لا .. لن يصبح العالم أجمل
صلاح صلاح
خاص ألف
2020-09-26
لن يصبح العالم أجمل
ونحن نشرب الجعة على نهر الراين أو الدانوب
لأن رائحة ماء بردى تفور بجسدنا
حتى ولو لبسنا معطفا أمريكيا
ورفعنا مظلة ألمانية
كم أتمنى أن امتلك القوة
والشجاعة كما يصفني الجميع وأعود إلى بردى
تبقى شمس دمشق فوقنا
نحن مثل الحواة
في جيب كل منا قطعة من دمشق معنا
نعم حتى رائحة نعناعها
زعترها
حبلاسها اخضرها كله
رائحة طين حاراتها في الشتاء
دخان مدافئها
رائحة صوت فيروز
وصوت أناشيد المدارس
رائحة الشوندر المسلوق
رائحة أبي الذي دفناه قريبا جدا من البيت
بحيث يسمعنا كل صباح
ويعرف ماذا نعد للفطور
و أية مؤامرات عاطفية نحيك ضد بعضنا
ومتى تنام أمي .
ثلاثون عاما وأنا أصحو لأجدها
قد سبقتنا جميعا الى أرض الدار
إلى شجرة المشمش
إلى فنجان البن ,
إلى الدعاء, وإلى الله
وإلى صوت لندن
لقد ورثت عن والدي حبه للأخبار
أليس الناس من طول العشرة يشبهون بعضهم البعض؟
ألسنا ملابسنا معاطفنا كنزاتنا قمصاننا؟
لماذا عندما ندخل متجرا لبيع القمصان
نختار واحدا من بين المئات ؟ أليس لأنه يشبهنا؟
ألا نعاشر ونتزوج من يشبهنا من الرجال أو النساء؟
أليس هذا هو الحب ؟
وعلى طول المعاشرة تصبح
كل إمرأة زوجها تشبهه حتى بملامحه الخارجية
كنت لا أجد فرقا ابدا بين زوج اختي
وسيارته كان وجهه معقدا
منكمشا على نفسه
تماما كمقدمة سيارته المرسيدس موديل 1950
وما زلت أذكر
عندما كنت في أحد شوارع موسكو
كيف كان الرجل شعره منكوشا ككلبه
يعرج ككلبه
لونه بني ككلبه انفه ينزف مخاطا شتائيا ككلبه .
كم تشبه الاشياء مالكيها ؟
كم نشبه مثلا نحن دمشق حتى أننا غارقون في قعرها ؟
يكفي أن تسمع و أنت تمشي أحدهم
يتحدث بشامية فصحى حتى تستنفر كل قضبان اذنيك
وترتج روحك أنت الذي ابتعدت عن دمشق اربعين عاما .
لدمشق سر ولي
وعطر إله
كل أم تقطر في حلق وليدها قطرة منه لا يعود يقدر بعدها
على عشق مدينة اخرى .
كاذبون نحن في المنفى .
نحن هنا لأننا هناك
و للمرة المليون اصب فنجان قهوتي هنا اشربه هناك
وعندما اشعر أنني بت هنا فقط
فأول شيء سوف أفعله أن ألم صوري و أتجه إلى
المطار .
لاحظوا كم يهتم الغريب هنا بالهناك
كم كان يمكن أن يعيش أجمل هنا لو نسي هناك
لكن جربوا الغربة لتعرفوا كم نحن هنا . كم نحن هناك .