الحرب المفتوحة *
2006-07-18
مع أن كل الحروب تبدأ مفتوحة على سائر الاحتمالات ، وتنتهي في أغلب الأحيان على نتيجة مختلفة عن أي من الاحتمالات المتوقعة سلفاً ، فإن الحرب الدائرة منذ نحو أسبوع بين حزب الله وإسرائيل ، هي أكثر الحروب انطباقاً على الاسم الذي اختاره لها السيد حسن نصرالله بعد أن وقعت الواقعة ، وذلك حين قال: نحن ذاهبون إلى الحرب المفتوحة ، ثم ذهب إليها بقلب لا يزيغ.
فهذه الحرب مفتوحة أولاً على عدد من الاحتمالات التي لا حصر لها ، بما في ذلك احتمال عدم الحسم الذي لا يطيقه المتحاربون ، ومفتوحة ثانياً على كل الساحات المرشحة للانخراط في القتال ، بما في ذلك أكثر الساحات بعداً عن الرقعة الجغرافية اللبنانية ، ومفتوحة ثالثاً إلى آجال زمنية قد تطول إلى ما هو أطول من كل ما توقعته الأطراف المشتبكة فيها ، ومفتوحة رابعاً على سيناريوهات ومفاجآت وتحولات لا سابق لها.
وعلى نحو ما نشبت فيه كل الحروب السابقة ، وسط معطيات ملائمة لواحد من الطرفين أو لكليهما ، تبدو الظروف السياسية اليوم أكثر من ناضجة لإشعال فتيل معركة حربية كبيرة ، تتكرر بانتظام كل نحو عقد من الزمان ، منذ نحو ستين سنة. ولعل ما تجلّى من مشاهد عسكرية خلال الأسبوع الأول من الحرب ، يدل دلالة واضحة على أن مقومات الاشتباك كانت قد اكتملت ، وأن الاستعدادات ، خصوصاً من جانب حزب الله ، قد بلغت مرحلة تُبعد الحرب عن طابع الارتجال ، وتنأى بها عن صفات الانفعال والانجرار والتورط وغير ذلك.
إذ ربما تكون هذه الحرب المرشحة للاتساع أكثر فأكثر ، والإدامة إلى أمد غير معلوم ، هي واحدة من الحروب العربية ـ الإسرائيلية القليلة ، التي تم التخطيط لها سلفاً من جانب طرف عربي ، وتم الإعداد لها بالسلاح والرجال جيداً ، وجرى اختيار لحظتها المواتية في إطار مشهد إقليمي ودولي مناسب ، على نحو قريب الشبه مع الحرب العربية ـ الإسرائيلية الوحيدة التي جرى التخطيط لها من جانب العرب ، وتم خوضها بتنسيق عالْ على جبهتين ، ألا وهي حرب أكتوبر 1973.
فهذه هي المرة الأولى التي يدخل فيها العمق السكاني الإسرائيلي ضمن دائرة النيران الحامية ، على العكس من كل الحروب السابقة التي ظلت الجبهة الداخلية الإسرائيلية في منأى عنها.
وهذه هي الحرب الأولى التي لا تكون فيها غاية العرب النصر المبين ، وإنما الصمود تحت القصف والترويع لأطول مدة ممكنة ، وهي أيضاً من السوابق الحربية النادرة التي نألم فيها كما يألمون ، رغم الفوارق الهائلة في القوة النارية ، وهي فوق ذلك واقعة غير مسبوقة في تاريخ الكفاح الفلسطيني ، تضامن فيها بعض العرب ، بالفعل لا بالقول ، مع المقاومين الفلسطينيين الذين ملّوا قول "يا وحدنا".
ورغم ما أثارته هذه الحرب من انقسامات مؤسفة على المستوى الرسمي العربي بل وفي الداخل اللبناني ، إلاّ أنها الحرب الأولى التي تحقق اصطفافاً جزئياً على المستوى الإسلامي ، حتى ولو كان ذلك على مستوى الإمداد التسليحي والخبرات الفنية ، أو غير ذلك من مظاهر الاصطفاف الحقيقية ، وفي ذلك مكسب عزيز المنال تطلّع إليه اللبنانيون طويلاً ، وتطلع إليه الفلسطينيون أطول ، خصوصاً بعد أن تجلت لهم بكل وضوح ، مظاهر خواء التضامن العربي ، وانكشفت أمام أعينهم هلامية المصالح القومية العليا المشتركة.
وفي هذه الحرب التي قد تتجاوز كل الخطوط الحمراء ، وكل الآجال والفرضيات والساحات والسيناريوهات ، لا تبدو إسرائيل ممسكة وحدها بزمام المبادرة ، تصول وتجول وتتوعد وتضرب دون تحسب لردة فعل من الجانب المقابل.
وعليه ، وأياً كانت خاتمة هذه الحرب ، فإن إسرائيل لن تعود كما كانت عليه ، الدولة المرهوبة الجانب ، القلعة الحصينة العصية على المنال ، ولن يقول أحد من قادتها بعد اليوم: لقد تعبنا من انتصاراتنا على العرب ولم يعد لدينا شهية لتحقيق مزيد من الانتصار عليهم ، وذلك على نحو ما قاله أيهود أولمرت قبل تسلمه الحكم بعدة أسابيع.
يبقى أن المشهد الإقليمي الحالي لن يظل على ما كان عليه من قبل ، وقواعد اللعبة لن تبقى محكومة بعد الآن من جانب لاعب واحد ، يقرر وحده متى يحارب ومتى يفاوض ، ومتى يمتنع عن هذه وتلك ، ثم يضع بنفسه لنفسه الشروط والخيارات والبدائل المناسبة له ، دون أي اعتبار لطرف عربي ، أو قانون أو شرعية دولية ، طالما أن السكين الإسرائيلية تمضي في الجسد العربي المصاب بحالة مديدة من الخدر ، حيث كفّ صاحب هذا الجسد الممدد في غرفة العناية الطبية غير الفائقة ، عن إبداء الألم أو الغضب ، مهما أمعنت السكين فيه تقطيعاً.
جريدة الدستور الأردنية /
08-أيار-2021
13-شباط-2021 | |
07-تشرين الثاني-2020 | |
10-تشرين الأول-2020 | |
18-تموز-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |