لأني إذا مِتُّ أخجلُ من دمعِ أمي
2008-08-15
لو كان محمود درويش يدركُ كمْ قلبا عربيا، من مثقفين وشعراء وقراء ومناضلين وقوميين، يتعلّق بقلبه الآن، وهو راقد بمستشفاه ميموريال هيرمان في هيوستن بولاية تكساس بالجنوب الأمريكي بين يدي أطبائه، ما مات. لو كان يدري كم روحا تتوجه للسماء تصلي من أجله وتدعوه للعودة فارسا للشعر النبيل، لهزم الموت مثلما هزمه من قبل في أواخر التسعينيات في عملية قلب مفتوح مشابهه لما يمرُّ بها الآن فكتب جداريته العظيمة بعدما أخفق الموتُ في إخماد خفق قلبه فقال: "هزمتُك يا موتُ/ الفنونُ الجميلة جميعُها هزمتك/ سوف أكون ما سأصيرُ في الفلك الأخيرِ/ وكلُّ شيء أبيضُ/ البحرُ المعلَّق فوق سقفِغمامةٍ بيضاءَ/ واللا شيءُ أبيضُ في سماء المُطلق البيضاء/ كُنتُ/ ولم أكُن/ فأناوحيدٌ في نواحي هذه الأبديّة البيضاء/ جئتُ قُبيَل ميعادي:/ فلم يظهرْ ملاكٌ واحدٌ ليقولَلي:/ "ماذا فعلتَ/ هناك/ في الدنيا؟"
لكنه يعرف! وماتَ رغم هذا! يعرفُ مكانتَه ومكانَه. يعرف قامتَه في مدونةِ الشِّعر ومُقامَه في قلوب الشعراء. يعرف كيف هزّت كلمتُه أركانَ الكنيست والمجتمع الصهيوني على نحو أشرسَ مما فعلتِ الرصاصاتُ والمدافع. يعرفُ أن قصائدَه شحنتِ المناضلين بالطاقة وغذّت جيوبَهم بالذخيرة. فلماذا مات؟ كيف لم يهزمِ الموتَ هذه المرةَ أيضا؟ كيف سمحَ للموت أن يخطفَه من بيننا فيما ما نزال نحتاج إليه احتياجَنا الشعرَ والهواءَ وجلاءَ المحتّل وعودةَ القدس؟ كيف للرجلِ أن يلملمَ أوراقَه ويرحلَ هكذا سريعا قبل أن يرى العابرين بين الكلمات العابرة يحملون أسماءهم وينصرفون كما أمرهم أن يحملوا أسماءهم وينصرفوا؟
وهذه الأرضُ قد أطلعته على أسرارِها. "قالتْ لنا الأرضُ أسرارَها الدمويةَ/ في شهر آذارمرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمسُ بنات/ وقفن على باب مدرسة ابتدائية/ واشتعلن معالورد والزعتر البلديّ/ افتتحن نشيدَ التراب/ دخلن العناق النهائيّ/ آذارُ يأتي إلىالأرض/ من باطنِ الأرض يأتي/ ومن رقصة الفتيات/ البنفسجُ مال قليلاً ليعبرَ صوتُالبنات/ العصافيرُ مدّت مناقيرَها في اتّجاه النشيد وقلبي/ أنا الأرض/ والأرض أنا/ خديجة! لا تغلقي الباب/ لا تدخلي فيالغياب/ سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل/ سنطردهم عن حجارة هذاالطريق الطويل/ سنطردهم من هواء الجليل". فكيف يموتُ دون أن يطلعنا على أسرار الأرض؟
كيف يخونُ وعدا قطعَه على نفسه ألا يموتَ قبل أمِّه كيلا يفجعها فيه؟ كيف سيواجه ثَكلَها ودموعَها تسيلُ حارقةً فوق وجنتيها مع دموع ملايين ممن أحبوه وحفظوه في عقولهم وقلبوهم شعر وإنسانا ومقاتلا أبيضَ اليدين؟ قال إنه يعشق عمره لأنه لو مات سيخجل من دمع أمه؟ "أحنُّ إلى خبزِ أمي/ وقهوةِأمي/ ولمسةِ أمي/ وتكبرُ فيَّ الطفولةُ/ يوماً على صدرِ يومٍ/ وأعشقُ عمريلأني إذا مِتُّ
أخجلُ من دمعِ أمي/ خذيني أمي إذا عدتُ يوماً وشاحاًلهُدبِك/ وغطي عظامي بعشبٍ/ تعمّدَ من طُهْرِ كعبكِ/ وشُدّي وثاقي/ بخصلةِشعرٍ/ بخيطٍ يلوِّحُ في ذيلِ ثوبكِ/ عساني أصيرُ إلهاً/ إلهاً أصيرْ/ إذا مالمستُ قرارة قلبكِ/ ضعيني إذا ما رجعتُ/ وقوداً بتنّور ناركِ/ وحبلَ غسيلٍعلى سطحِ داركِ/
لأني فقدتُ الوقوفَ/ بدون صلاةِنهارك/ هَرِمتُ فردّي نجومَ الطفولة/ حتى أُشاركَ صغارَ العصافير دربَ الرجوع/ لعُشِّانتظارِك."
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |