مع غروب شمس البارحة تجولت في شارع الغوطة والدبلان المكتظين بالناس كانت تسكنني نشوة غامرة ، وقلبي ممتليء بالحب لاحتضان الأشجار والعجائز والأطفال وقطط الشوارع . كنت أتأمل وجوه الصبايا ، وأنظر بشبقٍ إلى نهودهن . وأحدق في مؤخراتهن ، ليس كمراهقٍ غاوٍ ، بل كنت مراهقاً بكامل الأوصاف . وقبل ثلاث ساعات كنت قد غادرت المشفى الذي استلقيتُ على إحدى أسِرَّته لمدة خمس ساعات لتناول الجرعة الكيماوية الأولى بسبب كتلة سرطانية صغيرة في الرئة اليسرى أشارت إليها صورة الطبقي المحوري ثم الخَزعة التي أكدت وجود الحالة . حين قصدت طبيب الأورام الدكتور زاهر بيريني لفتت نظري وسامته التي تذكر بنجوم السينما ، والأهم من ذلك دماثته وحسن استماعه للمريض للبدء بالعلاج . وفي حوار بيني وبين صديقي الحميم الدكتور شاكر مطلق ، شفاه الله وعافاه إذ يعاني الحالة إياها . قال لي الدكتور مطلق واصفا طبيبنا المشترك الدكتور زاهر أنه رجل علم ورجل أخلاق . فالدكتور مطلق هو الصائغ الذي يُثَمِّنْ معادن الناس . رغم السمعة الرديئة لجرعة الكيماوي إلا أنني قصدت المشفى لتناولها ولم أكن أحمل في نفسي أي ضغينة أو خوف من هذا الدواء السيء السمعة . غادرت المشفى بعد الانتهاء من تناول الجرعة التي كانت بإشراف الدكتور زاهر بيريني دون أية معاناة او كركبةٍ صحية او جسدية . رغم اكتشاف الكتلة السرطانية في رئتي اليسرى منذ أكثر من شهر ، إلا أنني لم أتهيب من هذا المرض الذي يتحاشى الناس ذكره على ألسنتهم . فالكتلة هذه صغيرة وقابلة للعلاج والشفاء . غير أن الكتل السرطانية التي نعاني منها في بلاد العُرْبِ أوطاني فهي قاتلة وغير قابلة للشفاء إلا بمعجزة هائلة . فمن التقاليد البالية والمسَلَّمات والأعراف والممنوعات والطائفية والمذهبية والتعصب والعيب والحرام والأنظمة الحاكمة والمسؤولين والفساد والرياء ووسائل الإعلام واللصوص الكبار والفقر المدقع والغنى الفاحش والتابوات الثلاثة . تابو الدين وتابو السياسة وتابو الجنس . كل ذلك يجعلنا أُمَّةً خارج الزمن وخارج العصر والتاريخ وتكرسنا أُمة التخلف بامتياز .. هذا هو السرطان المرعب . اعرف ان الكتلة السرطانية الصغيرة في رئتي اليسرى يوازيها قلبي المسكون بالحب ، حب الإنسان والحيوان والنبات وسائر مخلوقات الطبيعة الجميلة . أما المرأة .. فآهٍ منكِ وماتحملين لنا من جحيمٍ وفراديس وما أمتعهما لقلبٍ لا يحملُ إلا العشق . لمْ أكنْ شاعراً في يوم من الأيام . غير أنني ما من أنثى احببت إلا وأنجبتُ منها قصيدةً . حين يكون قلبكَ مسكوناً بالحب العام الذي يطالُ جميع البشر والحيوان والنبات . وحين روحك تقيم مهرجانات الفرح للتي قلبكَ يحبها .. فأنت حينئذٍ ستنتصرُ على جميع الشرور والسرطانات وباقي العِلل والأمراض . الحب هو الطائر القوي الجميل الذي يضم تحت جناحه الأيمن الحياة محتفياً بها . ويقبع تحت جناحه الأيسر الموت مستسلما للحب . الحب هو سيد الموت ، وهو سيد الحياة .. الحب هو صانع الانتصارات الإنسانية النبيلة الرائعة .
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...