تاريخ التعذيب في الإسلام 2
2006-04-08
فنون التعذيب وأبطاله:
لم يكن التعذيب مألوفاً في الجاهلية بالنظر لقيم البداوة المناهضة للتنكيل، وقد ظهرت منه بوادر في المدن التجارية وجهت رئيسياً ضد العبيد، وفي بداية الدعوة الإسلامية بمكة وجد تجار قريش حاجة لإرهاب عبيدهم ومواليهم الذين أسلموا فعذبوهم ليرجعوا عن الإسلام، وكانت وسيلتهم في ذلك هي التشميس الذي يعتمد على شمس الجزيرة الحارقة، فكانوا يكتفون الضحية ويلقونه في الشمس بعد إلباسه أدرع الحديد أو وضع جندلة على ظهره أو صدره ويترك على هذا الحال ساعات غير محددة قد تستمر مادامت شمس النهار في عنفوانها، وظهر التشميس أيضاً في صدر الإسلام لتعذيب الممتنعين عن دفع الخراج. ويتفاوت مفعول هذه الوسيلة تبعاً لشدة حرارة الشمس، فهي في العراق والجزيرة أوجع للضحية، وفي بلاد الشام أقل إيلاماً.إن التشميس هو أقدم وسائل التعذيب وهو وسيلة مشتركة بين الجاهلية والإسلام. ونبدأ الآن بعرض مفصل للوسائل التي ظهرت في الإسلام.
حمل الرؤوس المقطوعة:
وتدخل في باب المثلة بالميت. وقد بدأها الأمويون في زمان معاوية، ويقال إن أول رأس حمل في الإسلام هو رأس عمرو بن الحمق، أحد أتباع علي بن أبي طالب، وقد قتله زياد بن أبيه، ومن الحوادث المشهورة في هذا الباب حمل رؤوس الحسين وأصحابه بعد معركة كربلاء، وقد ثبتت الرؤوس على الرماح وسير بها من كربلاء إلى الكوفة حيث قدمت لحاكمها عبيد الله بن زياد، ثم استأنفوا السير بها إلى دمشق لتقديمها إلى الخليفة الأموي، ولم تتكرر هذه المثلة بكثرة أيام العباسيين، إلا أنها انتشرت في الأندلس أيام ملوك الطوائف ومن المبرزين فيها المعتمد بن عباد صاحب أشبيلية الذي أقام في قصره حديقة لزرع الرؤوس المقطوعة، وكان المعتمد شاعراً.
الضرب والجلد:
باليد أو السوط أو الهراوة أو المقرعة وهو الكل المعتاد في تعذيب الاعتراف، كما استعمل في التأديب والانتقام السياسي، والضرب باليد غالباً ما يكون صفعاً على القفا والوجنتين ولم يكن الغرض منه الإيلام بقدر الإهانة ويضرب بالهراوة على الكتفين والظهر والأرداف. أما المقرعة فللرأس وهي أشد إيلاماً من اليد والهراوة. ويمكن اعتبار المقرعة تطويراً للدرة، وهي عصا خفيفة كان عمر بن الخطاب يحملها في طوافه بالأسواق والدروب ويقرع بها المخالفين لتعليماته، وقد استبدل بها عثمان السوط، أو العصاب بحسب الروايات وكان ذلك من أسباب النقمة عليه.
أما الضرب بالسوط فهو الجلد، وينفذ في المضروب واقفاً أو مبطوحاً وقد يقنطر ويضرب وهو ما اختاره وإلى المدينة لجلد مالك بن أنس مؤسس المذهب المالكي. وكان قد أفتى كما في رواية لابن عبد البر في «الانتقاء» بعدم شرعية البيعة للمنصور لأنها أخذت بالإكراه، فأمر الوالي بتأديبه، وتم ذلك برفعه من يديه ورجليه بعد أن قلبوه على وجهه وأخذوا بجلده على الظهر وليس للأسواط مقدار معلوم إلا في العقوبات الشرعية التي تضمنت حداً أعلى هو مائة جلدة لجريمة الزنى، لكن التحديد الشرعي لم يعمل به وكان المقدار يتحدد تبعاً لرغبة الآمر وربما استمر حتى الموت كما حدث لبشار بن برد الذي جلد بأمر المهدي بعد أن هجاه. وغالباً ما يتم الجلد دفعة واحدة ولكن يحدث أن يقسط على دفعات، ومن أمثلته جلد أبو حنيفة، مؤسس المذهب الحنفي، مائة سوط بأمر حاكم العراق الأموي ـ عمر بن هبيرة ـ لرفضه عرضاً بالعمل في إدارته وقد نفذ الحكم بالتقسيط كل يوم عشرة أسواط، وكان الهدف من التقسيط إعطاءه فرصة للتراجع وقبول المنصب الذي عرض عليه.
تقطيع الأوصال:
ويشمل قطع اليدين والرجلين واللسان وصلم الآذان وجدع الأنف وجب المذاكير (الأعضاء التناسلية للرجل)، وقطع اليد الواحدة منصوص عليه في الشريعة عقوبة للسارق، وكذلك قطع اليدين والرجلين وهو لقطاع الطرق. وقد توسع الحكام المسلمون بعد الراشدين في هذه الوسيلة دون التقيد بالجرائم المنصوص عليها، وطبقت رئيسياً على الجرائم السياسية وكان المقطوع يترك حتى يموت من تلقائه فإذا لم يمت قطعوا رأسه، وأقدم مثال لهذه الطريقة هو قتل عبد الرحمن بن ملجم، قاتل علي بن أبي طالب، وقد أعدم ببتر يديه ورجليه ولسانه وسمل عينيه، ثم قطع رأسه، والبتر وهو الغالب في هذه الحالات أما الصلم والجدع فنادراً ما يحصل ولكن جب المذاكير كان في بعض الأحيان عقوبة يفرضها السيد على عبده إذا صدر منه فعل جنسي لا يرضاه السيد.
سلخ الجلود:
في رواية لابن الأثير أن قائداً من الخوارج يدعى محمد بن عبادة أسر في أيام المعتضد بالله فسلخ جلده كما تسلخ الشاه. ونقل ابن الأثير حادثاً آخر كان ضحيته أحمد بن عبد الملك بن عطاش صاحب قلعة أصفهان الاسماعيلية. وكان السلاجقة قد حاصروا القلعة بقيادة السلطان محمد بن ملكشاه ثم افتتحوها وأسروا صاحبها ابن عطاش. يقول ابن الأثير: فسلخ جلده حتى مات، ثم حشى جلده تبناً. والغرض من حشوه عرضه بعد ذلك للتشهير والتخويف. وقبض المعز الفاطمي على الفقيه الدمشقي أبو بكر النابلسي بعد أن بلغه قوله: «لو أن معي عشرة أسهم لرميت تسعة في المغاربة (الفاطميين) وواحد في الروم» واعترف بالقول وأغلظ لهم بالكلام فسلخوا جلده وحشوه تبناً وصلبوه. والسلخ من أشنع صنوف التعذيب ويستدعى الإقدام عليه نزعة سادية في غاية الإفراط، ولذلك لم يتكرر كثيراً.
الإعدام حرقاً:
فرضه أبو بكر على رجل مأبون يدعى الفجاءة السلمي، وكان قد نقل إليه إنه «يؤتى من دبره كما تؤتى النساء» وهو من الأمور التي لم يتعودها عرب الجاهلية وصدر الإسلام. وورد في حروب الردة ما يدل على أن أبا بكر ضمن تعليماته لقادة الجيوش التي أرسلها لمحاربة المرتدين أوامر بالإحراق. وروى الطبري كتابين له في هذا المعنى كما نقل وقائع نفذت فيها أوامره. ويخبرنا البلاذري في «فتوح البلدان» أن خالداً بن الوليد أحرق بعض المرتدين بعد أسرهم وأن اعتراضاً من الصحابة قدم لأبي بكر ضد هذا الإجراء، فردهم أبو بكر قائلاً: «لا أشيم سيفاً سله الله على الكفار» يقصد خالداً.
واستعمل بعض ولاة الأمويين هذه العقوبة ضد الثائرين عليهم. وقد ذكرت آنفاً إحراق المغيرة بن سعيد العجلي حياً بأمر خالد القسري حاكم العراق، وفي أوائل العباسيين أعدم الكاتب عبد الله بن المقفع حرقاً بأمر سقيان بن معاوية أحد ولاة المنصور. وقد طور العباسيون في وقت لاحق هذا الفن إلى شي الضحايا فوق نار هادئة. وهو ما فعله المعتضد بحق محمد بن الحسن المعروف بشيلمة أحد قادة الزنج في البصرة وكان المعتضد قد أعطاه الأمان ثم اكتشف أنه يواصل نشاطه المعادي سراً فأمر بنار فأوقدت ثم شد على خشبة من خشب الخيم وأدير على
08-أيار-2021
24-حزيران-2006 | |
01-أيار-2006 | |
23-نيسان-2006 | |
08-نيسان-2006 | |
08-نيسان-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |