الاغتيال السياسي في زمن الخلافة الراشدية
2006-06-24
وقعت في خلافة الراشدين أربع حوادث اغتيال طالت خليفتين وصحابياً كبيراً وقائداً شيعياً. وقد جاءت هذه الحوادث في مجرى الصراع السياسي الذي انفجر بين المسلمين لحظة وفاة النبي، واستمر متفاقماً حتى تأوّج بالحرب الأهلية التي بدأت بالانتفاض المسلح ضد عثمان ثم تواصلت في خلافة علي لتنتهي بانهيار دولة المدينة ـ حكومة الخلفاء الراشدين وتأسيس الامبراطورية الأموية.
نفذت ثلاثة من الاغتيالات بأيدي إسلامية وواحدة بيد أجنبية، وجرت ثلاثة منها في العلن كعملية اغتيال مكشوفة، وواحدة منها سراً. لكن إحدى العمليات، وهي التي طالت الخليفة الثاني، اشتملت على احتمالات عنصر سري يكمن خلف التنفيذ المكشوف للاغتيال.
اغتيال سعد بن عبادة:
هو زعيم الخزرج وأحد النقباء في بيعة العقبة التي مهدت لهجرة محمد إلى يثرب.
عرف في الجاهلية بسمو أخلاقه وتعدد كفاءاته فلقب بالكامل. وينقل ابن عساكر[1] عن الواقدي أن النبي قال بسببه كلمته المشهورة: خيار الناس في الإسلام خيارهم في الجاهلية إذا فقهوا في الدين.
[1] تهذيب تاريخ دمشق الكبير. بيروت 1979 ج6/90 في ترجمة سعد بن عبادة.
[1] الصحيح ج5 ص147 باب غزوة الفتح.
[2] تهذيب تاريخ دمشق 6/93.
[3] ط ـ القاهرة 1962 ج4/260 كتاب العسجدة الثانية.
[4] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2/540.
* أصبح ابن أخ قاتل عمر المسمى عبد الله بن ذكوان والمكنى أبو الزناد فقيهاَ ومحدثاً مرموقاً وكان سفيان الثوري يسميه أمير المؤمنين في الحديث. وقد ولاه عمر بن عبد العزيز ببيت مال الكوفة. انظر ابن عساكر 7/385 ـ 387.
[5] الخراج، أبو يوسف، ط. السلفية ـ القاهرة 1352هـ ص43 فصل كيف فرض عمر لأصحاب رسول الله.
[6] التاريخ ط ـ الاستقامة، القاهرة 1939 ج3/426 باب مقتل عثمان. نص الكلام: «احذروا فتى قريش وابن كريمها، الذي لا ينام إلا على الرضا، ويضحك عند الغضب، وهو يتناول من فوقه ومن تحته».
[7] البصائر والذخائر. دمشق 1966 ج2 ق2 ص41. وفي «الامتاع والمؤانسة» يورد أبو حيان كلاماً لعمرو بن العاص يقول فيه: لعن الله زماناً عملنا فيه لابن الخطاب. لقد رأيته وأباه وأنهما لفي شملة ما تواري أرساغهما وأن العاص بن وائل (والد المتكلم) لفي مقطعات الديباج مزررة الذهب. ط بيروت بلا تاريخ ج 2/95.
انظر أيضاً شرح النهج م1 ص85 وعبارة عمرو فيه: «لعن الله زماناً صرت فيه عاملاً لعمر. و الله لقد رأيت عمر وأبه وعلى كل واحد منهما عباءة قطوانية لا تجاوز مأبض ركبتيه وعلى عنقه حزمة حطب.والعاص بن وائل في مزررات الديباج».. وينبغي أن يكون هذا النص أقرب إلى الأصل لأن التوحيدي يعيد صباغة مروياته بأسلوبه ولا يتقيد بالنص الذي ينقله.
[8] ص46 فصل كيف فرض عمر لأصحاب رسول الله. أيضاً طبقات ابن سعد ج2 ص217.
[9] الكامل في التاريخ. حوادث سنة 15 باب فرض العطاء وعمل الديوان.
[10] حوادث 23. مقتل عمر ـ باب شيء من سيره مما لم يمض ذكره.
* المهاجرون هنا هم النازحون من البوادي أو الأرياف للإقامة في المدن. وتعريفهم متضمن في هذه الأرجوزة لشاعر يصف مقاتلاً من صدر الإسلام:
قد لفها الليل بعصلبي
اروغ خراج من الدوي
مهاجر ليس بإعرابي
وكانت الهجرة تتم بتشجيع من القيادة الإسلامية لهدفين: توسيع رقعة المدن، وتزويد جيوش الفتح بالمزيد من المقاتلين ـ وقد استحدثت قاعدة فقهية تقول: لا تعرب بعد الهجرة.. أي لا يجوز العودة إلى البداوة (التعرب) لمن هاجر إلى المدن، ولا يقصد عمر بالمهاجرين الصحابة من غير الأنصار لأن هؤلاء لم يبق فيهم فقير منذ السنوات الأخيرة لعهد النبي، وقد اغتنوا أكثر في خلافة عمر حيث شملتهم أفضلية العطاء لكونهم من السابقين إلى الإسلام.
[11] نفسه. حوادث 36 مقتل عثمان.
[12] نفسه. حوادث 23. فصل مقتل عمر. في آخر الحديث عن الشورى. يريد عمر أنهم سوف يتسلطون على الناس بوصفهم عشيرة النبي وصحابته الأقربين. ويبدو عمر من هنا مدركاً للدور السلبي الذي تمارسه أمثال هذه الفئات في الدول الناشئة حين تصبح محور استقطاب للسلطة والثروة. أنظر أيضاً ابن عساكر 5/366.
[13] نفسه. حوادث 36. فصل مقتل عثمان.
[14] نفسه. حوادث 36. فصل مقتل عثمان.
[15] نفسه حوادث 23 مقتل عمر.
[16] طبقات ابن سعد 3/240.
[17] الدينوري ـ الأخبار الطوال ص125، وأورده ابن عساكر عن طبقات ابن سعد رغم الترجمة المنحازة التي اختص بها سعد بن أبي وقاص في تاريخ دمشق الكبير ج6/106.
[18] منهم سبط ابن الجوزي، وهو مؤرخ لامع، في «مرآة الزمان» مخطوطة فيض الله أفندي (مكتبة مليت باسطنبول) رقم 1521. المجلد الرابع في ترجمة علي بن أبي طالب.
كذلك: أبو الفرج الأصبهاني ـ مقاتل الطالبيين ط ـ القاهرة 1949 ص33 باب مقتل علي بن أبي طالب. البلاذري ـ أنساب الأشراف بيروت 1972 ج5/493.
[19] ابن أبي الحديد 2/29. السويق شراب يتخذ من دقيق الحنطة أو الشعير لا يستعمل حالياً في العالم العربي لكن له شبيهاً في شراب الملت البريطاني والمايروجين الصيني.
[20] ابن أبي أصيبعة ـ عيون الأنباء في طبقات الأطباء. بيروت 1965 ص174 في ترجمة الطبيب ابن أثال الذي كان يستحضر السموم لمعاوية بن أبي سفيان.
[21] جابر بن حني (وزن قصي) التغلبي من شعراء القرن السادس الميلادي. توفي عام 570م وهو عام ولادة النبي. والبيتان من قصيدة له في «المفضليات» التي جمعها المفضل الضبي المعاصر للمنصور. وهي من أوثق وأقدم مختارات الشعر الجاهلي.
[22] التاريخ. باب مقتل عمر. والمعترض هو طلحة بن عبيد الله.
[23] تهذيب تاريخ دمشق... ج4/80.
قولهم «ترك الصلاة» من قبيل التشهير، فالحجاج كان متدنياً وحريصاً على الشعائر.
وكان هو قائد الأنصار في حروب الإسلام على عهد النبي وسلك حينذاك سلوك رجل متعفف في الغنائم. كما كان يتولى حماية المدينة أثناء الحروب التي كان النبي يقودها بنفسه.
وكان سعد بن عبادة يتمسك بزعامة الأنصار ويعارض قريش. وقد أخرج البخاري[1] أنه هتف يوم فتح مكة وفي يده راية الأنصار بسقوط الكعبة ـ كرمز لسيادة قريش ـ فشكاه أبو سفيان للنبي فقال: كذب سعد هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة. ثم أوعز بنزع الراية منه وتسليمها إلى ولده قيس في رواية أو إلى علي ابن أبي طالب في رواية أخرى.
ومتمسكاً بهذا الموقف رشح سعد نفسه للخلافة يوم السقيفة. لكنه لم يحصل على إجماع الأوس، خصوم الخزرج التقليديين، مما رجح عليه كفة أبو بكر، الذي أيدته قريش ومعظم الأوس.
على أن سعد لم يقر بالهزيمة، وأصر على عدم الإقرار باستخلاف أبو بكر. وبسبب ذلك اختار العزلة فلم يشارك في نشاطات الخلافة في الداخل ولا في الفتوحات. وكان لا يحضر حتى الصلاة في المسجد وإنما يصلي في بيته. ويبدو أنه لبث يتحين الفرص لمغادرة المدينة، فلما فتحت بلاد الشام هاجر إليها وأقام في حوران. لكنه لم يعش طويلاً. فقد مات في ظروف غامضة سنة 14 للهجرة. وقد وردت في موته أخبار نستعرضها فيما يلي..
ـ رواية ابن عساكر عن النضر بن شميل وهي موجزة تذكر أنه بال قائماً فمات، فسمح قائل يقول[2]:
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة
ورميناه بسهمين فلم نخط فؤاده
ـ ثلاث روايات أوردها صاحب العقد الفريد[3] إحدها عن هشام الكلبي وتفيد أن عمر بن الخطاب بعث رجلاً إلى الشام فقال له ادعه إلى البيعه، واحمل له بكل ما قدرت عليه فإن أبى فاستعن الله عليه. فقدم الرجل إلى الشام فلقيه بحوران في حائط (بستان) فدعاه إلى البيعة فقال له: لا أبايع قرشياً أبداً. قال: فإني أقاتلك قال: وإن قاتلتني. قال: أفخارج أنت مما دخلت فيه الأمة؟ قال: أما من البيعة فأنا خارج. فرماه بسهم فقتله.
الثانية عن ميمون بن مهران، وتفيد أن سعد بن عبادة رمي في حمام بالشام فقتل. ولا تزيد عليه شيئاً.
الثالثة عن ابن سيرين وفيها أن سعد بن عبادة رمي بسهم فمات فبكته الجن فقالت:
وقتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة
ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده
ـ رواية في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد[4] تقول أن سعد ابن عبادة خرج إلى حوران فمات بها. واستطرد: فقيل قتلته الجن لأنه بال قائماً في الصحراء ليلاً. ثم أورد البيتين المنسوبين إلى الجن في نص مطابق لنص ابن عساكر. لكن ابن أبي الحديد يعود فينقل رواية تقول أن أمير الشام يومئذ أكمن له من رماه ليلاً وهو خارج إلى الصحراء بسهمين فقتله لخروجه عن طاعة الإمام، أي الخليفة. وأردف هذه الرواية بأبيات قال إنها لبعض المتأخرين تضمنت إشارات صريحة عن ملابسات مقتل ابن عبادة سنرويها للقراء بعد قليل.
تتفق هذه الروايات في جملتها على أن سعد بن عبادة مات ميتة غامضة.ويمكننا أن نستبعد منها الرواية التي تقول أنه قتل مباشرة بأمر عمر بن الخطاب، لأنه قتل زعيم الخزرج وقائد الأنصار وأحد نقباء بيعة العقبة على المكشوف تهور لا يقدم عليه سياسي محنك كعمر بن الخطاب. ولعله كان سيثير فتنة تعيد إلى ذاكرة الخليفة أحداث الردة القريبة. ولا مفر بالتالي من قبول الروايات التي تحدثت عن الاغتيال. ومما يلفت النظر هنا دور الجن في العملية وتفسيره بأن سعد بال قائماً. والتبول قياماً مكروه في الشريعة، وهو مكروه طبعاً لأسباب تتعلق بالنظافة، لكن ارتكابه كمحظور ديني قد يكون سبباً في التعرض لعقوبة خفية، مما يمكن أن يكون قد جرى توظيفه هنا لإعطاء سبب غيبي للموت. والوعي الديني لا يستكثر مثل هذا الإسراف في العقوبة، المتضمن في قتل قائد إسلامي كبير سلفت له أيادي جليلة على الإسلام بسبب مخالفة بسيطة. أما قتله على يد الجن فيفهم منه أن هؤلاء الجن كانوا من المسلمين ـ والجن والإنس فيهم المسلم وفيهم الكافر ـ وأنهم تولوا قتل الصحابي غيرة على الدين لأنه خالف الشرع بتبوله قائماً. هذا مع ما في القول بأن سعد بال قائماً فقتلته الجن، أو مات ميتة خفية من تصغير لشأنه في عيون المؤمنين.
نأتي الآن إلى الأبيات التي أوردها ابن أبي الحديد لبعض المتأخرين وهذا نصها:
يقولون سعد شكّت الجن قلبه
ألا ربما صححت دينك بالغدر
وما ذنب سعد أنه بال قائماً
ولكن سعداً لم يبايع أبا بكر
وقد صبرت عن لذة العيش أنفس
وما صبرت عن لذة النهي والأمر
إن قائل هذا الشعر لم يستوعب كيف يصح للجن أن تقتل رجلاً كسعد بن عبادة لمجرد أنه بال قائماً، وهو بالتالي يضع الحادث على ملاك الغدر ـ الاغتيال، مصرحاً بالسبب وهو موقف سعد من خلافة قريش متمثلاً في رفضه مبايعة أبو بكر. وقد عزز الشاعر استنتاجه بالكلام عن شدة إغراء السلطة، الذي يضعف أمامه حتى الزهاد القادرين على ترويض أنفسهم للصبر عن متع الحياة. ومن الواضح أنه يلمح بذلك إلى عمر وأبو بكر اللذين عرفا بالزهد وبساطة العيش قبل الخلافة وفي أثنائها.
هذه الأبيات تعطي تفسيراً يمكن أن يكون سليماً لمجمل ما حدث بشأن سعد بن عبادة. وقائلها قريب العهد بالحادث. وهي من جهتها شاهد على وعي سياسي قادر على أن يخرق حجاب العقائد الشعبية ليطل منها على أسرار السياسة.
ونحن نميل إلى القبول بهذا التفسير ونعتقد أن اغتيال سعد تم بتدبير من عمر بن الخطاب وأن الباعث عليه هو إصراره على عدم الإقرار بخلافة قريش وإباؤه أن يبايع للخليفتين حتى بعد أن بايع الهاشميون بصدارة علي بن أبي طالب، صاحب الحق الأكثر رجحاناً من سعد في خلافة محمد.ومع أن عمر لم يكن ليجهل أن زعيم الخزرج غير قادر على تغيير مجرى الخلافة فمن المحتمل أنه كان يخشى من تأثيره على الأنصار، وربما على غيرهم من المسلمين. وهناك ما يشير إلى أن نواياه المعادية للخليفتين قد تجاوزت الأنصار فعلاً. وقد اتضحت هذه الحقيقة في وقت لاحق حين انضم ولده قيس، الذي ورث الكثير من سجايا والده، إلى علي بن أبي طالب وكان من أشد أنصاره حماساً ضد الأمويين إلى حد أنه امتنع عن مبايعة معاوية بن أبي سفيان بعد انتزاعه الخلافة من الحسن بن علي حتى بعد أن بايعه الحسن نفسه...
إن مصرع سعد بن عبادة هو أول حدث من نوعه في تاريخ الإسلام يقتل فيه مسلم على يد رفاقه أنفسهم، وهذا الحديث يجري من جهته على سنن شائعة في الحركات السياسية المسلحة بعد انتصارها. فهذه الحركات قلما تخلو بعد وصولها إلى السلطة من مصائر مأساوية يذهب ضحيتها بعض قادتها الذين يشاء سوء حظهم أن لا يتمتعوا بثمار انتصارهم.
اغتيال عمر بن الخطاب:
اغتيل عمر بن الخطاب على يد فيروز الديلمي المكنى أبو لؤلؤة. وكان عبداً للمغيرة بن شعبة الثقفي. وقد جرى اغتياله وهو يؤدي صلاة الصبح. وكانت العملية سهلة لم تتطلب خطة معقدة كالتي اضطر إليها المسلمون لتنفيذ الاغتيالات التي أمر بها النبي. وسبب هذا أن عمر كان بلا حرس لأنه، شأن صاحبيه أبو بكر وعلي، لم يكن يرتاح لمظاهر السلطة ويعتبرها من قبيل أعمال كسرى وقيصر ـ طغاة ذلك الزمان في عيون العرب. وقد دخل أبو لؤلؤة مع جمهور المصلين إلى المسجد رغم أنه لم يكن مسلماً، دون أن يعترض عليه أحد. وكان يخفي خنجراً له رأسان فلما تقدم عمر صفوف المصلين اتجاه إليه أبو لؤلؤة وطعنه ست طعنات، أو ثلاث بحسب اختلاف الروايات، كانت إحداها تحت سرته وهي التي قتلته. ويستدل من ذلك أنه لم يطعنه من الخلف وإنما دغره من الأمام، مما يدل في حد ذاته على سهولة العملية، الناتجة كما قلنا من انعدام مظاهر السلطة في أيام عمر.
من هو قاتل عمر؟ وأية حاجة طمنها رحيله؟
المعروف أن الباعث على اغتيال عمر كان هو الانتقام لهزيمة الفرس وانهيار امبراطوريتهم. وهو ما حرك أبو لؤلؤة للقيام بهذه المغامرة. ويذكر عن هذا الفدائي المجوسي أنه كان يقول: أكل عمر كبدي. ولعله كان يقولها حقاَ، إذا لم نشأ أن نتجاهل رد الفعل الطبيعي الناتج عن الأحاسيس القومية.
08-أيار-2021
24-حزيران-2006 | |
01-أيار-2006 | |
23-نيسان-2006 | |
08-نيسان-2006 | |
08-نيسان-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |