تقول الحكاية: ارتدت ليلى رداءها الأحمر، وأخذت سلّتها، وذهبت إلى بيت جدّتها لتعطيها الطعام. حذرتها والدتها من سلوك طريق الغابة، فثمة ذئبٌ في الغابة سيفتك بها، وأن عليها اختيار الطريق الآمن الذي يعرفه الجميع، غير أن ليلى انحازت للخطر، للفضول الذي يؤدّي إلى المعرفة، لاختبار الحقيقة واكتشافها بنفسها. ذهبت إلى بيت جدّتها عبر الغابة متجاهلة نصيحة والدتها. كان الذئب هناك فعلا، وأكل ليلى ذات الرداء الأحمر بعد أن جرّدها من ردائها، وارتداه هو.. بقية القصة تعرفونها. اشتغل علماء نفس كثيرون على رمزية الحكاية. ولعل تحليل الألماني، إريك فروم، كان الأكثر انتشارا. اعتبر اللون الأحمر لون البلوغ (الحيض)، وتحذير الأم من سلوك طريق الغابة التوجيه الديني نحو الصراط المستقيم، والذئب الرغبة التي تبدأ مع البلوغ وباكتشاف الجسد الجنسي، والتي يمكن لها أن تفتك بصاحبتها لو اختارت طريقا غير طريق الصلاح. .. يتناسب هذا التحليل جدا مع تركيبة العائلة المسيحية المحافظة، حين ظهرت الحكاية التي كتبها الفرنسي شارل بيرو نهاية القرن السادس عشر، والذي يُعرف بأنه كاتب سلسلة الحكايات الخرافية التي تهدف إلى المساعدة في تربية الأبناء. ومع الزمن، والانتقال من جيل إلى آخر، ومن بلدٍ إلى ثانٍ، طرأ تغيير كثير على حكاية ذات الرداء الأحمر، لكنها بقيت محافظةً على هدفها الأول: تحذير البنت أول بلوغها من الوقوع في الخطيئة التي هي الغابة! في عصرنا العربي الحديث، تحولت رمزية الحكاية إلى ما يناسب مجتمعاتنا، فلون الرداء الأحمر هو لون الغواية، واختيار ليلى الغابة هو خروجها عن طاعة أسرتها وبيئتها ومجتمعها، والذئب هو الذكر الذي لا يستطيع كبت شهوته أمام الغواية، فيفتك بالفتاة ويأكلها (يغتصبها). تقترح حكايتنا العربية، كما الغربية، أن على الفتاة الالتزام بالحشمة، وبما تمليه عليها عائلتها، أن تكون مطيعة، أن تقتل رغبة الفضول والمعرفة والاكتشاف في نفسها، أن تستقي خبرتها من تعاليم العائلة، لا من تجربتها الشخصية. التجربة ليست للإناث، هي للذكر فقط، الذكر/ الذئب الذي لا يوجّهه أحد، الذي يذهب إلى الغابة، ويفتك بمن تخرُج عن تعاليم العائلة/ القبيلة/المجتمع، من دون أن يلومه أحد، فلو لم تتمرّد ليلى/ الفتاة على تحذير والدتها لما أكلها الذئب، لو لم تحاول الفتاة الخروج من البيت إلى الشارع، لما وجد الذكر من يتحرّش بها. المشكلة في الحكاية ليست في الذئب/ الذكر المفترس، إذ لا العائلة ولا القبيلة ولا المجتمع ولا الدين يعتبرون أفعال الذكر نشازا أو خروجا عن التقاليد، بل وجوده في قلب الغابة، لترويع الفتيات، أمر طبيعي، "اللي عنده معزة يربطها" كما قال والد طفل حاول تقبيل طفلةٍ معه في الروضة، وقامت قيامة أهل البنت على الطفل وعائلته، في حادثةٍ قبل سنوات في مصر. هل يمكن أن نستنتج لماذا تدافع نساء كثيراتٌ عن المتحرّشين الذكور، ويلمن الفتاة التي تم التحرّش بها أو اغتصابها؟! في القصة، وبعد أن يأكل الذئب ليلى، ويرتدي لباسَها الأحمر، يذهب إلى بيت الجدّة، ويدّعي أنه ليلى، لتفتح له الباب، ويأكلها كما أكل حفيدتها. الحكايات عادة ما ترويها الجدّات للأطفال. تريد الحكاية أن تقول إن الذئب سوف يأكل كل سلالة ليلى من النساء، على كل نساء العائلة/ القبيلة/ المجتمع أن يلتزمن بالسياق الذكوري، الطريق المستقيم الآمن، لا طريق الغابة المليء بالمخاطر. هكذا تتداول الحكاية أنثى وراء أخرى، وهكذا تدلّ كل منهن الأخرى على الطريق المستقيم، كما يريد الذكر/ السلطة الاجتماعية والدينية والسياسية. ولكن ثمّة في دواخلهن ما يتوق للتمرد، فإذا ما تمرّدت إحداهن شعرن بالغيرة منها لجرأتها، ولكي يُخفين توقهن وغيرتهن يلقين باللوم عليها لا على الذئب/ المتحرّش أو المغتصب، وطلبن الرأفة للذئب المذنب، كونه لا يستطيع التحكّم بغريزته أمام الإغواء. لحسن الحظ، جعلت تحويراتٌ في حكاية "ليلى والذئب" الجدة تكتشف حيلة الذئب وتقتله، وتخلص ليلى. والخلاص في هذا التحوير فعل فردي، ويعتمد على ذكاء الأنثى/ الجدّة وحدسها، وليس خلاصا نهائيا لفكرة سلطة الذكورة بكل أشكالها، لإنقاذ جنسي النساء والرجال معا من الحرب الباردة بينهما في مجتمعاتنا، ولكن من المفيد أن يبدأ هذا الخلاص بيد الأنثى، وأن تبدأ بتربية أبناء، لا بتربية ذكور متسلطين، وإناثٍ مستضعفات.
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...