تنوّعت النعوت والصفات التي أغدقها معظم الكتاب الأميركيين، قدحاً وذماً، على المرشح الجمهوري لولاية رئاسية ثانية، وتعدّدت جوانب الصورة السلبية التي فاضت بها أعمدة الصحف ومنابر الإعلام في العالم، وهي تشخّص ماهية دونالد ترامب، الهائج المائج في واشنطن، وتستجلي أبعاد هذه الشخصية المثيرة للجدل، ليس فقط حين بدأت حملة الانتخابات التي عمّقت الشروخ، وزادت من حدة الاستقطاب في الولايات المتحدة، وإنما منذ اليوم التالي لدخول تاجر العقارات البيت الأبيض.
لو خطر لك مرة أن تحصي النعوت التي حصدها ترامب في أشهر الحملة الانتخابية حصراً، ستجد أن المقام لا يتسع لكل ما أورده المعلقون، على اختلاف جنسياتهم، من تسمياتٍ مهينة، وألقابٍ قبيحة، أحسب أن رئيساً أميركياً لم يحصل على مثلها من قبل، بدءاً من نعت معربد وأهوج وجاهل ومتعالٍ، إلى صفة وقح وسطحي وعديم الكوابح وأناني ومغرور، وغير ذلك الكثير من "الأوسمة" لمن قسّم أميركا وشل نظامها الديمقراطي، وهزمها أمام فيروس كورونا. غير أنني عثرت على ما أعتقد أنه أكثر الصفات انطباقاً على من درجتُ على تسميته الرجل البرتقالي، دونالد ترامب، ألا وهي صفة "الأزعر"، كون هذا النعت المتداول لدينا، خصوصا في زمن الربيع العربي، قريباً من فهم عامة الناس الذين يطلقون هذا النعت، بتهكم واحتقار، على كل شخصٍ سيئ الخُلق، عديم الحياء، مشكلجي يتوسّل العنف لتحقيق مأربه غير المشروع، أي ممن كان ينتسب إلى فئة الشطار والعيّارين قديماً، وصار عضواً أصيلاً في جماعات الشبيحة والبلطجية والفتوات وفارضي الخاوات حديثاً.
إذ تكاد صفة الأزعر الذميمة وكأنها بدلة جوخ أنيقة من ثلاث قطع، مفصّلة خصيصاً على مقاس ترامب، وأكثرها ملاءمة لشخصيةٍ باتت تمثل الشر المطلق، ليس من وجهة نظر نصف الأميركيين على الأقل، وإنما أيضاً، حسب رأي غالبية شعوب الكرة الأرضية وقادتها، ممن وجدوا أنفسهم مع رئيس الدولة العظمى الوحيدة، في عالم أقل أمناً، وأشد قلقاً إزاء ما قد يوقّع عليه من "قراراتٍ تنفيذية" مفاجئة، ذلك المعربد في البيت الأبيض، سيما وأن توقيعه العجيب الغريب على تلك القرارات يشبه مؤشّر درجات ريختر لقياس الهزات الأرضية.
قد يطول الحديث عن ترامب أطول من حكايات الجدات الفاضلات عن الأفاعي السامة، وقد يمتد الكلام عن أزعر واشنطن إلى ما لا نهاية، إلا إذا أتت الرياح فجر يوم غد، ولو لمرة واحدة في العمر، بما تشتهي سفن الشعوب في الشرق والغرب، في الشمال والجنوب، وصار ترامب بعدها جزءاً من ماضٍ مضى، نتذكّره في الأمسيات اللطيفة بتهكّم، ونحتفي بانقضاء عهده المشؤوم بكثيرٍ من الغبطة، سيما هنا في هذه المنطقة التي أوسعها صاحب "صفقة القرن" قلقاً وخللاً وتطبيعاً، وقدّم فيها لإسرائيل هدايا أثمن من كل ما تمناه عتاة المستوطنين من مكافآتٍ مجزية.
ومع أن أحداً ذا صوابٍ لا يرجو من بديله المحتمل، جو بايدن، تغيير دفّة السفينة الأميركية المبحرة بقوة دفعٍ لا تنضب، نحو شاطئ الانحياز الكامل لآخر دولة احتلال فاشية وعنصرية، إلا أن انتهاء ولاية ترامب المأمول، بما تمثله من شرّ مستطير، ومن عدوانيةٍ مفرطة، ناهيك عما يكتنفها من مخاطر مضاعفة على العالم كله، عدا إسرائيل، أمر يطيّب النفس قليلاً، ويهدئ الروع كثيراً، ويُشيع قدراً ضئيلاً من الأمل، ليس لأن جو بايدن الباهت، المفتقر لروح الزعامة، صاحب سياسةٍ خارجيةٍ مغايرة، بل لأن أميركا، ومعها الأسرة الدولية، تستحق قيادة أفضل ممن تربع على سنامها في غفلة من الزمن.
في بداية ثورات الربيع العربي، هتف المصريون "الشعب يريد إسقاط النظام"، ثم أتبعوه بشعار أكثر براعة "يسقط حكم العسكر"، فكان ذلك فاتحة إسقاط حكم المجلس العسكري. وفي جديد حلقات هذا الربيع المديد، صاح اللبنانيون بشعار "كلن يعني كلن"، ومن ثمة هتفوا مقلّدين سابقيهم على الدرب بشعار يسقط حكم العسكر، إلا أنهم، حين اكتشفوا عبثية هذا القول في بلدٍ مثل لبنان، رفعوا شعار "يسقط حكم المصرف" الذي بدا أصغر من حجم الثورة، فاستبدلوه بشعارٍ أبلغ "يسقط حكم الأزعر"، في إشارة إلى كامل الطبقة الحاكمة الفاسدة. وها نحن نعاود الاتكاء على الشعار ذاته، متسائلين بتفاؤل حذر: أغداً يسقط حكم الأزعر في الصناديق الأميركية؟
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...