مسرحية ساخرة / أهلاً جحا
2008-05-03
[ ومرةً جربت صنوبرةٌ أن لا تنحني فأدبتَّها الريحُ .فصار الانحناءُ عادةً في عائلة الصنوبر ]
محمد عمران
اللوحة الأولى
(مدخل شارع عام في مدينة معاصرة: دكاكين، ومحلات تجارية، وباعة من فئات مختلفة. يدخل الحمار راكضاً وهو يرتدي زياً معاصراً، يتبعه جحا وهو يلهث من شدة التعب. الوقت: نهار)
جحا : (برجاء) يا حماري، يا حماري العزيز.
الحمار : (بضيق) أف، قلت لك ألف مرة لا تقل يا حماري.
جحا : بماذا أناديك إذاً ؟ أنت حماري، حماري العزيز.
الحمار : نادني يا أخي.
جحا : يا أخي ؟!
الحمار : نعم يا أخي.
جحا : (يقاطعه) أنا صاحبك جحا، ولست أخاك.
الحمار : لماذا تلاحقني من مكان إلى مكان، ومن زمن إلى زمن يا صاحبي جحا ؟
جحا : بل قل لي أنت، لماذا تركت زمانك الماضي الجميل، ورحت تجوب الأزمنة والأمكنة المختلفة ؟
الحمار : كنت أبحث عن زمني.
جحا : (بسخرية) وهل وجدته يا فيلسوف ؟
الحمار : نعم، وأخيراً وجدته.
جحا : وأين وجدته ؟
الحمار : في هذا الزمن.
جحا : هنا ؟!
الحمار : نعم.
جحا : (يضحك بسخرية) ..
الحمار : لماذا تضحك ؟
جحا : لأني أراك تنظر ولا ترى، كما كنت في السابق تتكلم بدون أن تفكر. (يضحك)
الحمار : إني أراك يا سيد جحا.
جحا : لكنك لا ترى موجودات هذا المكان من أبنية شاهقة، وأرصفة نظيفة، وطائرات،وقاطرات وسيارات.
الحمار : وهل تظنني أعمى ؟
جحا : إذن ما الذي بقي لك كي تفعله هنا في هذا الزمن ؟
الحمار : النهيق.
جحا : النهيق ؟!
الحمار : نعم يا صاحبي، بالنهيق وحده تعيش هنا بأمان وسلام وراحة بال.
جحا : يا سلام !!
الحمار : فما رأيك ؟
جحا : بماذا ؟
الحمار : بهذا الدور، وهو دور بسيط كما ترى، وتستطيع أداءه دون عناء يا صاحبي. باختصار، كن مثلي وبس.
جحا : أكون حماراً ؟
الحمار : نعم .
جحا : وأنهق مثلك ؟!
الحمار : تماماً.
جحا : حسن.
(يهم بضرب الحمار، يهرب الحمار، يركض جحا وراءه) أنا حمار؟ أنا أنهق أيها الحمار الوقح ؟
الحمار : لا تغضب يا أخي، اهدأ يا جحا..
(تستمر المطاردة بضع لحظات، يدخل أثناءها أناس يركضون بهلع ورعب)
رجل : النجدة.
امرأة : أنقذونا ..
شاب : أنا لست كلباً.
فتاة : أنقذوني ..
عجوز : أنا لست كلباً.
طفل : بابا ..
(تعلو الأصوات الهلعة وتختلط ببعضها، يجمد جحا والحمار في مكانهما باندهاش)
جحا : غريب !!
الحمار : ماذا يحدث ؟
جحا : أنا لست كلباً ؟!
الحمار : أنا لم أنبح ؟!
جحا : ماذا يعني هذا ؟!
الحمار : غريب !
جحا : يجب أن أعرف ماذا يحدث هنا.
الحمار : لا تتدخل فيما لا يعنيك يا جحا.
جحا : لن أغادر هذا المكان قبل أن أعرف ما يحدث.
الحمار : أف.
(يعترض جحا طريق بعض الفارين)
قف. قف يا أخي، ماذا يحدث هنا ؟ لماذا تهرب ؟ قف ..
رجل : (بخوف) أنا لست كلباً. (يهرب)
شاب : أنا لم أنبح يا سيدي. (يفر برعب)
طفل : ماما ..
جحا : غريب !!
الحمار : هيا نهرب .
جحا : (لفتاة) ما الحكاية أيتها الفتاة ؟ لماذا ..
الفتاة : أنا .. أنا .. يا بابا. (تهرب)
الحمار : لنهرب يا جحا.
جحا : غريب وعجيب !!
الحمار : هيا يا جحا، في الأمر سرٌّ، إني خائف.
جحا : اصبر قليلاً.
(يعترض جحا طريق عجوز يتقدم ببطء وتعب)
العجوز : أنا لست كلباً يا سيدي، أنا ..
جحا : أعرف ذلك يا عماه، لكن قل لي ما الحكاية ؟
العجوز : أقسم أني لم أنبح.
جحا : أعرف ذلك يا عماه، لكن ماذا يحدث هنا ؟لماذا ؟
العجوز : اتركني أعبر بحق الرب، أرجوك يا سيدي.
الحمار : دع الرجل يمر يا جحا.
العجوز : جحا ؟!
جحا : نعم، أنا جحا يا عماه، وهذا الحمار هو حماري ..
الحمار : (بضيق، وهمس) لم أعد حمارك يا جحا.
جحا : أقصد : وهذا صاحبي الحمار .
العجوز : غريب !! جحا وحماره هنا، في هذا الزمن ؟!
جحا : نعم يا سيدي.
العجوز : (بريبة) لا أصدق ذلك، لاشك أنكما من رجال الحاكم. (برهبة) أنا لست كلباً، أقسم بأني لم أنبح.
جحا : اطمئن أيها العجوز،انظر إلينا جيداً وستعرف أننا لسنا من رجال الحاكم.
الحمار : وإن هذا الذي يقف أمامك هو جحا،جحا بلحمه وشحمه،وأنا صاحبه وصديقه العزيز .
العجوز :( يتأملهما باستغراب) الحمار !!
جحا : تماماً.
الحمار : هل صدقتنا الآن ؟
العجوز :كل شيء جائز، كل شيء هنا أصبح جائزاً.
جحا : إذن، قل لنا الآن ما الحكاية ؟ ماذا يحدث هنا ؟
العجوز : حسن، لكن ..
(يلتفت حوله بخوف) لنبتعد عن الأنظار.
(ينـزوون وراء لوحة إعلانات، أو جانب دكان)
الحمار : هيا قلْ يا سيدي.
جحا : ما سبب فرار القوم بهذا الشكل وهم يصرخون بخوف : أنا لست كلباً ..
الحمار : أنا لم أنبح !
العجوز : السبب هو الفرمان الذي أصدره حاكم البلاد، والذي يقضي بإعدام الكلاب.
الحمار وجحا : الكلاب ؟!
العجوز : نعم.
جحا والحمار : ولماذا الكلاب ؟
العجوز : لأنها لم تكف عن النباح منذ.منذ فترة ليست قصيرة .
الحمار :إنه أمر مثير للإزعاج حقاً.
جحا : لابدًّ أن لهذا النباح سبباً.
العجوز: نعم، هذا صحيح.
جحا و الحمار : ما هو ؟
العجوز : الجوع.
الحمار : الجوع ؟
جحا : جوع في هذه الإمارة الثرية ؟!
العجوز : الثرية ؟ (يضحك)
الحمار : والعظام التي هي من مخصصات الكلاب، ماذا تفعلون بها ؟
جحا : نعم، ماذا تفعلون بالعظام بعد تناولكم اللحم ؟
العجوز : الحاشية فقط هي التي تتناول اللحم.
جحا : حسن، ماذا تفعل الحاشيـة بالعظام بعد تناول اللحم ؟
العجوز : تلتهمه مع اللحم.
جحا : تلتهم العظام ؟!
الحمار : العظام أيضاً ؟
العجوز : نعم.
جحا : وهل الحاشية منهم ؟
العجوز : ممن ؟
جحا : من الكلاب.
الحمار : (بخوف) هس ..
العجوز : لا ترفع صوتك.
جحا : لكن هذا لا يجوز.
العجوز : كل شيء هنا جائز يا سيدي.
جحا : لاشك أن الأمير، حاكم البلاد غافل عما يحدث في إمارته، ولابدًّ من إعلامه بذلك.
العجوز : غافل ؟ (يضحك)
الحمار : لا تكن أحمق يا جحا.
جحا : أنا لست حماراً .
الحمار : أحمق من يتفوه بمثل هذا الكلام يا ..جحا أيام زمان.
جحا : ماذا تقول ؟
العجوز : إنه يقول الصدق يا سيد جحا.
جحا : الصدق ؟!
(يهمُّ العجوز بالهرب)
العجوز : أف.
(يعترض جحا طريقه)
جحا : إلى أين ؟
العجوز : دعني أنفد بجلدي قبل أن يحضر رجال الحاكم.
جحا : إنهم يعتقلون الكلاب، وأنت لست كلباً.
الحمار : (يضحك بسخرية) ..
جحا : لماذا تضحك أيها الحمار ؟!
(يتأمل العجوز نفسه باستغراب)
العجوز : لست ..
جحا : نعم، أنت لست كلباً أيها العجوز.
العجوز : يجب أن أهرب حالاً.
جحا : انظر إلى نفسك وستعرف أنك لست ..
العجوز : (بيأس وخوف) يا سيدي، يا سيدي، إلى أن يعرفوا بأني لست كلباً، وأنني لم أنبح، وأنني رجل عجوز في السبعين من عمره، ولي أولاد و أحفاد وزوجة عجوز حمقاء ؛ فإنهم سيضربونني ضرباً حتى يجعلوا من جلدي طبلاً.
(يجمد جحا في مكانه كالمصعوق، ينسل العجوز من بينهما ويخرج)
جحا : غير معقول !!
الحمار : بل معقول.
جحا : لا يجوز هذا.
الحمار : بل يجوز يا جحا، فكل شيء هنا جائز، هيا ننفد بجلدنا قبل أن يحولوه إلى طبل.
جحا : أنا لست كلباً، ولن أهرب.
الحمار : أرجوك يا صاحبي .
جحا : لن أهرب، وسأذهب إلى الحاكم وأخبره بما يحدث في إمارته.
الحمار : حذار .
جحا : سأذهب، إنه الواجب أيها الحمار، لم أسكت يوماً عن خطأ، ولم أتستر على عيب مخلوق؛ خادماً كان أم مخدوماً، سيداً أم مسوداً. أنا جحا الجريء، الصريح، الواضح يا حمار.
الحمار : (بهمس) اصمت.
جحا : لن أصمت، الساكت عن الحق شيطان أخرس.
الحمار : إنهم قادمون نحونا.
جحا : سأذهب إلى الحاكم وأحدثه بما ..
الحمار : هسس ..
جحا : سأقول له : أيها السيد، يا أمير البلاد .. (يدخل جنديان) جئتك في أمر جلل.
جندي 1 : من ينبح في هذا المكان ؟
جحا : أيها السيدان خذاني إلى الحاكم.
الحمار : (بهمس وتحذير) جحا !
جندي 1: مولانا الحاكم؟!
جحا : نعم يا سيدي.
الحمار : (بخوف) لا يا سيدي.
جحا : بلى يا سيدي.
جندي 2: لماذا تريد المثول بين يدي مولانا أيها..
الحمار : إنه يمزح (لجحا)كفَّ عن الهذر يا رجل،ماذا دهاك؟
جندي 2 : تكلم.
جحا : لأعلمه بما يحدث في إمارته من جور وغبن وفسا ..
جندي 1 : (بعنف) ما هذا النباح أيها الكلب ؟!
الحمار : كلب !!
جحا : أنا جحا ولست كلباً يا سيدي.
جندي 2 :(بسخرية) يا سلام !! لقد أصبح للكلاب أيضاً أسماء.
جحا : أنا جحا .
جندي 1 : إنه لا يكفُّ عن النباح !!
جندي 2 : سِرْ أمامنا أيها الكلب.
(يدفعان جحا بعنف)
جحا : لست كلباً، أنا جحا، أنا ..(للحمار) قلْ لهما من أنا ، قلْ لهما ..
الحمار : المعذرة أيها السيدان، أنتما مخطئان.
الجندي1 : نحن مخطئان ؟!
الحمار : صاحبي هذا ليس كلباً.
جحا : أحسنت يا صديقي.
الحمار : إنه أخي.
جحا : أخوك ؟!
الجنديان : أخوك ؟!
(يتأمل الجنديان جحا بإمعان)
جندي 1 : غريب !
جندي 2 : حمار وينبح ؟!
جحا : لست حماراً، أنا جحا، أنا بهلول أيها السيدان، أنا خوجا نصر الدين .أنا ..
جندي 1 : كفًّ عن النباح أيها الكلب.
جندي 2 : لنجره إلى ساحة الإعدام حالاً.
الحمار : (لجحا) انهق يا جحا.
جحا : لا.
(يدفع الجنديان جحا بعنف)
الجنديان : هيا أيها الكلب.
جحا : لست كلباً.
جندي 1: امش وإلا نفذنا حكم إعدامك هنا.
(يجرجرانه بقوة)
(ينهق الحمار، يقف الجنديان ينظران إلى جحا باندهاش)
الحمار : هل سمعتما نهيقه.لقد نهق.إنه أخي:شقيقي.
جندي 1 : (بضيق) لقد نهق.
جندي 2 : و زاد في الطنبور نغماً.
جندي 1 : هس .. لا ترفع صوتك يا صاحبي.
جندي 2 : لماذا ؟! هل تخاف من الحمير أيضاً ؟!
جندي 1 : بل أخاف من الحاشية التي تطرب للنهيق كثيراً.
جندي 2 : اللعنة عليها.
جندي 1 : على الحاشية ؟!
جندي 2 : (كالمصعوق) لا، لا. ماذا تقول يا رجل ؟!
(ينظران نحو جحا والحمار بريبة وخوف وتملق، ينهقان ثم يخرجان)
جحا : غريب !! لقد نهقا.
الحمار : نعم.
جحا : لماذا ؟
الحمار : (يضحك) ..
جحا : لماذا تضحك ؟!
الحمار : لقد كان نهيقك جميلاً يا شقيقي.
جحا : (بضيق) هل تسخر مني أيها الحمار ؟
الحمار : (يضحك) ..
جحا : (بغضب) حسنُُ. (يهم بضربه،يهرب الحمار) أقسم أني سأضربك ..
الحمار :(وهو يضحك) لا تغضب يا أخي، انتظر .. (يخرجان)
08-أيار-2021
31-آذار-2018 | |
03-تشرين الثاني-2008 | |
15-أيار-2008 | |
03-أيار-2008 | |
30-آذار-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |