طائرة صغيرة تتجه من اليسار إلى اليمين. وضع الطيران أكثر شيء أنجزته في 2019. عام كامل لم أغادر فيه المدينة، عدا مرة واحدة ليوم ونيف، ذهبت إلى القرية في عرس ابن أختي. مؤشر الصوت في وضعية الإغلاق؛ مايكروفون صغير مشطوب من أعلى اليمين إلى أسفل اليسار بخط دقيق كالصراط. لساعة من نهار غادرت مُنعزلي هذا، شاركت في عزاء بقلب المدينة المسكونة بالريح والنمل والظلام... بعد كل هذا الجدب في الحائط التفاعلي، أكتب مجددا على نوتة الموبايل مستعيناً بضوء الموبايل نفسه، لا ضوء غير ضوء الموبايل ولا صدر يفتح لي ممرا للدفء عدا نوتة الموبايل. بعد ثلاثة أيام من التصحر، وبعد أسابيع من آخر نص كتبته، يكفي أنني بلغت 2020، بعد أن ظننتني لن أبلغ أرضه البعيدة قادماً مني ومن سبعين عتمةٍ تحت الجبال. مات كل شيء لسبعة أشهر بكاملها، بين نهاية عام مربك وبدايات عام يبدأ من شلالات نهر أمّور في رحلته الطويلة بين السفوح التي صنعتها أناملي ذات يوم... مررت بتسع قيامات ولم يوقفني أحد بين يدي رُبّان... لأبدأ حياتي (فجأة) من الصفر: حياة ثانية وفجر ثان ونوتة ثانية. حملني ملاكان طائران من رصيف فرعي بقلب صنعاء وأخذا يسافران بي أعلى مما توقعت... تركتهما في ما أوكلته سماء ملونة لهما، كانا يحدثانني بين كل 45 و47 دقيقة، لكني أواصل إغماض عينيّ بسبب رهاب قديم من المرتفعات والأعالي. ابتسامة طفيفة كانت هي السفير بيني وبينهما إلى درجة أنني ضاعفت منها بمقدار ربع ثانية سماوية، دون أن أدري أن ما فعلته، بمحض التحليق بين اللانهائي الأعلى، في لحظة غياب كامل لأثقال وأمتعة وتأوهات وتشبثات، كان فعلاً تفهمه الأجنحة البيضاء (العليا) بصيغة مكثفة للإياب القَدَرِيّ، وها أنا ذا هنا. طائرة تتجه ناحية اليمين مع ميلان بدرجة 99 و99%. ومؤشر رقمي على زاوية تحلق: "1:45 الصباح"....... 2020 لم يهزّ شعرة واحدة في كوني الواسع المترامي الآن، بعد أن صرت منتقلاً من بشريتي الهشة إلى الكون الذي يحمل اسمي لا آخر له إلا أصابع قدم الآلهة. قلت الآلهة، لأن عمودا للنور يلف الأكوان وما بعدها بضغطة زر مقدارها 37 ألف نور من ثانية غير منكسرة.... قبّلت أصابع في الرحلة الأبعد تحت سقف النهاية، وبمجرد أن فعلت، شعرت بمن يرمي بي باتجاهي حتى عدت من تحت أظافر كل الذين مشوا في جنازتي وكتبوا نعيي و(اندثروا) من رعب الشبح الذي (مات) ككابوس وقفل عائدا كعاصفة فوق رؤوسهم وبين أكتافهم حتى يظهر في الأرجاء هذا النور الذي كتبته آلهة النهايات بالخط الكوفي المشتعل بالنور في عتبة إصبعي الأولى قبل الثالثة، والذي يرقب ما أكتبه ويغني. الهبة ذاتها أعود لتقبيلها بين الظلام الفادح، إذا ما جذبتني إصبع قيامة... لم تكن رحلة عاديةً... سبعة أشهر من الكيمياء امتلأ بها فمي وغشاوة من رماد الماء أوغلت بين عينيّ... عدت من فم النار، تندلع من جحيم أفعى، وقفزت بابتسامة واحدة سلمتها عبر بريد آلهة الغيوم الطالعة من صدري... الآن، أتعافى بالصمت لأيام، صارت ابنتي الكبيرة تغسل ملابسي كما أن ابنتي الصغرى هي من يغسل دمعي قبل أن يطلع من مكامنه. الآن تصالحت معي بالعزلة، رميت في النسيان عبر تقنية "delete" ثرثرة الذين كنت أتمتم على مسامعهم كل نهار وما زالوا يحرقون فيزياء الكون: "حتى أنت يا بروتس.... حتى أنت يا بروتس.... حتى أنت يا بروتس.... حتى أنت يا بروتس...!!!!"
صار النهار أجمل في المنعزل..
الكتابة أجمل في المنعزل..
الله أجمل في المنعزل..
العزلة أربت بها على أكتاف طيبتي القديمة..
نمضي معاً في منتصف الشهر السابع عشر بموسيقى الأرض السحيقة النابتة من صدري، ليس من مكان بعيد... كتبت هذا بين الظلام، الله ونوتة موبايلي وكل طريق ملفوفة بالعتمة يلوحون لي كلما ضربت عاصفة في قلبي، ذاهبا إلى المستقبل... أنتظر نجمتين أولاهما تغسل قمصاني بالماء والصابون، ثانيتهما تغسل روحي بالثلج والبرد. ثالثتهما من منعزل قريب قالت لي: لتشعل ناراً ولتكتب غيمةً ولتهمس في أذن "2077": هل بقي شيء من درن الروح على الأرصفة؟...
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...