مواجهة بين جمال شحيد ووليد قصاب
أحمد عمر
2006-04-07
خطاب الحداثة والأدب: محاكمة ايديولوجية لكتاب الحداثة العرب
هذا كتاب عن أصول ومرجعيات خطاب الحداثة في الأدب من منظورين مختلفين، من تأليف الدكتور جمال شحيد الباحث المتخصص في الأدب المقارن، وأستاذ الأدب الحديث في المعهد الفرنسي للشرق الأوسط بدمشق وله 13 كتابا تأليفا وترجمة، والدكتور وليد قصاب الباحث المتخصص في النقد والبلاغة وله عشرات الكتب تأليفا وتحقيقاً.
يصيب شحيّد عندما يكشف عن مصدر الحداثة السياسي وهو الثورة الفرنسية لتشمل فيما بعد المعارف والعلوم والفنون. يبحث شحّيد عن جذور الحداثة غربيا وعربيا ويفتش بداية عن معنى المصطلح لغويا ليجد أن (MODERNUS ) استخدمت للمرة الأولى في القرن الخامس الميلادي لتمييز الحاضر المسيحي عن الماضي اليوناني الوثني. المصطلح في اللاتينية لا يعني ما هو حديث بل ما هو راهن ومعاصر أما في اللغة الروسية فأخذت معنى سياسيا بحتا يدل على اليسار و التقدمية. وفي الألمانية دلت بداية على المستقبلية والدادئية والسوريالية وفي الإنكليزية أخذت كلمة (الطليعة) بعدا سياسيا. أما مصطلح الحداثة ( MODENET) فظهر عند بلزاك بمعنى العصر الحديث وعند بودلير بمعنى بؤس الحاضر، وعند نيشته بمعنى العدمية، ولم تأخذ الحداثة أبعادها وذروتها إلا في العقود الأولى من القرن العشرين في التكعيبية الفرنسية والتعبيرية الألمانية والمستقبلية الإيطالية والتكعيبية المستقبلية الروسية والصورية الانكلو ساكسونية .. في المعاجم العربية تعني الحداثة نقيض القديم، والانتقال من اللامتحقق إلى الوجود (حداثة السن، وأحداث الدهر وحدثانه والحديث النبوي الشريف..) ويبدو الفرق جليا بين نشأة المصطلح ومنطق الحداثة في العالمين الغربي والعربي.
أوربيا تجلت الحداثة في حركة الإصلاح البروتستانتي وفلاسفة عصر التنوير وإرساء الدولة البرجوازية وأخذت بعدا جماليا مع الناقد الفني كليمنت غرينبرغ (1909- 1995) وما لبثت أن أثرت في وسائل الإعلام السينما والمسرح، العمارة، الدين، الرقص، الموسيقى.. وعلم الاجتماع والسلوكيات الفردية والمجتمعية.
عربيا يوصف أبو نواس بأنه بودلير العرب و أن الغزالي هو توما الاكويني عند العرب وان جبرا جبرا هو بروست العرب. الوصف دلالة على التأثر بالمرجعيات الغربية لكنّ نقادا عرب مثل محيي الدين اللاذقاني وعصام محفوظ يريان أن الجاحظ والتوحيدي والحلاج والجرجاني من آباء الحداثة العربية الصافية.
يثير مصطلح النهضة العربية مصطلحات الإصلاح، والتنوير، واليقظة.. وأسماء أعلام مثل فرنسيس المراش ورفاعة الطهطاوي ومحمد علي والخديوي اسماعيل وخير الدين التونسي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وفرح انطون وشبلي شميل واحمد فارس الشدياق وجرجي زيدان وابراهيم اليازجي وطه حسين وجبران جبران .. انتقل الإصلاح من الحيز السياسي و الديني إلى الاجتماعي والشعبي وأفرز عصر النهضة عناصر حداثية مثل الانتقال من مقولة الأمة الإسلامية إلى مقولة الأمة العربية والعروبة تحت تأثير أفكار العازوري وأمين الريحاني كما حصل نزوع نحو التعقل والعقلانية وبروز مصطلح حرية الإنسان كقيمة أساسية وظهر مصطلح تحرر المرأة عند النهضويين ( الطهطاوي ومريانا المراش وماري عجمي ومي زيادة وعائشة التميورية وزينب فواز ولبيبة هاشم وعفيفة كرم وملك حفني ناصف.. ) .كما رشحت عن حركة النهضة طروحات علمنة تأسيا بفولتير الشهير بمعاداته للدين (روحي الخالدي وجبرائيل دلال الحلبي وطه حسين في كتابه في الشعر الجاهلي وعلي عبد الرازق –وكتابه الإسلام وأصول الحكم)
أما تجليات الحداثة في الأدب فظهرت على يد مجموعة شعراء ومجلات أدبية مثل القيثارة 1946 في اللاذقية التي برز فيها أورخان ميسر وعلي الناصر ومجلة شعر 1957 التي نشأت في أحضان الحزب القومي السوري الناشد وحدة الهلال الخصيب والمنادي بالعلمانية والديمقراطية. تجاوزت مجلة شعر من التحديث الشعري إلى الثقافي والحياتي، ونادت بالانتقال من الدور الإلهي إلى الدور الإنساني وبرزت مجموعة من الشعراء مثل محمود درويش وأنسي الحاج وجبرا جبرا والسياب والبياتي وقباني والماغوط ونازك الملائكة ونزيه أبو عفش والمقابح والفيتوري وفؤاد رفقة وسعدي يوسف...
يعتبر جمال شحيدّ الرواية العربية التي عانت مخاضا صعبا العمود الفقري للحداثة، لارتباطها بزمنها دون الانفصال عن التراث ولقدرتها على التعبير عن مكونات الواقع وصراعاته وقد بقيت مرتبطة بالرواية الغربية حتى الحرب العالمية الثانية. كما نشط المسرح العربي مع مارون النقاش (1817 – 1855) واحمد أبو خليل القباني وجورج ابيض وتوفيق الحكيم وسلامة حجازي وسيد درويش ونعمان عاشور وزكي طليمات ولاحقا سعد الله ونوس والفريد فرج وسعد الدين وهبة ويوسف إدريس ومصطفى الحلاج ووليد إخلاصي وروجيه عساف ونضال الأشقر. أما في اللغة فقد أخذت مفردات (الأمة، الوطن، الحكومة العدل، الحرية، الفرد..) معاني تجاوزت معانيها القاموسية القديمة واستعانت اللغة العربية الفصيحة بالعامية للتعبير عن معان دقيقة ودار صراع بين القدامة والحداثة لغويا وكان من أسباب التجديد اللغوي هجرة الريف نحو المدينة وتطعيمها باللهجات والمفردات والمفاهيم .. ونزعت الحداثة القدسية عن اللغة العربية وغدت بسيطة مع الاحتفاظ بروحها.
يشير تأثير الميديا على الحداثة إلى دور الصورة والأيقونة. و قدمت أسماء مثل الفيلسوف الكندي مارشال ماك لوهان 1911 – 1980 والباحث الفرنسي اينياسو رامونية والفرنسي ادغار موران وبيير برودو والناقد الفرنسي بول فريليو تحليلا للثورة الالكترونية و مظاهر تداخل الأدب والأيقونة والصورة والكلمة التي برزت بقوة مع كتابات الفرنسي آلان روب غرييه و الأسباني فرناندو اربال و الفرنسيان جان كوكتو واندريه مالرو . وساهم أدباء في كتابة السيناريو مثل جاك بريفير ونجيب محفوظ و جان بول سارتر وذهب روبير ديسنوس إلى القول أن الحب المعاصر ناجم مباشرة عن السينما وأصبح الفن السابع فنا اساسيا وتسرب إلى الفن الروائي كما في رواية ميرمار لنجيب محفوظ وتسرب السيناريو إلى الأدب ( يوسف إدريس و الياس خوري ومحمد شكري) ويمكن اعتبار رائعة بريفير (أبواب الليل) عملا شعريا و سينمائيا و من كلاسيكيات السينما وتراث الفن العالمي. وطغى الأدب الايقوني على وسائل التعبير فأربعة أخماس البشر يمضون خمس ساعات يوميا أمام الصورة. يختلف مالرو مع كثيرين بقوله أن الصورة تترك حيزا معقولا من الحرية وليس وسيلة غسل للادمغة كما هو شائع . لكنّ المؤكد أن بلاغات الصورة جعلت الكلمة تهرم وتشيخ وربما أشرفت الصورة في بعض البلدان على الشيخوخة. الحداثة نفسها تشيخ وتتفكك إلى تيار اسمه ما بعد الحداثة ساهم فيه كثيرون أمثال ميشل فوكو ونيشته الذي نادى بالسلوك البدائي غير المجتمعي وأعلن قتل الإله . وفرويد الذي نادي بالعودة إلى ديونيسوس ومبدأ اللذة و الشعور والجنس .. لكنّ الحداثة تتضخم بسبب الاستهلاك السريع للغة والعلامات وبسبب غروب الأيديولوجيات وتسليع الفن والثقافة و الفصل مابين الفضاء الثقافي والتقني لصالح ما بعد الحداثة . ما بعد الحداثة أزمة حضارية في كل المجالات باستثناء فن العمارة.
تتميز ورقة جمال شحيد بالكثافة والإجمال والبانورامية والرصانة أما ورقة وليد القصاب فتحولت إلى محكمة إيديولوجية لحركة الحداثة وثقلت بالإسهاب والتكرار وخلط الأمثلة.
الكتاب: خطاب الحداثة في الأدب – الأصول والمرجعية
التأليف: الدكتور جمال شحيد والدكتور وليد قصاب
الناشر: دار الفكر، دمشق، 2005
يقع الكتاب في 416 من القطع الوسط