وماذا يهم بعد انهيار الروح؟
خاص ألف
2006-04-23
من انهيار سد زيزون إلى غرق العبارة المصرية محاولة لتلمس الأسباب وموطن الداء...
لماذ أصبح الضمير سلعة رخيصة في بلادنا؟
هل ثمة رابط أو علاقة بين حال البؤس والانحطاط الذي وصلت إليه مجتمعاتنا العربية، وبين التراجع الثقافي وتدني مستواها العام، وانحسار الفئات المهتمة بها مع انحدار المعايير القيمية والأخلاقية العامة للمجتمع؟ الأحداث الكارثية التي شهدتها مصر والبحرين أخيراً، بغرق العبارتين اللتين أودتا بحياة أكثر من 1000 شخص غرقاً في البحر، وقبلهما حريق قصر الثقافة في مدينة بني سويف المصرية، الذي لقي فيه نحو 50 خريجاً من المسرحيين المصريين الشباب حتفهم خرقاً، أعادت تذكيرنا، نحن السوريين، بانهيار سد زيزون، والضحايا البشرية والأضرار المادية التي نجمت عنه وتسبب بها. تلك الكوارث وغيرها من الأهوال تجري في العراق والسودان والصومال .... إلخ، وتوالي الهزائم والانتكاسات في عالمنا العربي، وما أصابه من عجز ووهن وركود، وقلة حيلته على الفعل وإنعدام فاعليته في مواجهة المخاطر والتحديات، طرحت على بساط البحث، التفكير مالياً في الأسباب والعوامل التي تقف وراء تلك الكوارث والهزائم الملاحقة، والعلاقة، المباشرة، التي يكمن أن تربط بينها وبين بعض الظواهر والأمراض الاجتماعية المنتشرة في مجتمعانتا، مثل تفشي الفساد وإتقان كل أساليب النصب والاحتيال، في كل موقع وأنى توجهت، ونهب المال العام واسع النطاق، وقلة الضمير أو تحوله إلى سلعة رخيصة، تباع وتشرى بأبخس الأثمان، شيوع ثقافة الإهمال واللامبالاة، وثقافة النفاق والمجاملة الكاذبة والمضللة، عدم احترام العمل أو الالتزام به والإخلاص إليه، عدم التقيد بالأنظمة والقوانين المرعية ( نظام المرور مثلاً ) انعدام أو اضمحلال الإحساس بالمسؤولية (خصوصاً تجاه القضايا العامة)، عدم إيلاء الاهتمام بالنظافة، خاصة ما تعلق منها بالمرافق العامة؛ شوارع، أرصفة، حدائق، مستشفيات، أماكن السكن الجماعي (مثل المدن الجامعية للطلاب..)، أي نظافة مدننا وأحيائنا.. وهناك الكثير من الأمثلة والعبارات الشائعة والمتداولة، التي تشير وتدلل على ما ذهبنا إليه، من قبيل (ماشي الحال!، بدل ما تدقق ....الخ ).
لكن ما أوردناه آنفاً، يبقى كلاماً توصيفيناً عاماً، لا يقدم ولا يؤخر، وقد يرضى الجميع لأنه يبتعد عن تحديد المسؤولية، ولا يضع إصبعه على مواطن الخلل والداء تماماً.
كيف؟
يمكن لأي مراقب حتى لو كان حيادياً، أن يلحظ بوضوح اقتران تفشي الفساد والإفساد في الدولة والمجتمع، مع انحسار واضمحلال الاهتمام بالثقافة ومنظومة القيم والمبادئ الأخلاقية والسلوكية التي يفترض أن يكون معمولاً بها، غير أن المفيد أكثر هو توجيه وتركيز الاهتمام بالآليات السياسية والقانونية والثقافية المعمول بها، والمولدة للظاهرتين معاً، ومن ثم التأثير المتبادل بين الظاهرتين، فالفساد مثلاً يؤدي إلى المزيد من التراجع والتشوه في منظومة القيم والأخلاق وهذا التراجع والتشوه يقوم بدوره إلى مزيد من الفساد والإفساد إذ أنه ييسر سُبله، ويعمل على تبريره وتسويفه بشتى الحجج والأعذار!. ثم أننا لا نستطيع أن نكافح ونحارب الفساد حقاً، ونضع حداً لاستباحة أموال الدولة واغتصاب حقوق المواطن، أو عدم الاكتراث بها، في وقت يجري فيه العمل المستمر منذ عقود، بقانون الطوارئ وإلغاء الحريات العامة، وهو ما يشكل في رأي جميع علماء الاجتماع والمحللين، وفي التجربة العيانية أيضاً، البيئة الأنسب والأخصب لنمو الفساد وانتشاره السرطاني في جميع مفاصل الدولة والإدارات والمؤسسات العامة، وفي المجتمع، في نهاية المطاف. الأمر الذي يخلع على المسؤول، في أي موقع سياسي أو عسكري أو أمني، قوة وحصانة، حقيقية كانت أم مزيفة، تجعله في منأى من المساءلة وفوق تطبيق القانون، أفلا يكفي أن يخاف منه الناس ولا يتجرأون على مساءلته أو الوقوف في وجهه، ناهيك عن شتى ضروب التذلل والنفاق والمداهنة؟!.
في ظل ذلك، تقوم الدولة على سبيل المثال، بإغلاق صحيفة، لأنها نشرت ملفاً عن فساد أحد المحافظين، ويُهدد صحافي بالمحاكمة وإمكان تعرضه للسجن والغرامة، لأنه تجرأ وتكلم عن فساد محتمل لمدير مؤسسة ما، وهكذا وهلم جرا... في وقت لا تكف فيه وسائل الإعلام الحكومية عن الحديث المتكرر، الذي بات مملاً ومضجراً عن محاربة الفساد والمفسدين، وكأن الفساد مجرد شبح لا تعيين أو تجسيد له، يحوم فوق رؤوس الجميع من دون أن يلامس أحداً منهم.
وفي ظل ذلك أيضاً، يجري السكوت المطبق ومنع أي كلام عن فساد مروع لمسؤول كبير في الدولة مادام هو في موقع مسؤولية، أو في موقع السكوت عن سياسات الدولة ومواقفها، ولا يجري تسليط الضوء على فساده، لنكتشف أنه "قاطع السبعة وذمتها"! إلا بعد مغادرته لموقع "المولاة" إلى "المعارضة" عندها ينتقل بقدرة قادر، وبين ليلة وضحاها، من خانة "الوطني الكبير المنافح ضد الإمبريالية والغيور على بلده ووطنه" إلى صنف "الخونة والجواسيس". وكأن فساده وتراكم نهبه السابقين لا علاقة لهما بالوطن وبمصلحة البلد الذي كان يعيش فيه؟!.
وعلى هذا النحو، يجري التسامح مع، أو تشجيع، من ينهب الملايين والمليارات، في حين يواجه بالسجن وبأشد العقوبات كل من تسول له نفسه النقد أو التعبير عن رأيه حيال الأخطاء والممارسات المنحرفة!.
هل يمكن محاربة الفساد والحد منه، ما دامت ثقافة الخوف والنفاق وتبرير الأخطاء والمسلكيات المنحطة هي الطاغية والمهيمنة (بدءا من تبرير الرشوة ورمي القاذورات في الشارع وانتهاء بعدم القدرة على فضح الآلية التي قادت وتقود إلى فساد المسؤولين) فإذا كانت المؤسسات الإعلامية والثقافية تخضع لإشراف وتعاليم الأجهزة السلطوية والأمنية، التي شعارها الأمن أولاً وثانياً وثالثاً، والولاء قبل الكفاءة، والطاعة قبل النقد، فكيف لها أن تحارب الفساد؟!.
لا ريب أن ثمة مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الفرد والمجتمع بكل تأكيد، فالنفس البشرية "أمّارة بالسوء" ونزاعة نحو تبرير الأخطاء وازدواجية الوجوه والممارسات، ومختلف الشذوذات، وهنا تكمن المعضلة، أو مربط الفرس كما يقال، فالآليات القائمة، والقوانين المرعية المعمول بها، والثقافة السائدة، إما أنها لتشجع على الانحراف والفساد والنفاق وتسويفها جميعاً، أو أنها تتكفل بالحد منها، ومعاقبة من يقوم بها أو ردعه، أياً كان موقعه ومسؤولياته.
هنا تكمن، على سبيل المثال، أهمية الإعلام المستقل والصحافة الحرة، التي بمقدورها فضح الأخطاء وحالات الفساد، من خلال قدرتها على كشفها دونما خوف أو تهيب، وهنا تكمن أهمية وجود أحزاب معارضة سياسية "تتربص" بالحكومة القائمة وبأي أخطاء تقع فيها، حتى لو كان ذلك لغايات إنتخابية محضة!
فالحكومات يمكنها وتستطيع أن تؤثر على الثقافة والقيم، سلباً أو إيجاباً، من خلال دورها القيادي، الذي يقدم الأنموذج والقدوة في السلوك والتصرف.
فكيف لنا أن نطالب الشخص العادي بالتقيد بنظام المرور، مثلاً، إذا كان يرى بأم عينه كيف أن الشخص المسؤول يخرق ذلك؟!.
بعد غرق "العبارة المصرية" أجري تحقيق صحافي حول الحادث نشر في ملحق صحيفة الشرق الأوسط "المنتدى الثقافي" في 8/3/2006.
في هذا التحقيق قال الأكاديمي المصري المعروف ميلاد حنا أن ثقافة الإهمال جزء من الثقافة المصرية (....) كرس ذلك عدم وجود عائد مادي أو معنوي لثقافة الإتقان، فمن يحصل على مكاسب أكثر هو المنافق، فثقافة النفاق هي التي أوصلت كثيرين لأماكن متقدمة، وأغلب الموجودين على الساحة المصرية من وزراء ومحافظين وأستاذة جامعات هم جمهور من المثقفين المنافقين.
وفي التحقيق ذاته كشف الكاتب السيد ياسين أن صاحب العبارة التي غرقت عضو في مجلس الشورى المصري، وطالب بفك الارتباط بين المال والسلطة. ورأى حسن فتح الباب أن "حقيقة التراجع الحضاري هي المسؤولة فالعرب محكومون بمعظمهم من حكام شعارهم "أنا ومن بعدي الطوفان".
والحال، إن الطريقة التي تعامل بها السلطات العربية الإنسان عندها أشبه بالأبوين الذين يربيان طفلهما على الضرب فقط وأوامر النهي والصدّ غير المفهوم وغير المبرر، في سبيل تهيئته ليصبح إنساناً مدجناً، لا يسأل، لا يرفض، لا يرغب...الخ. ذلك كله ساهم بخلق أجيال لا تملك فرصة للعمل والحياة، ولا وسيلة للتعبير عن نفسها، وساهم بتوليد مجتمع مسحوق لا يشعر أفراده إلا بالدونية، مما يدفعهم لإيجاد كل مبررات ومسوغات الوصولية والانتهازية، واللجوء إلى شتى صنوف التزلف والتذلل وتمسيح الجوخ، وإتباع شتى سبل التحايل والغش والكذب والسرقة والطرق اللا أخلاقية.. هكذا غدا مجتمعنا بلا عقل وبلا ضمير.. كل الفرص فيه مهيأة للكوارث والهزائم و..
إلا إذا تدخلت العناية الإلهية فحسب؟!.
08-أيار-2021
24-حزيران-2006 | |
22-أيار-2006 | |
23-نيسان-2006 | |
09-نيسان-2006 | |
08-نيسان-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |