحك)بالدرجة الأساس،من خلال توظيفه لأمثلة لا تناسب غرضه ،أو ما يريد التأكيد عليه،فإذا كانت الفكاهة –في تعريف عام لها –القول أو التصرف الذي يثير الضحك أو الابتسام أو السخرية- مصاغة هنا(كردياً) بلغة محكية –ذات نكهة شعبية.فأن الأمثلة التي أوردها الكاتب -باستثناء-جحا وحماره - لم تكن دقيقة مثل ترجمة رجل السلطة للاسم الكردي (سردار)الذي يعني القائد بالعربية إلى فوق الشجرة، واعتقد إن هذه حادثة ،أو سلوك موظف قيد نفوس متعصب ،وليست فكاهة كردية،وهي تثير النفور لا الضحك ,ويمكن قول الشيء نفسه بالنسبة للحكاية الملغزة,التي يوردها الجزيري ممثلة هنا في حادثة (الرأس الحامي والماء البارد )التي تقول أن جماعة من الثوار المتطرفين الكرد نزلوا ضيوفاً على بيت قروي كردي،وحين طلب أحد الثوار من مضيفه أن يصب الماء الساخن على رأسه،سكب القروي الماء البار،ورداً على استغراب الثائر أجاب القروي :إن رؤوسكم الحامية تحتاج إلى ماء بارد لا ساخن.وكما هو ملاحظ أن هذه الحادثة لا تمت إلى هذا الجانب بصلة,لخلوها من شروط الحكاية الملغزة ذات الشروط الفنية التي تفترض احتواءها على الألغاز واقترابها من الخوارق والمعجزات.وعلى الرغم من هذه الملاحظات البسيطة,وملحوظات أخرى.لا تستوعبها هذه العجالة.كما في أدراج الكاتب فصل أو بحث (التصوير الشعبي) ضمن فصول الكتاب المخصص للأب الشفاهي,علماً أن التصوير الشعبي لا يمت إلى هذا الجانب كما أشار الكاتب نفسه في المقدمة.فإن هذا الكتاب القيم بحق,يعتبر بمثابة حراثة في أرض بكر,غير ممهدة تماماً,وهو إضافة حقيقية للمكتبة العربية و الكردية.
المراجع والهوامش:
الدراما عند هيجيل – 1,اليكست – ترجمة ضيف الله مراد – علا للطباعة – حمص – ص 13 .
يشير مرسيا الياد.بأن بعض القبائل البدائية تعتبر الأساطير تواريخ صادقة.بينما تشكل القصص والحكايات تواريخ كاذبة – راجع ملامح من الأسطورة- مرسيا الياد – ترجمة حسيب كاسوحة – دمشق ص14
بطاقة
الكتاب :الأدب الشفاهي الكردي .المؤلف:علي الجزيري. الطبعة الأولى . كاوا للثقافة الكردية
ص.ب 5933/113بيروت –لبنان .كردستان العراق –اربيل .عدد الصفحات : 214 قطع وسط
08-أيار-2021
31-آذار-2018 | |
03-تشرين الثاني-2008 | |
15-أيار-2008 | |
03-أيار-2008 | |
30-آذار-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |