قصائد من (الخيط في يدي) 2
2008-04-03
الخيط فى يدى
خرج العنكبوت من تحت الجريدة المكورة
فاضطربتُ
ورجعت للوراء
حتى غاص ظهرى فى الحائط
كنت أهيئ نفسى لمغادرة اللوكاندة
لا أعرف كيف توقفت عن جمع أشيائى
وأخذت أعبث في أحلامى التى نفقت
بينما أمزق أجندتى فكرة فكرة
وعنوانا عنوانا
كان من اللازم أن أكون شرسا بعض الشئ
فلم أستطع
وكان ذلك كافيا لأن أترك كل شئ
رأيته أول مرة فى حوش منزلنا
صرخت : عقرب , عقرب
قالت أمى : إنه عنكبوت
ثم داست عليه
ضحكت خالتى وهى تأخذنى فى حضنها
لكن ذالك لم يمنعنى من أن أراه عقربا
وكانت تلك نقطة ضعفى عند الأولاد
فحينما ارتفعت طائرتى فوق طائراتهم
وضعوا عنكبوتا فى قفاى
فضاعت طائرتى إلى الأبد
أشتهى وضع هذا العنكبوت
بين سبابتى وإبهامى
أشتهى أن أسمع صوت انفجاره
أمسكته
لكنه أفلت من بين أصابعي
وظل معلقا فى الهواء
فعرفت أن خيطه فى يدى
تخليت عن فكرة قتله
وظللت العب به مثل طائرة ورقية
فجأة
رأيت أوراق أجندتى تلتئم
وشعرت برغبتى فى النزول إلى الشارع
تنمو باطراد
عدت آخر الليل
وفى حضنى حلم يهدل
كان العنكبوت فى زاوية الغرفة
ينظر لى بخوف
وأنا أنظر إليه بامتنان
قلت لنفسى
لن يأمن لى مهما توددت له
تجاهلته
وابتعدت عن الباب المفتوح
كى يطمئن ويهرب
قلت لنفسى
عندما تنفرج الأحوال
ستكون تربية العناكب هوايتى الوحيدة .
***
شهوة حمدان
لم يكن حمدان بهلوانا
لكنه اشتهى أن يكون فراشة
فربما أدهشهم بألوانه الزاهية
وربما أيقظ رقصُهُ منارة فى أعماقهم
غرز فى جنبيه الريش
وحينما رفرف فى الفراغ
تناثرت دماؤه
لم يعبأ بجراحه
بقدر ما حزن على خراب رقصته
تباروا فى ركله
وهم يعرضون عليه ثيابهم التى اتسخت بدمه
لكن ركلاتهم كانت أبسط من عكارة صدره
ولم تمنع ابتسامته
وهو ينظر إليهم
منحدرين بعيدا عن حطامه
فى مرة ثانية
اشتهى أن يكون حصانا
رآهم يشتاقون إلى الصهيل
فوقف على أربع
وحرك حافره الأيمن كمن ينبش برفق
حك حدقتيه فى الفضاء
وركض.
لكنه نظر خلفه بعد لحظات
كانوا منقلبين على ظهورهم
يضحكون على ضراطه
وصهيله الذى يشبه بكاء معزة
شتمهم بثقة وامتعاض
وحلف بقبر أمه
أن لا يرأف بأحوالهم مرة أخرى .
فجأة
وجد نفسه وسطهم
كانوا يتحدثون عن حبيباتهم
فلم يحتمل الصمت
ولم تكن لديه حبيبة يحدثهم عنها
اشتهى أن يحكى لهم عن جنية تعاشره
إذ بينما كان يسير فى الجبانة
يجمع كعكا وفاكهة
ـ كعادته كل خميس ـ
سمع عجوزا ترجوه أن يسقيها
فألقى الصفيحة فى البئر
وبينما كان يخرجها بعناء غريب
فوجئ بجميلة تجلس فوقها
أفلتها صارخا
وهوت الصفيحة فى القاع
لكن الصبية كانت ممسكة برقبته
وقبل أن يحدثهم عن قبلاتها
وعقد زواجهما الذى أخرجته من تحت جفنها
نظر حوله فلم يجد أحدا
نادَى
جاوبته أصوات غريبة
وقبل أن يكمل آية الكرسى
هرول هاربا
وخرجوا من مخابئهم يضحكون
بينما يتطلعون فى غيابه
ويمجدون نوادره .
***
قصائد من (الخيط في يدي) 3 ـ فتحي عبد السميع
البومة العجوز
ماذا فعلوا بى ؟
جسدى بلا أحلام
وذاكرتى فارغة
إلا من بعض تصاوير ناعقة
تحجل هنا وهناك
أتقرفص فى فراشى
ظهرى للنافذة
وعيناى على هشيم المرآة التى فتكت ُ بها
كيانى كله شارد
مع الرغبة فى أن أصير بومة
من يصدق
أن هذا الوجه المكرمش
وتلك العظام المترهلة
لشاب فى الثلاثين ؟
من يصدق
أن الفِراش الذى أتقرفص فيه
جثة حقيقية
كان صوتى بشريا بلا شك
وربما كانت لى حبيبة
أغنى لها فى الخلاء
أو تحت الشبابيك
لا يمكن أن أكون ولدت هكذا
بحنجرة نصفها عواء
والآخر أنين
أذكر أنى كنت صبيا
وأنهم ضبطونى أتطلع أثناء سيرى
إلى ذراعىَّ المفتولين
وصدرى الذى يبرز من الجلباب
أذكر أنهم حبسونى فى بناية مهجورة
وفى الصباح
أوثقونى فى جميزة مثل لعنة
وجمعوا الناس فى صف طويل
أمروهم بصفعى
ثم جردونى من ملا بسى
تركونى أعود إلى الدار
وكفاى بين فخذى
يربكان هرولتى
ولا ينجحان فى ستر عورتى
لا شك أننى كنت صبيا شقيا
أصعد النخلة
وأصطاد الزنابير
أعتبر السعفة فرسا
وأرمح بها فى الشوارع
أغيب فى الزراعات
كى أنعش جسدى فى حضن الترعة
وأملأ حِجْر أمى
بالثمار التي اكتمل نضجها
وخشى التجار فسادها فى الطريق
لاشك أننى كنت صبيا جميلا
غير أنى لا أذكر شيئا
قبل اشتعال النار فى بيتنا
وخروجى منها بلا أهل ولا ذكريات
مخلوقا من الرماد الخشن
يَرْهبُ النهرَ والعصافير
ولا يعثر على نفسه إلا هنا
وسط الزوايا التى لا يلمسها النور
أو الهواء
يعطى ظهره للنافذة
ويفكر بهدوء
فى ارتكاب الجرائم التى دفع ثمنها
ولم يرتكبها.
***
لم أحاول تقبيلها
زميلتى المتصابية
أمسكتْ أنفها
فور اصطدامها بى
ونظرتْ لى باشمئزاز
تشاغلت بجمع الأوراق المتناثرة
وأنا أدرك تماما
أن تلك بداية الفضيحة
العطور لم تعد تنفع
ولا التوابل التى حشوت بها عروقى ,
فاحت عفونتى
و ها هى الدمعة التى تسقط دون إرادتي
يتقافز منها الدود .
متُّ منذ فترة
غير أنى عاندت الموت
رفضت تسليم نفسى لأقرب مقبرة
ومارست حياتى بشك طبيعى
دون أن يقلقنى شئ
سوى شهوة الانتقام التى تفور فى جسدى
ولا أعرف مِنْ من .
سوف يرتابون فى موتى
وربما أصروا على تشريح جثتى
سوف يرتبك الطبيب الشرعى
عندما يلاحظ آثار حبل حول الرقبة ,
نصلا مكسورا فى الظهر,
شرخا طوليا فى الجمجمة ,
عيارا ناريا فى الرئة ,
وعندما يعثر على عدة أحلام صغيرة
تمكن السرطان منها
سيلوِّح بمنشاره الصغير
ويخرج صارخا
" وجدتها " .
حتى أمى لم تشعر بموتى
رغم تعثرها الدائم
فى تجهمى وشرودى ,
لا شك أنها ستبلل عدة مناديل
عندما يشيعُ خبر تهربى من الدفن,
وستفهم حبيبتى
لماذا لم أحاول تقبيلها,
أما بقية الأوغاد
من الأهل والجيران وزملاء العمل
فسوف يتقززون وهم يتطلعون
إلى أياديهم التى صافحتنى
لكنهم سيصححون الكثير من معلوماتهم
عن الموتى .
08-أيار-2021
13-أيار-2008 | |
03-نيسان-2008 | |
23-آذار-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |