الزوبعة التي أثارها شوقي بغدادي
2008-06-08
"أنا أدافع عن المشروع ولا أدافع عن المختارات" هكذا قال الشاعر العراقي محمد مظلوم بعد احتدام النقاش الذي أثاره صدور ديوان الشعر العربي في الربع الأخير من القرن العشرين في سورية. الذي أعدَّه وقدَّم له الشاعر شوقي بغدادي. وذلك ضمن سلسلة "كتاب في جريدة" الذي يصدر عن منظمة اليونسكو منذ عام 1996.
قال شوقي بغدادي الذي "يكتب الشعر منذ خمسين عاماً" كما وصفه محمد مظلوم مبرِّراً اختياره لإعداد الأنطولوجيا التي أثارت الاستياء: "ما من شكٍّ في أنها كانت مهمة شاقة، فسورية حافلة بالشعراء، وفي حدود "كتاب في جريدة" يبدو أنَّ إرضاء الجميع غاية لا تُدرك. ربما هذا الاستهلال الذي غالباً ما يعلنه معدو أنطولوجيات الشعر، صحيح تماماً ولكن ما الذي حصل في حالة أنطولوجيا الشعر السوري؟. يتَّفق العديد من المعنيين على أنَّ أنطولوجيا شوقي بغدادي لا تمثِّل الشعر السوري إذ إنها لا تقدِّم نماذج تستحق أن تكون العنوان الذي يتمُّ من خلاله التعريف بالشعرية السورية. أما مسألة الإغفالات والاستثناءات التي حصلت فإنها مقبولة إلى حدٍّ بعيد انطلاقاً من التمهيدات التي يستهلُّ بها صناع الأنطولوجيات والتي يتذرَّعون بها، وكما فعل شوقي بغدادي بأنَّ المساحة التي تفردها أي أنطولوجيا لا يمكن أن تتَّسع للجميع. إلا أنَّ الإغفالات تلك لا يمكن أن تكون مقبولة إلى الحد الذي تطال به شاعراً كسليم بركات، أحد أهم أسماء الشعرية السورية، وعنوانها الصاخب في كل مكان، أيضاً إغفال شاعر كنزيه أبو عفش يبدو وكأنه مقصود تماماً خصوصاً وأنَّ الأنطولوجيا ضمَّت جيله الشعري المتمثل بالشاعرين بندر عبد الحميد وعادل محمود. رفض نزيه أبو عفش التعليق على الموضوع، وعندما قلت له" استثناك شوقي بغدادي قال:"حقه، أنا في عزلتي في مرمريتا أحمي نفسي من هذه المسائل. نهائياً".
محمد مظلوم الذي يعمل محرِّراً أدبياً في مشروع "كتاب في جريدة" يقول بصدد التشنجات التي عبر عنها الكثيرون حيال الأنطولوجيا: إنَّ إنجاز شوقي بغدادي معقول جداً بالمقارنة مع عدد الشعراء في سورية، فمن المستحيل أن تصدر أنطولوجيا تضمُّ خمسين شاعراً وأن تكون شاملة، ولا أعرف لماذا يتشنَّج البعض تجاه شوقي بغدادي، فأنا أعرف مثلاً أنه استثنى الشاعر محمد عضيمة، وقد أخبرته بذلك لقد أخذ عضيمة الموضوع بروح رياضية، وقد عبَّر وقتها عن الموضوع بالقول متوقِّع فأنا- والقول لمحمد عضيمة- قلت عن شوقي بغدادي بأنه متقاعد منذ الولادة، وبالتالي لم يكن لن يدرجني في أنطولوجياه.
يضيف مظلوم أي ملاحظات يجب أن توجَّه لشوقي بغدادي فنحن لم نتدخَّل نهائياً وتدخلي الوحيد كان بإدراج اسم ونصوص للشاعر الراحل رياض الصالح الحسين، الذي كان قد أغفل، ويبدو أنَّ شوقي بغدادي اشتغل على الأسماء ولم يشتغل على النصوص، فالأسماء المختارة تملك نصوصاً أفضل من هذه المنشورة في "كتاب في جريدة". ويبدو أنَّ شوقي بغدادي انطلق من اعتبارات الأجيال، الوسط الأدبي، ومراعاته لاتحاد الكتاب. وأنا أعرف أنه استأنس بما كان قد جمعه الشاعران بندر عبد الحميد وحسين بن حمزة" الذين كانا من المفترض أن يقوما بإعداد الأنطولوجيا قبل أن تسند المهمة لشوقي بغدادي.
يبدو محمد مظلوم راضياً تماماً عن الأنطولوجيا المزعومة، هذا ما حاول تأكيده مراراً، مع أنه عمل على تقييم وجود بعض الأسماء، فقال عن سعد الدين كليب بأنه ناقد أكثر من كونه شاعراً ووصف شعر عبد النبي تلاوي بأنه "وسط ليس جيداً" وعقَّب على اسم حسين بن حمزة بقوله "ماكتير" وعندما ذكر اسم علاء الدين عبد المولى قال "كان عنده نصٌّ نثري يثير الضحك"، وأبدى إعجابه بالنصوص المنتقاة لبندر عبد الحميد ووصفها بأنها الأفضل، كذلك بدا مسروراً لأنَّ الأنطولوجيا ضمَّت رياض الصالح الحسين وقال إنها فرصة ليقرأه الناس إلى جوار نصوص للقمان ديركي ليعرفوا تأثير رياض صالح الحسين وأهميته".
يقول الروائي خليل صويلح: "هذا الأخذ والرد الذي يشبه المجزرة يتكرَّر كلما صدر عدد من "كتاب في جريدة" والسبب صعوبة إرضاء جميع الأذواق، ورغم أهمية شوقي بغدادي في مسار الشعر السوري إلا أنَّه ومن الواضح أنَّ هذه المختارات قد خضعت للصداقة أكثر مما خضعت للذائقة الشعرية، وهكذا نجد أسماءً تتواجد على الموائد أكثر مما تتواجد في المشهد الشعري الحقيقي" يكمل خليل صويلح ملاحظاته على ماسمَّاه مختارات فيقول: هناك غياب حقيقيٌّ لتمثلات الشعر الثمانيني عل نحوخاص، وأنا أحد هؤلاء الضحايا، فيما أجد في المختارات شعراء آخرين توقَّفوا عن الكتابة الشعرية بعد مجموعة واحدة ولكنه اختار لهم.
تساءل خليل صويلح عن سبب إغفال شاعر كإبراهيم الجرادي الذي كان أحد المؤثرين في المشهد الثمانيني، ويضيف،" ألحظ انحيازاً صريحاً لذائقة اتحاد الكتاب العرب أكثر مما أجد أسماء لشعراء كانوا على الدوام خارج نظام المؤسسات الصارمة".
يبدو الشاعر خضر الآغا غاضباً من الأنطولوجيا: يقول "هذه أنطولوجيا متناسبة مع تفكير وتوجه الشاعر شوقي بغدادي لأنه لم يطَّلع على الشعر في سورية منذ خمسين عاماً، فأن يفتتح ملف الشعر السوري بشاعر يدعى محمد حمدان يحوز على صفحة كاملة فيما تحوز الشاعرة عائشة أرناؤوط على نصف صفحة فإنَّ في ذلك ما يؤكد ما ذهبت إليه إضافة إلى أنَّ هناك أسماء لم يسمع بها أحد من قبل وهذه مشكلة لا تدلُّ على عدم اطلاع القراء بل تدلُّ على مستواهم هم، إضافة إلى وجود أسماء تمَّ تعريفهم منذ سنوات على أنهم ليسوا شعراء". يتابع خضر الآغا تعليقه فيقول: "أنا لا ألوم شوقي بغدادي كثيراً فقد أدَّى ما أدَّى وقال ما عنده منذ زمن طويل، ولكنني ألوم القائمين على هذا المشروع لاختيارهم شخصاً أدَّى دوره الثقافي منذ زمن طويل. يختم خضر الآغا قوله" الملف لا يعبِّر عن الشعر السوري، فالشعر السوري أكثر أهمية وأكثر عمقاً".
الشاعر محمد فؤاد (ورد اسمه في الأنطولوجيا) حاول التملص من إبداء رأيه من منطلق عدم الوقوع في الإحراج إذ قال: "معايير الأنطولوجيات مطَّاطة، وهي ليست شيئاً سيئاً بشرط أن يكون هناك عدد كبير من الأنطولوجيات" وأضاف هناك أنطولوجيتان في الشعر السوري الأولى لصالح دياب"نوارس سوداء شعرية" وهذه هي الثانية التي أعدَّها شوقي بغدادي، وعندما تنظر إلى الاثنتين ستكتشف البون الشاسع بين الاثنتين".
من جهتها تقول القاصة سناء عون في ديوان الشعر العربي في الربع الأخير من القرن العشرين المخصَّص هذا الشهر للشعر السوري: ثمة عشرات الأسئلة التي يجب أن تطرح من بينها. ما هو المعيار الذي يعمل به صاحب إعداد وتقديم هذا الديوان؟ وهل يمثِّل هذا الديوان الشعر في سورية خلال المدة المذكورة؟ بالتأكيد هو لا يمثِّل إلا رؤية ضيقة لمعدِّ هذا العمل. وحتى لا نظلمه ربما لم يفتح كتاباً منذ عشرات السنين "فالكبر يغيب البصر" وربما يواصل الاطلاع من خلال من يأتي بقصائده ويلقيها عليه . فأين تغيب تجربة محمد عمران ورشا عمران وحازم العظمة ونزيه أبو عفش وآخرين؟ ولماذا تمتلئ صفحة لأسماء نعصر الذاكرة مراراً لنتذكَّر من هي؟ ونسأل كل من نصادف من هذا ومن ذاك ويكون الجواب دائماً لا أعرف" تتابع سناء عون بالقول: يجب في عمل كهذا أن تقوم الجهة المنظمة بتكليف أكثر من شاعر بإعداد المشروع حتى لا تلعب الحسابات المسبقة عملها.
أما القاص أحمد جاسم الحسين فيقول: "الاختيار قطعة من العقل (بداية غير مشجعة أن تبدأ بحكمة) للتعليق على هذا الإصدار الذي انتظرته شخصياً لكوني أدرِّس الشعر السوري المعاصر في جامعة دمشق. غير أنني شعرت بقليل من الصدمة نظراً للاستثناءات الكبيرة التي قام بها الشاعر شوقي بغدادي الذي نحا نحو المكرس من الأسماء وترك أسماء مهمة في خارطة المشهد الشعري السوري، أخجل من أن أعدِّد أسماءهم لأنهم حاملو المشهد حقيقة وهم معروفون، وأظنُّ أنَّ عدداً كبيراً من الأسماء لايعبِّر أبداً عن خارطة الشعر السوري في العقدين الأخيرين على الأقل مع إقراري بإشكالية الاختيار نظراً لغنى المشهد!
هل يقع اللوم على من اختاروا شوقي بغدادي بما أنَّ ذائقته تعبِّر عن مرحلة ماضية؟
اتَّصل بي صديق باكراً وقال لي: ألا يعرف المسؤولون عن "كتاب في جريدة" أنَّ هناك عوامل كثيرة تتحكَّم في اختيارات شوقي بغدادي بعيداً عن التمايز الفني أولها العلاقات الشخصية والتحزب الفكري والإنساني! لم أجب غير أنني احترت؟
ما أنا متأكد منه أنَّ كثيراً من الأسماء استحقَّت أن توجد في هذ الديوان ووجدت !
وكثيراً منها استحقَّت ولم نجدها! وكثيراً منها لم تستحق أن تكون غير أنها كانت فما العمل؟؟!..
الشاعرة رشا عمران بدورها عبرت عن انزعاجها، من أنطولوجيا شوقي بغدادي إذ قالت بأن مشاكل عديدة تضمنها ديوان الشعر السوري، مستغربة غياب اسماء كنزيه أبو عفش وسليم بركات أو لينا الطيبي، كما قالت بأن هذا الديوان لا يمثل الشعر السوري بشكل صحيح فما معنى- تتساءل رشا عمران- أن يضم ستة شعراء لديهم اللغة ذاتها والمناخ الشعري ذاته. تختم رشا عمران" من غير المعقول أن توضع شاعرة كعائشة أرناؤوط أو شاعر مثل نوري الجراح في نصف صفحة بينما فتحت صفحات كاملة لأسماء لم يسمع بها أحد من قبل
08-أيار-2021
يحاضر في «أربعاء تريم الثقافي» / فراس السواح يقارن بين التاو والديانات الشرقية |
24-آذار-2010 |
17-آذار-2010 | |
28-حزيران-2009 | |
23-حزيران-2009 | |
13-حزيران-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |