من الفساد الثقافي إلى الإفساد الثقافي
2006-04-08
مراكز ثقافية بإدارة رؤساء البلديات، وإقصاء وزارة الثقافة عن إدارة المراكز الثقافية كان قرارا عشوائيا.
رسائل إلى القيادة السياسية عن طريق أحد رواد الثقافة.
حين صادفته في المرة الأولى يتكلم بعد انتهاء تلك المحاضرة، توقعت أن النشاط الثقافي يتضمن فقرة مسرحية تتعلق برسالة يوجهها هذا الشخص إلى القيادة السياسية فحواها الصمود والتصدي وكشف المؤامرة القادمة على المنطقة.
وأن جدران القومية العربية تكسر كل الخيانات والصدامات الحضارية. لكن رئيس الجلسة أصر على مقاطعته، فقام ذلك العجوز بتقديم الورقة التي خط رسالته عليها إلى الأستاذ المحاضر راجياً أن يوصلها لغايتها (القيادة السياسية).
بعد دقائق من انتهاء الحوار الذي دار عقب انتهاء النشاط سألت مسؤولة النشاط الثقافي في المركز الثقافي عن اسم ذلك العجوز فقالت أن يدعى "و - ج" ويزعم أنه متقاعد برتبة عميد أو أكثر وأنه عاصر جمال عبد الناصر وستالين وغيرهم كثير. وعمره تجاوز الثمانين.
إذاً القصة حقيقية، ويمكن إضافتها لتراجيديا الحياة العامة التي نعيشها وسوف تتحول هذه التراجيديا إلى كوميديا حين أعرف أن "و – ج" قد حاول خطبة الآنسة س والفارق بينهما فقط 50 سنة. و يبدو أنه مقتنع حتى هذه اللحظة أنها تفكر بالأمر، مع العلم أن الآنسة س من الجميلات والمتعلمات والمثقفات أيضاً. لكنها لم تقدر أن الأخ أرمل منذ أكثر من أربعين عاماً.
مضى على تلك الحادثة سبع سنوات، وبعد تلك المحاضرة تعودت مشاهدته في الكثير من الندوات والنشاطات الثقافية التي تقيمها المراكز الثقافية في دمشق وفي كل مرة كان يكرر الرسالة ذاتها ولكن لأشخاص مختلفين.. يكونون قد تصدوا لمهمة تقديم محاضرة أو ندوة.
ويمكن أن نضيف لهاذ المشهد المنتمي جذراً للحياة وتخصيصاً للحياة الثقافية السورية داخل المراكز الثقافية، نضيف قصص عدة شخصيات نسائية، إحداهن مثلاً معجبة بالإعلامية نهلة السوسو، وطلبت مني مرة أن أصور الإعلامية السوسو وفعلت ذلك عن طيب خاطر وأهديتها في لقاء لاحق تلك الصورة. وحين حضرت الفنانة أمل عرفة نشاطاً ثقافياً يخص والدها سهيل عرفة أمضت تلك المرأة جل وقتها وهي ترسل عبارات الإعجاب والإطراء للفنانة إلى درجة أحرجت الفنانة وأحرجتنا نحن الذين جاورناها في المقعد.
وامرأة أخرى (متقاعدة من التعليم) يمكن أن تحضر ثلاث نشاطات ثقافية في يوم واحد، وتجدها ملهوفة ومنزعجة. إذا تأخرت عن موعد محاضرة ما، وإذا سألتها عن سر اهتماماتها هذه تقول لك (أفضل من الحكي على العالم) أو (أفضل من الثرثرة). وتبين لي لاحقاً أنها مهووسة بمتابعة مشاهدة نفسها في التلفزيون. بعد أن يكون قد رصد ذلك النشاط أو غيره ثم يعرضه ضمن الأخبار الثقافية.
ويمكن إكمال هذه التفاصيل بصعوبة الحصول على كأس ماء لأي متابع فهذا صعب المنال لأن الموظف المناوب ستجده عابساً ومقطباً. في وجهك ويمكن أن يدلك بغضب على مكان البراد.
وفي المراكز ذاتها ستجد الكل متفق على ضرورة متابعة الإعلام المحلي لما يحدث ثقافياً، ولكن إذا اضطر الصحفي لطلب تصوير محاضرة ما، سيلجأ إلى أكثر من واسطة ورجاء ليحصل على ما يريد. هذا إذا كانت غرفة التصوير مفتوحة، وذلك الموظف موجود.
ببساطة شديدة تدار الثقافة رسمياً في هذا البلد الصامد (سورية) كما تدار أي مؤسسة للخضار والفواكه.
فأي شخص يمكن أن يكون مديراً لأي مركز ثقافي، لا تهم طبيعة الشهادة الجامعية ولا يهم مسألة اهتمامه بالثقافة. لا سيما أن آليات التعيين خاضعة للروتين ذاته، للتعيين في أي مؤسسة في الدولة.
إذا كان وجود وزارة الإدارة المحلية، إدارة المراكز الثقافية فقط ألغوها. لكن لا تلغوا الثقافة من أجل كرسي وزير.
دون أن ننسى أن الآلية المتحكمة بالعمل الثقافي تخضع إدارياً للمرحلة الثانية من قانون الإدارة المحلية الذي طبق على وزارة الثقافة، وذلك منذ عام 1986 وقضى القانون بنقل صلاحيات وزارة الثقافة إلى مجالس المدن في المحافظات وهذا منح السادة المحافظون الإشراف الكامل على المراكز ونشاطاتها ونقلت هذه الصلاحيات أيضاً إلى رؤساء مجالس المدن، والمعروف أن اهتمامات مجالس المدن في الثقافة تقع في المرتبة الرابعة أو الخامسة، والموازنات الجارية للثقافة تناقش في وزارة الإدارة المحلية، وتشارك وزارة الثقافة بممثل لها يشرف على عملية التوزيع، وليس لوزارة الثقافة أي دور في تحديد المبالغ لأنشطة المراكز الثقافية.
و كثيراً ما طالب المعنيون في وزارة الثقافة من رئاسة الحكومة بالعودة عن تطبيق المرحلة الثانية من قانون الإدارة المحلية، ولكن لا حياة لمن تنادي.
ويمكن أن يكون رئيس مجلس بلدة أو مدينة حاملاً للشهادة الثانوية بينما يكون مدير المركز جامعياً أو حاملاً لشهادة الدكتوراه. وإدارياً يعتبر رئيس البلدية أن مدير المركز الثقافي أحد عناصره، مثله مثل المحاسب أو أي موظف في البلدية، كما أن لجان المشتريات الخاصة بالمراكز تشكل بالبلديات وقد يقوم رئيس بلدية ما بالاتفاق مع المحاسب لشراء مجموعة كتب من تاجر، ويقدمها للمركز الثقافي ويقول لمديره: هذا ما اشتريناه لكم؟ كما أن المركز الثقافية تُعار من قبل السادة المحافظين إلى مديريات التموين أو إلى شعب التجنيد، عدا عن استخدام قاعاتها من قبل المنظمات الشعبية مثل الاتحاد النسائي والشبيبة والطلائع والحزب.
وصار أحدث المراكز الثقافية من اختصاص السادة المحافظين والمكاتب التنفيذية. وغالباً ما توافق الوزرة على الأحداث بطريقة روتينية. ومن المفيد أن نذكر أن هناك (150) مركزا ثقافيا بدون ملاك ولا يوجد فيها أي موظف. وفي عام 2003 طلبت وزارة الثقافة تعيين (1485) موظف لتغطية حاجات هذه المراكز فوافقت وزارة المالية بعد أخذ ورد وبكاء ونحيب على (475) وظيفة فقط.
يعممون الأمية
يعتقد الإعلامي والناقد عبد الرحمن حلبي أن تعدد المراكز الثقافية في أحياء العاصمة وفي المحافظات مسألة حضارية وهي ذات فوائد ثقافية جمة إذا ما استخدمت لهذه الرسالة. إلا أن التطبيق العملي الراهن لمعظم هذه المراكز يشي بأنها تعمم الأمية عن حسن نية وتغلق الأبواب دون الثقافة، عن عدم خبرة بها. فهي تقدم السطح الساكن دون العمق الفاعل. وتقدم الكم العددي على حساب الكيف النوعي، ولهذا يعتلي ذؤابات منابرها أميون ثقافيون، ليس لديهم ما يقولون سوى الثرثرة الفارغة من أي مضمون ومن أي مستوى فني. حتى أن بعضهم يستخدم المعرفة الشخصية ببعض القائمين عليها، أو يلجأ إلى استخدام الواسطة بغية اعتماده في محاضرة أو أمسية أو معرض. لهذا يبدو دليل البرنامج الشهري لهذه المراكز ينوء بكم من المحاضرين وأصحاب الأماسي والمعارض على مدى الأيام كلها بما فيها أيام شهري حزيران وتموز، ونجد أن أكثرهم يصعد المنبر يقول ويدبج حتى ولو لم يكن في القاعة سوى زوجته وولده وجاره، وبهذا تنأى هذه المراكز عن تأدية الرسالة الثقافية التي يفترض أنها منوطة بها. وتجعل المتلقي يغادرها خالي الوفاض إلا من السأم والملل.
ويعتقد د. عبده عبود أن الجمهور سئم النشاطات ذات الطابع التقليدي في الإلقاء وأخذ يفضل عليها أشكالاً ذات بنية حوارية تفسح له قدراً أكبر من المشاركة وفرص التعبير. ويذكر عبود أن هذه الفعاليات لا تدور حول مواضيع تهم الجمهور وتلامس اهتماماته بصورة جوهرية، لذا فهو لا يرى ضرورة لأن يحضرها لاسيما أن برامج مراكزنا الثقافية لا تقوم على دراسة اهتمامات الجمهور وحاجاته الثقافية، بل تقوم على حاجة المحاضرين والأدباء إلى تقديم نتاجاتهم للجمهور دون أخذ حاجات ذلك الجمهور في الحسبان. و من المعروف أن لكل نشاط ثقافي مجموعة مستهدفة ومراكزنا لا تفكر في المجموعة المستهدفة التي يتوجه إليها النشاط بقدر ما تفكر في ملء برامجها الشهرية.
تعويض قيمته فرنكات
أذكر أن الأديب وليد معماري زار سلمية مرة وشارك بنشاط ثقافي، ويبدو أن قيمة المكافأة التي حصل عليها من مدير المركز جعلته يميل من ثقل المبلغ، طبعاً سوف يخجل الإنسان من قيمة المبلغ بالقياس إلى الجهد والتعب.
على سبيل التذكير منذ عامين أسكن في صحنايا ولم أسمع بأي نشاط ثقافي في مركزها الثقافي بينما يقيم ثقافي أشرفية صحنايا نشاطاً أسبوعياً مع العلم أن المسافة التي تفصل البلديتين عن بعضهما هي أقل من 4 كم.
للتاريخ فقط
حتى لا ننسى تلك الشموع التي تقدم جهودها في إدارات بعض المراكز نقول أن ثمة أسماء مهمة استلمت هذه المواقع وهي تقدم الكثير لهذه المراكز. ما زالت نشاطات الأديب رفعت عطفة في البال وهو الذي خسرناه وكسبه المركز الثقافي العربي السوري في اسبانيا.
على شكل خاتمة
ما زال السيد (و – ج) يجهز رسائله للقيادة السياسية طالباً منها الصمود والتصدي وكشف المؤامرات. وما زالت تلك المتقاعدة مواظبة على حضور معظم نشاطات المراكز الثقافية.
ورغم كل اليأس المحيط بالثقافة في هذا البلد فإن الأمل يغزو نفوسنا بالتغيير والإصلاح الثقافي (على الأقل).
08-أيار-2021
18-نيسان-2011 | |
06-أيار-2006 | |
23-نيسان-2006 | |
08-نيسان-2006 | |
08-نيسان-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |