قصة / علي رطل
2007-04-14
خاص ألف
في حارة "علي رطل" لا يقيسون المسافات بالأمتار، إنما بالبعد عن بيته. ولا يوجد شك بأن أي شخص في الحارة يعرف بالضبط أين يقع بيت "علي إبراهيم رطل" العجوز الذي ظل يزرع السبانخ حتى التسعين من عمره.
وأول ما يتذكر المرء عن علي، أنه النجم الذي أظهره التلفزيون المحلي في معرض تقديمه لإنجازات "سعيد حلبي" طبيب القلبية الذي وصلت شهرته كبريات المؤسسات الطبية والبحث العلمي في كل أنحاء العالم. وكان "علي رطل" أحد مرضاه المدللين، والذي لم يقبل الطبيب منه قرشا واحدا رغم عديد من
العمليات الجراحية التي أنقذت حياته وظل بعدها يمشي كل صباح إلى أرضه ليزرع السبانخ والخس والملفوف.
"علي رطل" في الاستديو المركزي للتلفزيون وبينما كانت الكاميرا تركز على وجهه المتجعد، تذكر كل ماضيه دفعة واحدة، وشعر بالحرج أمام الكاميرا بشكل حقيقي رغم أنه كان مشاهدا مداوما للتلفزيون ولم يخطر بباله يوما أنه سيشعر بهذه الهيبة وهذا الخوف أثناء التصوير. قال لنفسه إنه الآن وجها لوجه أمام عدسة الكاميرا، الحلم الذي طالما راوده وطالما وجد نفسه يستحقه. تكلم الطبيب مطولا عن حساسية وضع علي وندرة مرضه في عمره وخطورة عملية كهذه في هذا العمر وبينما يشرح كل هذا باستفاضة كان هناك شريط فيديو يعرض للمشاهدين مشرط الطبيب وقلبا أحمر من المفروض أنه يخص علي.
أثناء التصوير لم ير علي فيديو العملية، لكنه كان قادرا على تصور المشهد. فأطرق برأسه وشرد في سلسلة أمراضه التي رافقته أكثر من ثلاثين سنة. كان مرتبكا على الرغم من أن مقدمة البرنامج لم تطرح عليه أي سؤال بعد. فكر بأهل حارته ورغم أنه طالما حسد الذين يظهرون في التلفزيون إلا أنه وجد نفسه في وضع لا يحسد عليه.
حين سألته مقدمة البرنامج عن شعوره قبل العملية وبعدها، شعر بحنجرته تتقلص وبأنه بالفعل لا يجيد الكلام كما لم يتوقع أبدا. وخرجت من فمه عبارتان اثنتان:
ـ قبل العملية لم أكن أستطيع أن أجر قدميّ حتى للذهاب إلى أرضي. الآن أذهب يوميا إلى هناك.
وبانتظار مزيد من الأسئلة، أخذ يحضر بضع عبارات عن سبانخه، وأراد أن يوجه للمذيعة دعوة من باب الإحراج وخفة الدم لمساعدته هناك. إلا أن مقدمة البرنامج تمنت له دوام الصحة والعمر المديد.
بينما كان يفكر بخيبة أنه ربما قدم لها جوابا رديئا جعلها تنهي حوارها بهذه السرعة، كان أهل حارة علي رطل يشاهدونه في التلفزيون وهربت من عيون النساء خاصة دمعات تعاطف ومودة. وليلة عاد إلى منزله بعد تصوير تلك الحلقة اتصل به كثير من المعارف ليقولوا له كم كان رائعا ذلك اليوم في التلفزيون، وكم هم فخورون به.
08-أيار-2021
01-كانون الأول-2008 | |
14-نيسان-2007 | |
14-شباط-2007 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |