وطنيون أم قوميون
خاص ألف
2006-06-30
بين الواقع و الخيال و الوهم سوريا مثالا إن التطورات الأخيرة التي تشهدها الساحة السورية بكل مستوياتها الفكرية و الثقافية لم تعد تخفى على أحد إذ أن هناك تخبطاً واضحاً لإنجاز ما لم ينجز حتى الآن و أعني بها مسألة الهوية و الانتماء .
فالديمقراطية و الليبرالية و الوطنية على سبيل المثال كانت إلى الأمس القريب مصطلحات لم يكن لها أي قيمة في القاموس السياسي السوري مقابل مثلاً الاشتراكية و الماركسية و القومية بينما اليوم تحتل المكانة الأبرز ضمن الحراك السياسي .
هذا كله بالإضافة للحراك السوري الداخلي الذي تحول من مرحلة الكمون و التقوقع الجمعي الفئوي إلى مرحلة الحوار و التلاقي خصوصاً في أوساط المعارضة السورية فلأول مرة في تاريخ سورية الحديث تتم حوارات حقيقية بين فئات كانت من المستحيل أن تقبل حتى المصافحة بين بعضها البعض و جاءت النتيجة مرتسمة في إعلان دمشق و الذي أتلي بإعلانات مشابهة لكن النقطة الملفتة في كل تلك الإعلانات أن فئة لم تعد باستطاعتها إنكار مطالب فئة أخرى مهما كانت النظرة تجاه تلك المطالب ضيقة أم منفتحة و تحولت النظرة من إلغاء و نفي و عدم انتباه لما هو موجود إلى محاولة جادة لتقبل و تآلف مع ما هو موجود .
فبالأمس القريب كانت الأحزاب السورية – المعارضة تحديداً - منشغلة بتصفية الحسابات الحزبية الضيقة أو الانهماك في الصدام مع السلطة .
الآن بعد هذا الإفراز لما هو ممكن و جديد و أمام التسارع غير المنطقي للأحداث وجدت الفئات السورية نفسها أمام معضلة كبرى نتيجة غياب الأسس المنطقية لتناول الأفكار الجديدة من جهة و السرعة المطلوبة لإنجاز ما تم التغاضي عنه أو ما تم فشله من جهة أخرى .
فالعاملين ضمن الحقل السياسي غير مهيأين للتعامل مع مفردات تحتاج إلى تفكيك العقل الجمعي و تفريد المجتمع إذ أن أولى شروط الديمقراطية على سبيل المثال الذاتية و الفردية و في حال غيابها ستؤدي حكماً إلى نتائج وخيمة .
عدا عن المقاييس الشمولية الجمعية ( ماركسية – دينية ) التي مازلت تكوِّن الأساس الحقيقي للمقايسة المعتمدة
فالمفاهيم الجديدة تحتاج لمقاييس جديدة لكن على ما يبدو إلى الآن نحن كسوريين نريد أن نقيس المسافة بين دمشق و حلب بالكيلو غرام و نحزن كل الحزن لأن النتائج غير دقيقة أو لأن الفشل كان من نصيبنا .
و هذا الواقع أدى إلى بروز بعض المفاهيم الجنينية الغير متوافقة مع الحياة أصلاً لأنها تحمل تناقضاتها على كتفيها فبتنا نسمع بمشاريع كدولة دينية ديمقراطية أو الانتماء القومي المعنون بالوطنية و آخرها التبرير للانتماء إلى جغرافيتين مختلفتين و هويتين مختلفتين مبرراً إياها بالانتماء المزدوج كما هو الحال في أوربا تحديداً أو كندا على سبيل المثال .
متناسياً أن الوقائع مختلفة بل متناقضة كل التناقض إذ أن النموذج الأوربي و الكندي إنما هي نموذج البوتقة التي تحوي الكيانات الأصغر منها كما هي علاقة المدينة بالدولة بينما هنا إنما نتحدث عن كيانين منفصلين جغرافياً و تاريخياً و واقعياً حسب المواثيق الدولية و الشرعية .
و على هذه الدعوات وجدنا أنفسنا مضطرين لتوضيح ما يمكن توضيحه من خلال إعادة ترتيب و تنقيح بعض التعاريف الأساسية و إسقاطها على الواقع الموجود .
- بعض التعاريف الأساسية كمدخل لا بد منه :
الواقع reality
يدل مفهوم الواقع في اللسان العربي على ما هو ثابت و حاصل فعلا .
أما في الفلسفة فكلمة الواقع تتحدد من خلال ما هو مناقض لها كالخيال و الوهم و الممكن و المعقول و الظاهري و الاسمي أما في مجال العلوم التجريبية فيدل على ما هو معطى في التجربة و على مجموع الوقائع العينية الحاضرة أو الماضية.
و إن الواقع في تداوله التاريخي اختلط أكثر ما يمكن بمفهوم الحقيقي إذ أن كليهما يتمتعان بنفس الفعاليات الدلالية
و تستعمل الحقيقة في الحياة اليومية بمعاني كثيرة و متعددة و لكن كلها تحيل إلى الواقع باستثناء كلمة حق حينما تستعمل للدلالة على الذات الإلهية أو إحدى صفاتها و لا تختلف الدلالة الفلسفية عن المعاني المتداولة فهي كذلك تتصف بالتعدد و الاختلاف تبعا للمجالات المعرفية التي تستخدم فيها.
لكـن و إن كانت الحقيقة هي مطـابقة الحكـم للـواقع فإن هذا الأخيـر يظل مـرجعا للحقيقة مهما اختلفت الأزمنة و الأمكنة .
و إن التجربة تبين على أن الواقع متغير و متحول إن لم يكن بصورة مطلقة فعلى الأقل بشكل نسبي و إن هذا التغير هو الأساس الذي تقوم عليه إشكالية العلاقة بين الحقيقة و الواقع في شقيها أو جانبيها الحقيقة كمرادف للواقع و الحقيقة كمطابقة الفكر بالواقع.
الواقعية السياسية political reality
نشأت مدرسة الواقعية السياسية بعيد الحرب العالمية الثانية كردة فعل على المثالية التي تبنت أفكاراً لا واقعية تستند إلى أوهام و أخيلة كنظرية العرق الصافي التي تبنتها النازية و الشوفينية و التي قادت العالم إلى أتون حربين عالميتين أودت بحياة عشرات الملايين من البشر .
و هدفت الواقعية إلى فهم و دراسة سلوكيات الدول و العوامل المؤثرة في علاقتها ببعضها البعض إذ جاءت الواقعية السياسية لتدرس و تحلل ما هو قائم في العلاقات الدولية و لم تهدف كما فعلت المثالية إلى تقديم نظريات و أفكار حول ما يجب أن تكون عليه تلك العلاقات .
و يعتبر هانس مورغينتو أبرز الذين طوروا نظرية الواقعية السياسية و يقدم هانس في كتابه السياسة بين الأمم ما يعتبره المبادئ الستة في الواقعية السياسية و هي :
1 – إن السياسة كالمجتمع بشكل عام تحكمها قوانين موضوعية جذورها في الطبيعة البشرية و بالتالي فمن أجل إحداث تغير أو إصلاح في المجتمع يفترض فهم و استيعاب هذه القوانين .
2 – يعتبر مفهوم المصلحة أداة تحليل رئيسية في الواقعية السياسية لفهم السياسة و تعرف المصلحة دائماً بلغة القوة و تعتبر المصلحة المحددة بالقوة كمفهوم يصلح لتحليل مختلف السياسات في أوقات مختلفة .
3 – إن مفهوم المصلحة ليس ذا مضامين ثابتة و غير متغيرة على مدى الزمن إنما فكرة المصلحة كجوهر للسياسة هي الدائمة عبر الزمن و المكان .
4 – السياسة تحكمها أخلاقية مغايرة لأخلاقية الأفراد في علاقاتهم الشخصية و لا يجوز الخلط بين الأخلاقيتين لأن ذلك يؤدي بالضرورة إلى كوارث لا تحمد عقباها
5 – ترفض الواقعية السياسية اعتبار القيم الأخلاقية العالمية متطابقة مع قيم و مبادئ بعينها فكل شيء نسبي و لا توجد قيم و مبادئ عالمية مطلقة
6 – إن السياسة الدولية تنقسم إلى ثلاثة أنواع إما أنها تهدف إلى الحفاظ على القوة أو لزيادة القوة أو لإظهار القوة .
و يحذر مورغينتو من الوقوع في خطأين أساسين هما الاهتمام بالحوافز و الاختيارات العقائدية إذ أن هذين الخطأين هما اللذان يوقعان السياسة في دوامة اللامعقول .
الوهم unreality
و هو المناقض للواقع تماماً فهو غير ثابت و غير حاصل و غير موجود
و يرتبط الوهم كدلالة بمفهوم العدم و يستند إليه و يدخل العقل ضمن مشاريعه المزيفة مقتصداً التجربة ضمن زيف المتخيَّل و اللامرئي حاصداً بذلك فراغاً مرضياً يوحد الكائن ضمن الوجود بسلسلة من التوازنات المرضية الهشة المفتقرة لأي استناد من الحقيقة و الواقع
و تنشأ الأوهام عادة لدى الأفراد كردة فعل مرضية في بعض الذهانات الشوزوفرانية خاصة و نلحظها في السلوك الجمعي لدى الجماعات و الفئات الضعيفة و المغلوبة على أمرها و تأتي كحالة من حالات إظهار القوة الموازنة لحالة الضعف المدركة و الظاهرة لدى تلك الجماعات
و يمكن أن تنشأ أيضاً لدى الأفراد من حالات تضخم الأنا و حب الذات المتمثلة في المرض الشهير بجنون العظمة و كما يقول فرويد في أكثر من مناسبة أن ما ينطبق على الأفراد كحالات نفسية مرضية إنما ينطبق على الجماعات لذلك فإننا نلحظها لدى الجماعات المتفوقة عبر مفهوم زيادة القوة المرضية
الخيال Imagination
يعتبر الخيال حالة وسطى بين الوهم و الواقع مستندا على حركية الترميز المأخوذة أصلاً من الواقع لكنها انحرفت عنه نتيجة الإدراك الخاطئ لما هو موجود و الوقوع في فخ ما يمكن أن يوجد استناداً لنظريات و تفسيرات سبَّاقة على إدراك ما يمكن إدراكه .
و يعتبر ابن عربي أن الخيال إنما هو البرزخ الذي يفصل بين المطلق و العدم و بين الروح و المادة على أنها تبقى ضرورية كحالة تواصلية توحد الوجود و تثري من تماسكه .
الوطن و مفهوم الوطنية patriotism
تأتي كلمة الوطن في اللغة العربية كمرادفة للمنزل الذي ولد فيه الفرد فهو وطنه كما جاء في لسان العرب لكن اصطلح على تسمية الأرض التي ولد فيها الإنسان بحدودها المعهودة على أنها وطن له و مع تنظيم المجتمعات و تعقيداتها التي مرت بها عبر التاريخ فإن مفهوم الدولة بالحدود المرسومة عبر مواثيق دولية تطابقت مع مفهوم الوطن .
و يقوم الوطن على مقومات تتلخص بمقومتين رئيسيتين و هما الأرض و الإنسان .
الأرض و هي منبع الذكريات و مصدر للحلم و الحقيقة المعاشة و التي سبق و أن أشرنا إليها كضرورة لتوحيد الوجود الإنساني و إطفاء معناً عليه بينما الإنسان العنصر الثاني و الذي يتفاعل مع تلك الأرض و يحرص على وجودها لأنها مصدر أساسي للشعور بوجوده .
أما الوطنية فهي تعبير استخدم للدلالة على حب الفرد للوطن و إخلاصه له و الذي يشمل الانتماء للأرض و الناس و التقاليد و الفخر بالتاريخ و الدفاع المستميت في خدمة الوطن .
فهو الإحساس المباشر لحالة الانتماء و الوفاء للأرض التي يعيش عليها الفرد .
- وطنيون أم قوميون ( ضياع الانتماء )
- الفكر القومي و بدايات الضياع :
إن النظريات القومية لم تأت إلا لتعزيز الانتماء الوطني و تضخيمه لإيجاد المبررات و الحلول للتفاعل البشري ضمن الوطن الواحد فقد تبلور كمفهوم في أوربا في أواسط القرن الثامن عشر كحل ممكن لزيادة وعي الفرد بالانتماء للوطن .
و القومية هي حالة عقلية نفسية تتميز بولاء الفرد المطلق لمجموعة بشرية تشترك فيما بينها بوسائل اتصال مختلفة كاللغة و التاريخ و العادات و الرسوم و إلى ما هنالك من وسائل اتصالية تشكل القاعدة الاجتماعية الحقيقية لتعايش مجموعة من الأفراد .
و إن هذا الشعور ليس من الضروري أن يكون حقيقة فعلية واقعية لكن الأهم أن يكون اعتقاداً راسخاً في عقول الأفراد المشكلين للوطن .
و يؤكد الدارسون لمسار الفكر القومي في أوربا أنها لم تأت إلا بالكوارث فكان من نتائجها الحرب العالمية الأولى و الثانية إذ أنها مستحيلة التطبيق و أنها تقع ضمن إطار الأوهام السياسية الخطيرة و في هذا الصدد يقول مترينخ :
" إن إدعاء تكوين الدول الجديدة تبعاً للحدود القومية هو من أخطر المشروعات الوهمية ذلك أن المطالبة بهذا المشروع تعني مخالفة الواقع و التاريخ و تنفيذه بأي بقعة يعني هز النظام المستقر الذي تسير عليه الدول من أساسه "
و هناك ثلاثة أشكال للظهور القومي ارتباطاً مع الدولة متفق عليها و هي :
1 – ظاهرة القومية بدون دولة
2 – ظاهرة الدولة بلا قومية أو الدولة التي تصنع إيديولوجية قومية
3 – ظاهرة القومية كأقلية داخل الدولة
و يجمع الدارسون في هذا الصدد أن الظاهرة الثالثة نتيجة حتمية للظاهرة الثانية و هو ما يهمنا لأنه ينطبق على الواقع السوري أرضاً و شعباً .
إن استيراد الأفكار القومية إلى منطقة الشرق الأوسط تمت أساساً على يد الأتراك و التي تبلورت فعلياً في جمعية الاتحاد و الترقي التي نادت بسياسة التتريك و جاءت القومية العربية كرد فعل مباشر على تلك النظرة القومية التركية و تتوَّجت تلك الأفكار في المؤتمر العربي بباريس عام 1913 إلا أن تلك الأفكار لم تدخل الحيز العملي الفعلي كحالة تنظيرية توفيقية مع الجمهور إلا بعد الحرب العالمية الثانية و ظهور الأحزاب القومية ( حزب البعث كمثال ) و دخلت الحيز التطبيقي مع استلام الرئيس جمال عبد الناصر للسلطة في مصر ومنذ ذاك الحين و المنطقة دخلت في صراع مرير بين حالة من الوهم القومي و تحديات رسم الهوية الوطنية .
و جدير بالذكر هنا التسليط على عدة نقاط كانت مهمة في تاريخ القومية العربية :
1 – جاءت القومية العربية كحالة رد فعل على سياسة التتريك بشكل خاص و حالة مضادة للفكر الإسلامي بشكل عام إذ أن أوائل المنادين بالفكر القومي و النظرية القومية كانوا في مجملهم منتمين للدين المسيحي ظناً منهم أن تلك النظرية ستكون بمثابة خط دفاع ضد الفكر الإسلامي الذي كان له الأولية كحالة تواصلية بين أفراد المنطقة قبل انتشار الأفكار القومية .
2 – إن التواصل الإسلامي كان حالة توافقية طبيعية مستقاة من الواقع الجغرافي و التاريخي للمنطقة عكس الأفكار القومية التي جاءت غريبة و نشازاً و تضاداً مع المكونات الحقيقية .
3 – السياسات الاستعمارية لعبت دوراً حقيقياً في مفهوم القومية العربية و انحدارها باتجاه اللامعقول و خيبة الأمل ابتداءً من مؤتمر باريس 1913 و انتهاءً بما آلت إليه الأوضاع الآن
4 – قامت القومية العربية على ازدواجية في التفكير فقد كانت ذات ولادة اشتراكية ماركسية علمانية مع تنشئة و احتضان و تربيةً إسلامية .
5 – القومية العربية أتت مؤسسة على مجموعة من الأمنيات و الرغبات لا على ما هو موجود و واقع . و الخطاب القومي تحدد بالأهداف و ليس بالنتائج و الظروف المحيطة
إن هذه الولادة الغير طبيعية للنهج القومي العربي مع التحديات التي واجهتها منذ الولادة كان كافياً بأن تفرز أوضاع و مفاهيم و ترتيبات مشوهة ضمن العقلية ال ماقبل الوطنية التي تتمتع بها الفئات التي تنتمي إلى هذه البقعة من الأرض أساساً .
و إن استلام السلطة من قبل القوميين العرب لدول غير مبنية أساساً على مشروعية قومية بل هي دول تحوي على أكثر من قومية و أكثر من أيديولوجية تطبيقية منافسة .
و بدلاً من قراءة الواقع بما يحويه و تطويع النظرية لملائمة الواقع الموجود تحرك القوميون العرب باتجاه فرض النظرية و الانهماك في تفصيل واقع جديد و ترسيخ المخيال الجمعي للجماهير حول ضرورة اقتران القومية بالوطنية .
إن هذا الفرض الاستثنائي لمفاهيم غير متآلفة أصلاً مع الواقع بل مناقضة له تماماً أنشأ ردود أفعال مختلفة ابتداءً من ظهور نظريات قومية منافسة أو مقاومة ( القومية الكردية و الانتماء التاريخي إلى كردستان الكبرى ضد القومية العربية و الانتماء إلى الوطن العربي الكبير ) إلى ترسيخ المفاهيم ال ماقبل الوطنية الموجودة أساساً .
إن هذه النظريات القومية المنافسة نشأت نتيجة ردة فعل منطقية تجاه الاستثناء و الفرض و عدم قبول الآخر و تأسست كما هو الفعل على أسس مشوهة فكانت النتيجة مجموعة من الهزائم و خيبات الأمل و مزيداً من الوهم و الضياع للواقع الموجود ألا و هو سوريا بحدودها الجغرافية المتعارف عليها في المواثيق الدولية .
فالفرد السوري بات يعاني من ضياع الهوية على أساس الانتماء لحدود وهمية غير موجودة على الخارطة السياسية أصلاً فالسوري المنتمي للقومية العربية يهمه ما يجري في الجزائر أكثر مما يجري في عفرين أو القامشلي على سبيل المثال و ذلك على أسس تضخيمية وهمية من الانتماء القومي و الكردي يزود بدمه عن أكراد تركية ( تجربة حزب العمال الكردستاني ) و لا يهمه مصير حماة على سبيل المثال لأنها لا تمت إليه بصلة فهو يعيش أساساً ضمن مفاهيمه المستمدة من تاريخ كرد و كردستان المعزولة عن الوطن العربي و القومية العربية .
و النتيجة دولة بشعبين مختلفين انتماءً و فكراً و عقائداً ( أذكر هنا مصطلح شعبين دون إغفال للقوميات الأخرى التي سلكت نفس السلوك في الزود عن وجودها بالالتجاء إلى مفاهيم مشابهة لكن القوميتين العربية و الكردية هما الأكثر ظهوراً كواقع سياسي ) .
الفكر الوطني و تكريس الضياع :
إن سوريا أرضاً و شعباً و كما نوهنا في المقدمة تعرضت في السنوات الخمس الأخيرة إلى تغير في الظروف الداخلية و الخارجية نتيجة عدة أسباب من أهمها التطورات السريعة في الأحداث و الثورة في وسائل الاتصالات
إن هذا الواقع الجديد المتمثل في انهيار أحد أهم أركان الرموز القومية و مشاريعها المتمثلة في حزب البعث العراقي مع تضاؤل الروافد القومية ( انهيار المنظومة الاشتراكية و أزمة الفكر الإسلامي ) مع الهزائم و خيبات الأمل التي منيَّ بها الفكر القومي قبل ذلك أدى إلى محاولات جادة للبحث عن البديل و كان البديل متمثلاً في تحديد الانتماء وفق أسس و مفاهيم جديدة تستطيع أن تتواءم مع التغيرات الجديدة و الواقع المعاش ضمن جغرافية موجودة حقيقةً في شرعية و مواثيق الدول فكان مفهوم الوطنية هو الحل الأمثل
لكن يبدو إلى الآن هي محاولات جد ضئيلة أمام التحديات الواقعية التي تعاني منها المنطقة عموماً و سوريا خصوصاً .
و المشكلة برأينا ليس في المفهوم كحل واقعي و منطقي إنما المشكلة في العقلية التي تتناول هذا المفهوم و تحاول أن تفصله على حسب أهوائها و تفصيلاتها الماضوية
فبتنا نسمع بتلك المصطلحات الغريبة غير المتوافقة مع القواميس السياسية و العقلانية ( دولة دينية ديمقراطية – الوطنية على أساس قومي – الوطنية مع الاحتفاظ بانتماء مغاير .... الخ )
فقد بدأت الحوارات - خصوصاً بين أطراف المعارضة – و التي كانت ضرباً من الخيال قبل عقد من الزمن لكن إلى هذه اللحظة يبدو أنهم مازالوا في عقلية إعادة الحياة لما كان سابقاً أو تفسير الواقع و المستقبل بنظارات الماضي .
و إن أبرز مثال على ما نقوله ما جاء في إعلان دمشق الذي جاء كنتيجة توفيقية كولاجية للموقعين مع احتفاظ الأطراف بفقدان الثقة ببعضهم البعض و الانطلاق من خلال الخنادق الوهمية التي كرسوها على مدى أكثر من خمسين سنة الماضية .
و إننا لننظر إلى هذا التخبط بين الوطنية و القومية بين الواقع و الخيال بين الحاضر و الماضي بعين يشوبها كثير من الأسى نتيجة المزيد من الضياع و المزيد من خيبات الأمل التي تنعكس عملياً و فعلياً على حياة المواطن السوري المغلوب على أمره أساساً .
و من هنا إنما ندعو إلى توحيد الجهود لتغيير أسس و بنية العقلية الماضوية و الذي من شأنه أن يوجد حلولاً تتناسب مع ما نحن بصدده من تحديات و صعوبات . إن الفرد السوري الذي انفتح على العالم من أبواب كانت مغلقة إلى الأمس القريب نتيجة الثورة الحقيقية في وسائل الاتصالات كذلك التطورات المتسارعة في المنطقة و التي أرست أسساً و ظروفاً جديدة لم تكن موجودة قبل عدة سنين وجد نفسه محاصراً بأفكار جديدة لم يعهدها سابقاً .
- مقدمة لا بد منها :
08-أيار-2021
15-آب-2006 | |
30-حزيران-2006 | |
25-حزيران-2006 | |
13-حزيران-2006 | |
04-حزيران-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |