فتاوى وفتاوى مضادة .. فبأيها نأخذ ونهتدي ؟!!
خاص ألف
2006-06-24
شهدت الآونة الأخيرة إطلاق مجموعة من الفتاوى والفتاوى المضادة، شغلت المهتمين واحتلت حيزا بارزا في العديد من الصحف العربية، مثيرة الكثير من الجدل واللغط وردود الفعل، بين مؤيد ومعارض . كان أبرزها وأكثرها إثارة تلك التي أدلى بها الشيخ حسن الترابي، أحد أبرز قادة الحركة الإسلامية العالمية وأدت " بهيئة علماء السودان ‘لى " استتابته واعتباره " مارقا زنديقا". لكن قبل التطرق إلى فتاوى الترابي، يجدر بنا التوقف أولا عند الفتوى التي أطلقها مفتي الديار المصرية د. علي جمعة ، وقضى بها بتحريم التماثيل والمنحوتات. معيدة إلى أذهان الجميع ما قامت به حركة طالبان إبان حكمها لأفغانستان عندما قامت بدك وهدم تمثال بوذا المنحوت على الصخر، وما أعقب فعلتها هذه من استهجان واستنكار عالميين. وقد وجدت الفتوى المصرية بالفعل، استجابة سريعة لها، كانت بطلتها امرأة منقبة دخلت متحف حسن حشمت وهي تحمل مطرقة انقضّت بها على بعض تماثيله وهي تصرخ ملء عقيرتها : " حرام يا كفرة " ( دلال البزري صحيفة الحياة في 21 / 5 / 2006) .
وحفلت هذه الفتوى بكثير من الدلالات والمغازي فهي صدرت عن شخص رأى فيه المصريين نموذجا لـ " العتدال والتفتح والاستنارة" وأحالت بعض آخر إلى مفارقة مؤلمة بالمقارنة مع ما أفتى به محمد عبده ، قبل نحو مائة عام حيث أباح النحت والتماثيل ، من منطلق أن الواقع لتحريمها انقضى بالقضاء على عبادة الأصنام والتشبه بالخالق.
وقد وصفت الفتوى ب " الكارثة والطالبانية " وبأنها بمثابة "انقلاب على عصر التنوير الذي قادته فتاوى منفتحة على العالم والعصر. " كما قال الروائي جمال الغيطاني . وذكرت آخرين بعصور الظلام في القرون الوسطى كما جاء على لسان الفنان والناقد التشكيلي المصري عز الدين نجيب ، صاحب كتاب " فجر التصوير المصري الحديث "
ولاحظت بعض الانتقادات المحتجة على الفتوى بأن الأصوات المنادية بتحطيم التماثيل في البلاد والشعوب الإسلامية على مدار تاريخها ، علَت غالبا في الفترات الحالكة من التاريخ ( عندما تنكمش التجارة وينهار الاقتصاد وتضمحل الثقافة ) وعليه اعتبرت الفتوى " علامة من علامات المحنة العميقة التي يمر بها المجتمع المصري في الوقت الحالي " خالد فهمي " القاهرة" عدد 320 في 30 / 5 / 2006 )
وكان لافتا للانتباه تزامن الفتوى مع مشروعات قوانين مشددة أقرها البرلمان المصري طاولت العقوبات المتعلقة بالإساءة للأنبياء و ازدراء الأديان، والتي يمكن أن تحد أو تمنع أي نقد لما يتعلق بالدين أو يتدثر بعباءة "المقدس" تحت زعم أنه يشكل " تعديا أو استهزاء أو سخرية" بالدين ، حتى لو كان ذلك بالتلميح أو بالإشارة ! ما يضع جميع المثقفين التنويريين أمام مصير حالك قد يتهددهم مع عملية " تمدد المقدس واتساع رقعة المحرمات في المجتمع والثقافة ، المصاحب لموجة مد تيار الإسلام السياسي في المجتمعات والساحات السياسية العربية " حيث يزداد ويتصاعد الإنغلاق بدلا من الانفتاح ، والإتباع والتقليد عوضا عن الإبداع والتجديد، ويزدهر القتل والذبح لأتفه الأسباب بديلا من منح المزيد من أسباب وفرص الحياة .!
ثورة الترابي
أما الشيخ الترابي وعلى النقيض من فتوى جمعة ، فقد رأى "أن لا مانع من أن تؤول رئاسة السودان إلى مسيحي أو امرأة طالما كان من يتسلم المنصب عادلا ونزيها " ( صحف 7/ 6 / 2006 ) . وعلى رغم أن دستور السودان ينص على أن " المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات ولم ينص على أن يكون رئيس الدولة مسلما ، فقد سارع مسؤول في "هيئة علماء السودان " إلى المطالبة ب " استتابة الترابي " واعتباره " مارقا وزنديقا" لأنه " يحاول أن يجذب الأضواء عليه بإثارة قضايا تخالف الشرع الإسلامي ولا تستند إلى نصوص دينية صريحة " على حد تعبير ذلك المسؤول .
غير أن الترابي اعتبر أن "الشريعة حرفت عن معناها الحقيقي" وهي في منظوره تعطينا الحرية في أن نكون مسلمين أو أن نصبح غير مسلمين فالله ، كما قال : " لم يرسل ملائكته ليفرضوا علينا أي شيء " .
وكان الترابي قد أجاز زواج المرأة المسلمة من المسيحي أو اليهودي ، وقال في ندوة حول دور المرأة في تأسيس الحكم الراشد أن من حق المرأة المسلمة أن تؤم الرجال وتتقدم الصفوف " إذا كانت أكثر علما وفقها من الرجال " واستشهد بالنبي محمد الذي سمح لإحدى الصحابيات العالمات ، أن تؤم أهل بيتها في الصلاة ، بمن فيهم الرجال . وضرب مثلا بالسيدة عائشة التي كانت أكثر فقها وعلما من الرجال .
وأجاز الترابي كذلك الصلاة المختلطة بين الرجال والنساء " شريطة التباعد وعدم الاحتكاك" وأكد أن شهادة المرأة تساوي شهادة الرجل تماما وتوازيه ، نافيا أن شهادة امرأتين تساوي شهادة رجل واحد ، كما هو شائع ومعمول به في بعض البلدان، ومعتبرا أن ذلك ليس من الدين أو الإسلام ، بل هو مجرد تدليس وأوهام أريد بها " تغييب وسجن العقول في الأفكار الظلامية"
وتحدى من يثبت صحتها، أو أن يأتي بما يؤكدها من الكتاب أو السنة .
ونبه الترابي إلى أن قوامة الرجال على النساء ليست في كل الأمور ، بل تتعلق بالأمور الخاصة التي ليست من اختصاص المرأة " ولا تعني الأفضلية المطلقة للرجال على النساء " مشددا على أن " هناك نساء أفضل وأفقه وأعلم من الرجال ".
وفيما خص " حجاب النساء" اعتبر الترابي أنه يعني" تغطية الصدر وجزءا من محاسن المرأة ولا يعني تكميم النساء " وأضاف أن آيات الحجاب جاءت بخصوص نساء النبي محمد ، ونزلت بمعنى " الستار الذي يفصل بينهن وبين ضيوف الرسول من الصحابة وغيرهم "وليس بالمعنى الذي يأخذ به كثير من المفسرين الفقهاء ، داعيا المرأة إلى اقتحام مجالات العمل السياسي و الإبداعي والفكري والرياضي ، وأخذ حقوقها كاملة ، والمساهمة في وضع الاستراتجيات والتشريعات التي تكفل تلك الحقوق .
أراء وفتاوى الترابي هذه ليست جديدة ، بل هي قديمة ومنشورة في كتبه ، منذ نحو ثلاثة عقود، ومع ذلك انبرى كثيرون للرد عليها الآن وليس من ذي قبل ، وصدرت بحقه فتاوى تكفير واستتابة كان المبادر الأول لها " الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة " وهي تجمع سلفيي سوداني ذهبت على اعتبار الترابي " داعية إلى غير الدين الإسلامي " ومنهم من كان موقفه أقل حدة فاكتفى بالقول " أن فتاوى الترابي باطلة لأنها اجتهاد في مقابل النصوص وهذا مرفوض " مثلما عبر أحد قادة جماعة " أنصار السنة المحمدية السلفبة " في السودان. بيد أن الشيخ الترابي وصف الآراء والانتقادات التي وجهت له بأشد العبارات وأقساها " أنها تخرصات وأباطيل لا أساس لها من الدين ، ولا تقوم على إسناد من الشرع الحنيف ، وليست إلا مجرد أوهام وتضليل، وتحنيط وخدع للعقول ، الإسلام منها براء " منوها بأن حرمة زواج المرأة المسلمة مثلا ارتبطت بالحرب والقتال بين المسليمن وغيرهم ، وهي تزول بزوال السبب.
إسقاطات سياسية
وكان ثمة ردود فعل من طبيعة أخرى ، انطلقت من اعتبارات سياسية ، كاتهام الترابي بالسعي لتسويق نفسه للغرب بوجه جديد . " يبعد عنه تهمة الشيخ الإرهابي " في إشارة إلى دوره الأساس في ( حكومة الإنقاذ ) التي أتت بعد انقلاب عسكري قاده الفريق عمر البشير ودعمته " الجبهة القومية الإسلامية " بقيادة الترابي عام 1989.
لكن هذه الاتهامات تتنتاقض مع نفسها ومع سابقاتها التي تقول بأن محاولات الترابي هذه " "بالدعوة إلى ما يتناقض مع دين الإسلام" هي قديمة وليست جديدة (!) وفي السياق يذكر منتقدو الترابي أو مكفروه ، بفتاوى سابقة له مثل قوله " إن من حق أي مواطن في دولة الإسلام تغيير دينه " وبالتالي استباحة الارتداد عن الاسلام وإنكار إقامة الحد عن المرتد. "
ويشير هؤلاء كذلك إلى أنه كان أباح الرقص والغناء والموسيقى بوصفها " شعبة من شعاب الإيمان والتوحيد " وتأييده لنظرية داروين القائلة بأن أصل الإنسان قرد . وإفتاءه أن الخمور "لا تكون جريمة إلا إذا تحولت إلى عدوان" ودعوته إلى الإختلاط بين النساء والرجال لأن " العزل ضار بالمجتمع وينشر فيه الرجس وعدم الطهر.. إلخ "
وفي هذا الصدد يقر الطيب زين العابدين ، أحد أنداد الترابي في الحركة الإسلامية السودانية ، بأنها "جرأة قديمة من الترابي لإحراج علماء الدين الذين يعتقد أنهم لا يسايرون حركة الحياة والتي تطالب المسلمين بإعادة النظر في بعض مقولاتهم ويريد أن يقول إن انقطاع تطبيق الإسلام في حياة الناس جعل بعض الفتاوى قديمة"( اسماعيل آدم " الشرق الأوسط " في 14 / 4 / 2006 )
وفي هذا الصدد يميز صلاح الدين الجوريش ( الحياة في 2/ 5 / 2006 ) بين الترابي كشخصية سياسية " دائم الإستعداد للإنتقال من المعارضة إلى التحالف مع السلطة، أو من المناهضة السلمية إلى الكفاح المسلح ومن معاداة العسكر إلى الاستنجاد بهم ...." وبينه كشخصية مثقفة واسعة الاطلاع " جمع بين فكر حديث وإلمام جيد بالعلوم الشرعية من تفسير وحديث وفقه وعلم كلام ( ...) ينزع نحو التحرر من التقليد واستعمال عقله في ما يعتبره الكثيرون من " الثوابت " في الدين والعقيدة (...) فينحاز للتجديد حتى لو أثار ذلك غبارا كثيفا حول زعامته السياسية ومصداقيته الدينية ".
ويلفت الجورشي إلى ثلاثة جوانب في شخصية الترابي كمثقف : 1- إيمانه بضرورة تجديد الفكر الديني 2- إدراكه بأن الواقع يجب أن يوجه الفكر ويحدد أولوياته ، لهذا دعا إلى تجاوز علم أصول الفقه كمدخل لتغيير منهج فهم الدين ، ووضح أهداف وأولويات جديدة حتى يبقى المؤمن مشدودا إلى الأمام في سعيه نحو نموذج في حالة تجدد مستمر، بدل أن يكون عنقه ملتويا إلى الخلف باحثا عن إسلام مغروس في الماضي بقضاياه وملابساته وهمومه . 3- عدم فصله بين ضرورات تطوير التشريع الإسلامي وتصحيح المفاهيم العقائدية .
وكان عديد من أنصار الترابي الذين هبوا للدفاع عنه، قد أعربوا عن رأيهم بأنه " يتصدى إلى علماء النصوص التقليدية الذين دخلوا نفق النصوص الفقهية ولم يخرجوا منها أبدا، رغم تطور الظروف وحركة الحياة " وبأنه " يطرق باب المسكوت عنه والمغلف بغلاف الجمود والحفظ والنقل " مذكرين بمقولة الإمام محمد أحمد المهدي القائد الوطني السوداني : " لكل مقام مقال ولكل زمان رجال، وإن من السلف رجال كما نحن رجال، ولهم عقل كما لنا عقول ".
الصراع على التمثيل
والحال، أن مثل هذا الخلاف حول الفتوى ، ليس جديدا في الإسلام ، بل هو قديم، وغالبا ما كان يؤدي إلى استتابة المجددين بوصفهم كفارا ، وإلا نفذ فيهم " حد الشرع " وهو القتل ، والأقوى هو الذي كان ينتصر ، غالبا في مثل هذه الخلافات، على الرغم من أنه حتى الأئمة، اختلفوا في مسائل فقهية عديدة، ولم يكفروا بعضهم بعضا، وعلى الرغم من أن التجربة أثبتت أن التسرع بتوجيه اتهامات وأحكام الكفر والارتداد والزندقة خطأ فاحش ، يضر بالإسلام والمسلمين ، فحتى أمثال سيد قطب والقرضاوي تعرضوا في وقت ما لمثل هذه الإتهامات والأحكام ثم طواها الزمن . وفي الواقع شهدنا على الدوام مفكرين مجتهدين أدلوا بآرائهم في كثير من القضايا الفقهية بعيدا عن روح التعصب الذميم لهذا المذهب أو ذاك ، أو لهذه الجماعة أو تلك ، متحدين سطوة الاستبداد وجبروته ، سواء الديني منه أو السياسي ، وكان ديدنهم الأسمى هو نقد العقل وتحريره من الجمود والتخلف ، وقد قوبل الكثير منهم بوصفهم " دخلاء " على الإسلام ، كما لو أنهم أتوا من خارجه ، ولا يحق لهم الخوض فيه أو التحدث باسمه. نذكر منهم على سبيل المثال؛ محمد أركون، محمد عابد الجابري، محمد شحرور، حسين حنفي ، ... إلخ
وقد انفتح الصراع حول حق تمثيل الإسلام ، أو حق الحديث عنه أو باسمه ، مجددا بعد تفجيرات 11 أيلول سبتمبر 2001 ، وهذا الصراع ، قبل ذلك التاريخ وبعده ، يمور داخل الإسلام ، ولم يأت العامل الخارجي إلا ليأججه ، فعوامل اضطرامه منه وفيه ، وليس كما يحاول الأصوليون المتشددون تصوير الأمر وكأنه حرب خارجية ( غربية أمريكية أو صليبية و يهودية على حد تعبيرهم ) تستهدف الإسلام والمسلمين !.
إن خطابنا الديني والدَعَوي ، الذي احتكره الأصوليون والسلفيون الإستئصاليون، ظل ردحا من طويلا من الزمن بمنأى عن تدخل العقل النقدي وإعماله فيه، وإذا كان ثمة فضيلة تذكر لتفجيرات أيلول هو أنها يجب أن تدفعنا جميعا للانخراط في التفكير بهذا الخطاب ونقده، فخطره بات واضحا وجليا لكل عاقل، ولم يعد من الصواب تركه لمجموعة من ضعاف العقول والثقافة تحتكر حق الحديث فيه وعنه وباسمه.
وإذا كانت السياسات والمصالح الأمريكية في منطقتنا معروفة ومدانة ولا خلاف عليها، فمن الخطأ الفادح استمرار الربط بين هذه السياسات ( بما فيها الغزو والاحتلال )وبين استخدام العنف باسم الإسلام ، كما لو أنه محض رد على تلك السياسات فقط!؟ فاللجوء إلى العنف واستخدامه من قبل إسلاميين أصوليين " كان داخليا في بلدان عربية وإسلامية عدة ، وكانت تسوده نظرية الحاكمية ، وتكفير الدولة أو الدولة والمجتمع ( وتاليا ضرورة الجهاد ضدهما ) وهذا النوع من الفكر والسلوك لا يمكن تعليقه على مشجب العدوانية الأمريكية ، التي لم تبلغ أوجها إلا بعد 11 أيلول " رضوان السيد " الحياة " 10 / 9 / 2005 ) .
ويضيف السيد متسائلا : " أين هي النصوص التي تؤيد الإستقتال أو الانتحار ؟ وأين هي النصوص التي تؤيد قتل المدنيين إنتحارا أو تفجيرا أو نحرا أو قطعا للرؤوس ؟".
ونعود على طرح السؤال الرئيس من الذي يملك سلطة الفتوى والاجتهاد ، من دون أن توجه له التهم أو الإفتئات على الشريعة ؟ مع أن المبدأ المعروف يقول بأن المجتهد " إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد " .
ولماذا مثلا ، لم تثر الضجة ذاتها ، التي ثارت بوجه الترابي ، حين أجاز " المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي " بمكة المكرمة " زواج المسيار " وناقش أشكالا أخرى من الزيجات مثل الزواج العرفي ؛ والزواج بنية الطلاق ، أو الزواج الذي يشترط فيه أحد الطرفين عدم الإنجاب ؟.
لا ريب إن أمثال هذه الفتوى يقصد منها تلبية احتياجات فئة من الناس ( فالمسيار يتضمن تنازل المرأة عن حقها في السكن و الإنفاق بغرض توفير الشريك لكثيرات من القادرات ماديا ، مع عدم تحميل الزوج ، المتزوج غالبا ، عبء تكوين أسرة ثانية) في حين أن فتاوى الترابي بمثابة تمرد على التقليد المتبع والعرف المألوف ، استنادا إلى تفسير جديد لآيات من القرآن ، أو استنادا إلى مبدأ تغيير الأحكام بتغيير الزمان . وعلى سبيل المثال ، فإن الترابي " سوى بين المرأة والرجل في سائر الأمور ، وأجاز لها تولي المناصب السياسية مهما علت ، ,أسقط عنها فرضية الحجاب " فهل يعقل أن يرضي هذا الفئات المتزمتة والسيطرة الذكورية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ؟!.
وعلى العموم فإن الفقيه التقليدي ما عاد بمقدوره تلبية احتياجات ومتطلبات العصر والمرحلة الراهنة التي يحياها المسلمون، فضلا عن التمهيد لدخول المسلمين أندادا في عالم يقوم على أسس وقيم الحرية والاعتقاد واحترام حقوق الإنسان ، ناهيك عن الشك في نزاهة فتاويه وتجردها عن الغرض والمصلحة إلى جانب ما يحيط بالكثير من القضايا الفقهية من اختلاف واسع ، كالاختلاف الذي يحيط بالحكم على المرتد ، والذي " يبدأ من الخلاف في قتله أولا، ثم في بناء الحكم على الأدلة ( المختلفة والمتباينة ) وصولا إلى تخصيص الحنفية له بالرجل، وذهاب الجمهور إلى كونه للرجل والمرأة ، وانتهاء بالخلاف حول الاستتابة ومدتها وقبولها، فضلا عن الخلاف حول عبارة ( من بدل دينه ) في الحديث المنسوب إلى محمد " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ... والتارك لدينه المفارق الجماعة " والتي يجب قياسها إلى ما ورد في القرآن " لا إكراه في الدين " إضافة إلى ضرورة توائم التشريعات المحلية في أي مكان مع مواثيق حقوق الإنسان العالمية وتفريعاتها، لكي لا يبدو التشريع الإسلامي وكأنه يتعارض مع حرية الاعتقاد وحقوق الإنسان" ( معتز الخطيب " الحياة" 15/ 4 / 2006.
مبادئ ومحددات عامة
يتفق كثبر من الباحثين والدارسين في الشأن الإسلامي على ضرورة تحديد نقاط عامة يتم الاهتداء بها كنقاط ارتكاز ومعالم عامة تضيء آفاق البحث والتأمل في القضايا المثارة ومنها :
ــ القرآن حمال أوجه ، ونصوصه قابلة لتفسيرات وتأويلات مختلفة .
ــ السنة النبوية كتبت في مرحلة متأخرة ، وهي ليست وحيا، فإذا تعارضت أو تباينت مع ما جاء في القرآن ، يجب أن لايعمل بها ، فهي أساسا لشرح وتبيان ما جاء في القرآن وليس لنقضه .
ــ ضرورة الكف عن الجمود والانغلاق الفقهي والعقلي ، فالحياة ومستجداتها متغيرة ، ولا بد من مراعاة ذلك في أحكام الإسلام التي ينبغي لها أن تتوافق مع تطور الحياة . ويشار في هذا السياق إلى الأخذ بنهج " مقاصد الشريعة " في الاجتهاد . والتي لا تخرج في كليتها عن الضرورات الخمس في حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال ، وهي حاكمة لفروع التشريع في جميع المناحي وليست محكومة بها .
وثم وفق هذا النهج تقديم اجتهادات عدة ، حققت مكاسب جمة للمسلمين مثل" البنوك اللاربوية"
ــ خطأ فاحش وخطير تقسيم العالم إلى فسطاطين " فسطاط الخير وفسطاط الشر " أو " دار الإسلام ودار الكفر" . فشؤون الإمامة والخلافة والإمارة والجماعة تنتمي إلى ما يتعلق بتدبير الشأن العام الذي يقع فيه خلاف واجتهاد كبيرين . وفي هذا الصدد يورد الشيخ المرحوم معشوق الخزنوي مجموعة توصيات يجدر الوقوف عندها والأخذ بها ومنها :
ــ الأحكام تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والأشخاص .
ــ مقاومة التقليد الأعمى الذي يجعل المجتمع مجرد قطيع تائه لا يدري إلى أين يوجهه الرعاة .
ــ التفريق بين الثوابت والمتغيرات من أحكام الدين ( الثابت لا يتجاوز 20 % منها ) وضرورة التفريق كذلك بين النصوص قطعية الدلالة والنصوص ظنية الدلالة إضافة إلى التفريق بين النصوص المعلّلة وغير المعلّلة .
ــ إحياء الاجتهاد الإسلامي وفتح أبواب الإصلاح والتطوير حتى يتكون في الأمة جيل كامل من الفقهاء المجتهدين والمفكرين المبدعين المتميزين ، وفق قاعدة احترام التعدد ، ونبذ التقليد الأعمى والتعصب والإقصاء والإلغاء والتكفير ( من البيان التأسيسي لمركز الدراسات الإسلامية بالقامشلي ـ موقع ألف الألكتروني )
بغير ذلك ، وإذا أطلقتا الحبل على غاربه، وترك بابا الفتاوى مشرعاً أمام كل من تسول له نفسه الإدلاء بدلوه، سيتحول " الفقهاء " والشيوخ وفتاواهم إلى قيود وأغلال في أعناق المسلمين، تودي بنا إلى مزيد من التخلف والجهل، وتمنعنا من التطلع إلى التقدم والانخراط في العصر الراهن ومتطلباته. كمثل الفتوى " الطريفة والملفتة " التي أطلقها عميد كلية الشريعة بجامعة الكويت د. محمد طبطباني وقضى بها بأن " صوت الناخبة المتزوجة يجب أن يكون وفق اختيار زوجها حتى لو عاكس رغبتها". ونقل في ما بعد أنه تراجع عنها.
أو كمثل الأحكام التي تطبقها أو تدعو لتنفيذها بعض القوات والمجموعات الإسلامية من السنة والشيعة في العراق. "وقاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" وزعت منشورات تتضمن أحكاماً تمنع تجول السافرات ( وتؤكد عل حلق شعرهن، ك " حكم مخفف " في حال عدم الالتزام ) وتمنع على الرجال حلق الشعر أو ارتداء الشورت و الجينز، تحت طائلة الموت والإعدام ( أحد الشهود أكد اغتيال شقيقه لارتدائه الشورت وتصفيف شعره وفق الموضة ) وقتل مع هذا " الفاسق " صديقه ، خطأ ، لتواجده معه في مكان واحد (صحيفة " الحياة " في 24/5/2006)
كما أرديت أحد الأمهات قتيلة لأنها " تختلط مع الرجال وتعمل في التجارة ، وهذا مخالف للأوامر الشرعية ( المصدر السابق نفسه ) وفي المناطق الشيعية من بغداد ، فإن الميليشيا المتطرفة هناك ، سبقت " القاعدة " في تطبيق أحكامها المتشددة، فهي ترفض على النساء ارتداء العباءة السوداء على غرار القوانين الإيرانية ، وتمنع الشباب كذلك من حلق لحاهم أو ارتداء الملابس الملونة في أيام العزاء الحسينية . ويهاجم بائعو الخمور ويقتلون ، وتنظم دوريات تفتيش على مدارس البنات والمؤسسات الحكومية لمراقبة " المخالفات " الشكل أو الملبس أو السلوك !!
أنها أحكام " طالبانية " بامتياز ، تمتح وتغرف من ذات المصدر و المنهل الذي متحت وغرفت منه " طالبان " إبان حكمها لأفغانستان سنة 1996، حين منعت تعليم المرأة، وحرمت أجهزة التسلية الحديثة ( التلفزيون و سينما وغيرها... ) وعاقبت كل من ضبط متلبساً بحلق لحيته ( وترك في السجن حتى يحفظ القرآن وتطول لحيته ) وعادت العقل والتيارات العقلانية والعلمية ، ودمرت كل ما يتصل بالحضارة الحديثة، بما فيها ذلك تحريم التماثيل ( عودة على بدء ) و( تمثال بوذا الأثري الضخم في جبل بأميان سنة 2001، وهو التمثال الذي يعد أحد كنوز الميراث العالمي )...
كل ذلك ، مع إن الأصل في الإسلام هو حرية الرأي والعقيدة : " من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " . والمساءلة أخيراً تبقى عند الله وحده
08-أيار-2021
24-حزيران-2006 | |
22-أيار-2006 | |
23-نيسان-2006 | |
09-نيسان-2006 | |
08-نيسان-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |