كتاب / صناعة الآلهة عند الموحدين / 6 ـ7
2008-08-27
كتاب / صناعة الآلهة عند الموحدين / 6ـ 7
ملاحظة / موضوع الكتاب لا يعطي أي مسوغ لذكر المصادر
وفي هذه المرحلة نجد إن رب (بلال) عاش صراعاً دموياً مع رب (أميـّة) ، ورب (محمد) جاء لينقضّ على رب (أبي سفيان) ، وهو صراع وجود وليس صراع حدود ، وما الحرب التي عاشها المسلمون في بداية انتشار الإسلام إلا وسيلة لنصرة ربهم الجديد على الأرباب القدامى الذين باتوا يسمحون بالجريمة ويتغاضون عنها ، فجاءت حربهم لتحمل تأييداً لدينهم الجديد على الأديان القديمة التي باتت منسلخة عن الإنسانية ومنتقلة نحو الحيوانية أو أدنى ، مع وجود الندرة من المحافظين على المنهج الحقيقي للدين ، والذين يقبعون خلف قضبان الخوف من سطوة أباطرة الدين الفاسد .
إن صراع (الوجود) بين الله – سبحانه - والآلهة ، تحول فيما بعد إلى صراع (حدود) على أرض الواقع بسبب ركون المسلمين إلى الدعة ، فحين انهزمت الآلهة المتعددة أمام (الله) الإله الواحد جل ثناؤه ، لم تقبل الآلهة المنهزمة بالهزيمة المطلقة ، فبدأت تتشبث بحق الدفاع ، وركنت إلى مشروع صراعها الجديد الذي تحول عندها بعد الهزيمة العسكرية على الأرض من (صراع وجود) مضمون الخسارة إلى (صراع حدود) قابل للربح والخسارة ، فبدأت آلهة قريش تكمن في مناطق هزيمتها ، ريثما يتأتى لها الزمان والمكان المناسبان ، كي تبدأ باستئناف نشاطها من جديد عبر عبادها الذين تضررت دكاكينهم ومصالحهم على يد أتباع الإله الجديد القوي ، ورضيت أن تحول صراعها المصيري إلى حرب (عصابات) وحرب شوارع ، وحرب مؤامرات وأجندات ، واستطاعت أن تجمع من حولها أولي الحيلة والمكر وتضعهم في حالة (السبات) والكمون المؤقت ريثما تتغير الفصول .
فالتخلي عن السلطة ليس بالأمر الهين ، وعملية الانتخاب ليست مستساغة عند الأنظمة الديكتاتورية ، وحتى لو سلّم الديكتاتوريون بالانتخابات فثمة مبدأ للخديعة والتزوير والتآمر يمكن أن يمنح السلطة القدرة على مصادرة أصوات الناخبين ، ولذا فالسلطة تكمن ولا تستسلم ، وتناور ولا تنهزم .
إن أغرب تشخيص لحالة الانقلاب هذه يمكن لنا أن نقرأه في خطبة الإمام الحسين (ع) في كربلاء ، وقبل استشهاده على يد أتباع الآلهة المتعددة حين قال بالحرف الواحد (الناس عبيد الدنيا ، والدين لعقٌ على ألسنتهم ، يحوطونه ما درّت معايشهم ، فإذا مُحّصوا بالبلاء ..قل ّ الديّانون) ، وهذا من أروع أشكال التشخيص لحالة سبات الآلهة القديمة في نفوس أتباعها ، وهو – ع – لم يقل (الناس عباد الدنيا) بل قال (عبيد الدنيا) وهو أقل درجة من العبادة ، لأنه يعرف بأن هؤلاء لا يقرون على أنفسهم أنهم يعبدون الدنيا ، فهم يرون أنفسهم من الموحدين ، بيد أنهم من صنـّاع الآلهة ، وهم عبيد أراذل للمصالح والمنافع الدنيوية .
إن من الأخطاء الغير مغفورة التي وقع بها الأعم الأغلب من المسلمين الأوائل هو تصورهم بأن آلهة قريش وأصنامها قد تلاشت من الوجود لمجرد أن قال فلان أو فلان كلمة (أشهد أن لا إله إلا الله) أو لمجرد أن انتهى معول الإسلام من هدم هياكل الأصنام ، أو لمجرد خلو البيت العتيق من أكوام الأحجار المقدسة آنذاك ، متناسين حقيقة إن هذه الآلهة لم تكن لتتنازل عن حقها في الوجود بهذه السهولة ، وغير مدركين أن (إبليس) أقسم من قبل قائلاً :- (فبعزتك لأغوينهم أجمعين) ، وإن هذه الأصنام (لم ولا ولن) تتجرد عن سلطتها لمجرد هزيمة في بداية المعركة وليس من المتوقع من هذه الأرباب وأتباعها وعبيدها وعبادها أن يستكينوا لتراثهم الذي ذهب نهباً ، وإن أتباع هذه الآلهة والأصنام سوف لن ينسوا عهد الربا والرق والعبيد والترف والجواري والخمور والسفاح .
من الغريب أن يحتفي المسلمون بانتصارهم على الدين القديم ، ويبشرون بديمومة دينهم الجديد (إلى الأبد) ، متناسين بأنهم لم ينقضّوا على فكر واعتقادات ، بل كان انقضاضهم على شخوص وأفراد ، وبالتالي فالديمومة التي يحلمون بها لدينهم هي ليست ممتنعة عن الدين القديم ، وكما يرون لأنفسهم حق النصر والاستمرار فالآخرون يمتلكون نفس الحق والطموح ، وإن تمسكهم بدينهم لا يختلف عن تمسك الآخرين بأديانهم ، وإن سر قوة الدين الجديد لا تختلف عن سر قوة الدين القديم ، وما عملية (إزهاق الباطل) إلا مرحلة من مراحل الصراع ، ولا تعني إزهاق الروح من الجسد بالكامل .
كان المفترض بالمسلمين الجدد – في زمن الإسلام الأول - أن يعوا بأن الانقلاب والانقضاض على مكاسب ثورة الدين الجديد لابد آت عن قريب أو بعيد ، وأن (الطاقة الكامنة) في نفوس أعداء الدين الجديد لا يمكن أن تفنى ، وهذا ما نبههم إليه الله جل ثناؤه وأنبأهم به في كتابه حين قال :- (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، أ فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً ) .
ولسنا بحاجة إلى كثير من الذكاء ولا إلى عين ثاقبة كي نفهم بأن نهاية النص القرآني تثبت عدم إمكانية إلحاق الضرر بالله سبحانه ، ولكنها بنفس الوقت لا تمنع أو تنفي إمكانية إلحاق الضرر بالدين الجديد ، فالنص لم يقل :- فلن يضر الدين شيئاً ، بل قال (فلن يضر الله شيئاً) وعليه فالضرر آت ، وهو منوط بالانقلاب ، ومجرد وجود الضرر فهو عقوبة للمسلمين الذين تكاسلوا عن الانتباه للآلهة الكامنة خلف الأسوار والتي تتربص بالمسلمين ودينهم .
ونجد الكثير من إشارات التنبيه لإمكانية عودة هذه الآلهة وتسلط أتباعها في أقوال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , منها قوله صلوات الله وسلامه عليه وآله :- (ولد الإسلام غريباً ويعود غريباً) ، أو قوله (ص) :- (وستنقسم أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار ، إلا واحدة هي الناجية) وغيرها من التحذيرات والتنبيهات إلى إرهاصات العودة للدين القديم وولادة أو خلق أو عودة ثلاثة وسبعين إله ونبي وكتاب وسنة ، ولذا فاثنتان وسبعون فرقة في النار ، ذلك لأنهم - وما يعبدون من دون الله - حصب جهنم .
ومن المؤسف أن نجد موقفاً إسلامياً سلبياً يكاد أن يكون موقفاً عاماً لدى المسلمين ، فبدلاً من الحيطة والحذر المفترض اتخاذهما من قبل المسلمين تحسباً لاشتعال جذوة الآلهة القديمة نجد المسلمين يغضون بطرفهم عن الصيرورة الجديدة للدين القديم الكائن في (السقيفة) والمتمثل في الانقلاب العسكري الأول للمسلمين على الإسلام ، ويطأطئون رؤوسهم أمام المجالس و(اللوبيّات) التي بدأت تروج للدين القديم من جديد ، رغم سماعهم لكثير من إشارات الرغبة العلنية والواضحة لدى البعض في عودة الدين القديم ، ومعرفتهم بامتعاض بعض الشخصيات (الإسلامية) من ورود ذكر الرسول الأعظم - ابن أبي كبشة كما ينعته معاوية - في الآذان كل يوم خمس مرات ، ولم ينتبهوا إلى ضرورة فرز الأوراق لمعرفة الشخوص التي دخلت إلى الإسلام لأسباب سياسية ، أو اقتصادية ، أو لأغراض المناورة ، ولم ينتبهوا إلى إن هذه الشخوص تريد (تسييس) الدين من جديد .
إن قيادات وأتباع الدين القديم لم يكونوا سلبيين ومتكاسلين كما هو حال الطيف الأعرض من أتباع الدين الجديد ، بل كانت مؤامراتهم وتجمعاتهم واجتماعاتهم ولوبيـّاتهم وأجنداتهم وخططهم تجري على قدم وساق من أجل انتظار ساعة الصفر للانقضاض على الدين الجديد، وصنـّاعهم لم يألوا جهداً في صناعة وتصميم وتكوين (حصان طروادة) ليدخلوا (المدينة) المخمور أهلها بنشوة الانتصار الموهوم .
فهم ينطلقون من معنى (تقبيل اليد التي لا يمكن بترها) ، وهم يعرفون بأن السباحة عكس التيار قد لا يتأتى منها غير التعب والفشل والافتضاح ، ويعرفون بأن أفضل خطوات هدم البناء هي الخرق أولاً ، والنقر على الجدران من الداخل ثانياً ، وهذا ما تنبه له أعداء الإسلام المعاصرون ، فبدأوا بنخر الإسلام من الداخل ، وأعدّوا شخصيات إسلامية لتقوم بتحريف وهدم الدين ، مستغلين بذلك عبادة المسلمين للعمامة وطاعتهم العمياء الصماء البكماء لكل من يتلبس بلبوس الدين ، وصدق قول القائل حين يقول ( نحن قومٌ إذا خودِعنا بالله ، خٌدعنا) ، وقبل هذا فعلها إبليس مع آدم وزوجه حين (قاسمهما إني لكما من الناصحين) ...(فأخرجهما مما كانا فيه) .
وريثما تأتي ساعة الصفر ، كان هؤلاء يعملون في الخفاء من أجل تأسيس حالة من الاستعداد النفسي لدى أتباع الدين الجديد في العودة إلى الوراء ، وبدلاً من مهاجمة الدين الجديد من الخارج ، بدءوا بمهاجمته من الداخل عبر التسلل و (وضع الروايات) و (وضع الأحاديث) ، وتهيئة الوعي الجمعي لدى المسلمين ودفعهم لقبول العودة إلى نقطة البداية ، وهنا نفهم قول معاوية في خطبته بمناوئيه وأتباعه من أهل الشام حين قال :- (ما قاتلتكم للصوم والصلاة ، فأنتم تصومون وتصلون ولكنني قاتلتكم كي ........) وهنا سأترك بقية الخطبة ليبحث عنها القارئ لأني لا أريد حرمانه من متعة المفاجأة ، ولمزيد من المتعة والمفاجأة أجد من المناسب أن يراجع القارئ الخطبة الأولى لمروان بن الحكم بعد توليه الخلافة مباشرة .
وقد نجد إشارة أخرى بعثها أحد المسلمين (القياديين) الجدد من الذين ما فتئوا ينتظرون ساعة انهيار الدين الجديد ، هذه الإشارة بعثها (أبو سفيان) عند قبر سيد الشهداء (حمزة بن عبد المطلب) الذي سقط دفاعاً عن الدين الجديد ، وذلك بعد أن تولى عثمان بن عفان خلافة المسلمين ، فحين قام أبو سفيان _ وقيل إنه كان أعمى _ بلمس قبر حمزة شرع قائلاً :- (إيه أبا عمارة !!! الأمر الذي تناجزنا عليه بالسيوف والرماح صار رميـّة بيد صبياننا) .
ولست أعرف أو لست متأكداً مَن (الصبي) الذي يعنيه أبو سفيان هل هو معاوية أم عثمان أم مروان ، وعلى كل حال فكلهم من بني أمية ، وكلهم ينتمون لنفس الثقافة والتربية وعوامل الوراثة ، وكل منهم حمل (آل أبي معيط) على رقاب الناس ، وليس عثمان – لوحده - من حمل آل أبي معيط على رقاب الناس كما كان يخشى الخليفة عمر بن الخطاب .
ورغم هذا فلم ينتبه المسلمون الكسالى الجدد لهذه الإشارات وغيرها ، بل آثروا العافية ، واتخذوا لأنفسهم طريقاً جديداً هو طريق الـ (لا مبالاة) وانشغلوا بهموم الفتوحات والغنائم ، ولم تعنهم إرهاصات انهيار الدين الجديد بشي .
أما القلة من المتنبهين ، فقد أُحصروا في زوايا التقهقر ، وتكالبت عليهم جموع الرعاع ، ولم يكن بوسعهم إلا أن يضعوا لأنفسهم مشاريع جديدة يتصدون بها لصحوة وانبعاث الآلهة القديمة ، محاولين – جهد إمكانهم – أن يحدّوا من تقدمها وتوغلها داخل المجتمع .
إن الآلهة القديمة – وأنصارها - لم تفوّت على نفسها فرصة استغلال غياب شخص الرسول الأعظم ، ولم تكسل في لحظات قوة أو ضعف الدين الجديد ، بل استجمعت قوتها ، واستنفرت جندها ، وأعدت لأتباع الدين الجديد ما استطاعت من قوة ومن رباط الخيل ، وبدأت بنخر الدين الجديد عبر زرع الألغام في طريق مسيرته ، ووضع الأسلاك الشائكة في طريق أهل الدين وأتباعه الحقيقيين ، فعلي (ع) جليس بيته ، وعمار عرضة للسخرية ، وأبو ذر ينفى للربذة ، وفلان تقتله الجن في الصحراء ، وفلان يتهم بالردة ويقتل ، وفلان يُضرب في السوق ، وتشتد المطارق على أهل الدين ، وتدور العيون حولهم للمراقبة ، وهذا ما نتلمسه في خطبة السيدة فاطمة الزهراء (ع) حين خطبت بالمسلمين بعد (اغتيال) أو وفاة والدها الرسول الأعظم (ص) ملمحة إلى المعنى الذي أردناه ، حين قالت :- ولما اختار الله لنبيه دار أنبياءه ، ومأوى أصفياءه ، ظهر فيكم حسيكة النفاق ، ونشط خامل الأقلين ، ونطق كاظم الغاوين ، وأطلع الشيطان رأسه من مغرسه فيكم ......... الخ .
وفيها إشارات واضحة لسنين السبات التي مرت بها الآلهة القديمة وأتباعها وتربصها بالدين الجديد ، ومحاولة اقتناص الفرصة للعودة من جديد ، وليس هناك قول أبلغ من قولها عليها السلام وهي تصف حال أتباع الدين القديم في أزمنة المحنة التي عاشها الدين الجديد في بداياته في الخطبة ذاتها حين تقول :- وأنتم في رغد من العيش ، وادعون ، فاكهون ، آمنون ، تتربصون بنا الدوائر ، وتتوكفون بنا الأخبار .
راسم المرواني
[email protected]
البقية في العدد القادم
ملاحظة / موضوع الكتاب لا يعطي أي مسوغ لذكر المصادر
آلهة المتدينين ضد إله الأنبياء
رغم الفارق بين كلمي (الرب) و(الإله) ألا إنهما يأخذان عند البعض معنىً واحداً يمكن اختزاله بكلمة (الله) ، ولكن كلمة (الله) - أو مرادفاتها في بقية اللغات - تأخذ عند الأعم الأغلب من الناس أشكالاً متعددة ، فتارة يكون (الله) أنموذجاً نتولى مهمة تشكيله على وفق أذواقنا ورغباتنا ومتطلباتنا ومتبنياتنا ، وتارة يأخذ شكل (طوطم) نصنعه في (لا وعينا) ونرسله بإشارات إلى الخارج ونبدأ التعبد به ونصدقه ونروِّج له بشكل غريب وهناك تصريح تشخيصي قرآني بذلك (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله) 165/البقرة .
وتارة أخرى نجد هذا الرب يقوم منبعثاً من نفوسنا ، أو قل تتم تغذيته داخل نزعاتنا الشخصية كالذي يتخذ إلهه (هواه) ، وأغلب الأحيان نتعبد بـ (إنسان) نجسد فيه شكل وحجم وهيئة (الله) ثم نقول هذا هو ممثل الله ، ونلقي عليه رداء العصمة والحكمة لأننا ضامنون بأنه سيكون لنا نعم الممثل عن الرب ونبدأ بشحذ ألسنتنا وسيوفنا وأسلحتنا للدفاع عنه ونصرته ظالماً كان أو مظلوماً ، محقاً كان أو مبطلاً ، وقد يكون الإله الرب مجرد فكرة ، ولكن تبقى الحقيقة العليا بأننا لم نقدر الله حق قدره ، بل قدرناه انطلاقاً من متبنياتنا وقدراتنا على تقريب الإله من المادة .
وعلى كل حال فليس بوسع الإنسان أن يتنازل عن إلهه الذي تربى معه وسايره طوال سنين عمره بسهولة ، وليس بوسعه أن يتخذ إلهاً غيره ببساطة ودون نضال ، وحتى لو فُرضَ عليه الإله الجديد فرضاً ، فسرعان ما يبدأ الإنسان بتحجيم وتركيب وتشكيل الإله الجديد على نفس مقاسات إلهه القديم الذي يعرفه ، وهنا تكمن قوة الإنسان الحقيقية حين يستطيع التخلص من صداقة وبراثن ومحبة وسحر الإله (المنتخب) القديم ، واستبداله بإله جديد قد يغير الأغلب الأعم من متبنيات هذا الإنسان وقناعاته وأفكاره وسلوكه ورغباته ، وهنا يمكن تفسير معنى قول الله (فمستقر .... ومستودع) .
ففي أحلك ساعات المسلمين الأوائل ، وفي ساعات ينبغي للإنسان أن يكون أقرب ما يكون إلى الله ، وأعني بها ساعات الحرب وميادين القتال التي تبلغ بها القلوب الحناجر ، وفي زمن كان فيه الوحي يروح ويجئ على الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ، وفي زمن كان فيه النبي صلوات الله وسلامه عليه وآله يعيش بشحمه ولحمه ودمه بين المسلمين ، نجد الكثير الكثير من المسلمين يحاولون التنصل عن (الله) الذي جاء الرسول مبشراً به ، ويحاولون التنصل عن سلطته المتمثلة بسلطة الرسول الأعظم وتبليغاته التي لا تتلاءم ولا تتناغم مع طباع وتراكمات النفس التي شذبتها ثقافة العصبية القبلية ومشروعية وأد البنات وحمية الجاهلية الأولى وغيرها من الاندفاعات والمتبنيات والموروثات .
وهذه التداعيات ليست حصراً على خاتم النبيين ، فقد سبقه الى هذه المعانات أخوته من الأنبياء السابقين ، واستمر على هذه المعانات أتباعه المخلصون .
فـ (بطرس) كان قد تبرأ من السيد المسيح (ع) ثلاثاً قبل صياح الديك بسبب عدم ثقته بالإله الذي بشر به السيد المسيح (ع) ، والسامري استغل غياب موسى ليصنع الثور الذي له خوار واستطاع أن يدغدغ رغبة اليهود للعودة إلى الآلهة القديمة الحميمة ، وكثيرة هي نماذج الانقلاب في أزمنة الأديان .
وعلى سبيل المثال لا الحصر ، وفي الوقت الذي يقول فيه (الله) ونعني به إله محمد صلى الله عليه وآله :- (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) نجد قوماً يضربون بطاعة الله وطاعة الرسول عرض الجدار ، وينـزلون من جبل (أُحُد) رغم تشديد الرسول عليهم بالبقاء على سفح الجبل ليحموا مؤخرة الجيش الإسلامي ، فيتسببون - نتيجة لعصيانهم - بانكسار المسلمين ، ويحوّلون النصر إلى هزيمة ، ويتسببون بقتل أخوة لهم ، وهذا دليل على وجود حسحسة لـ (الله) القديم لدى بعض المسلمين يضعونه بإزاء (الله) الجديد الواحد الأحد الذي أمروا أن يعبدوه ويطيعوه ، وهو إله لا يبرر لهم عصيانهم الرسول ، ولا يبرر لهم الخروج عن سلطته المقدسة ، ولا يسمح لهم بـ (الاجتهاد مقابل النص) .
وحين يقول (الله) الذي بشر به الرسول الأكرم :- (ما أتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم فانتهوا عنه) وحين يقول الرسول الذي من المفترض أنه قائد وإمام للمسلمين :- (لا) تصلوا علي الصلاة البتراء ، نجد قوماً - كانوا وما زالوا - يضربون بهذه الـ (لا) عرض الجدار ، ويصرون على الصلاة البتراء ، بل ويعتبرونها من مكملات شخصيتهم ، ومن وسائل التعبير عن معتقدهم الذي أوحاه لهم ربهم الجديد الذي ليس هو الله ونبيهم الجديد الذي هو ليس محمد (ص) .
وحين يقول (الله) الذي يعبده محمد صلى الله عليه وآله (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) نجد أشخاصاً يستهترون بهذه الآية أيما استهتار ، ويقف أحدهم بكل امتهان وبرودة أعصاب وثقة ليرد رأي النبي صلى الله عليه وآله ، ورغبته في إدراج وإثبات وصيته العامة عند مماته ، ويقف هو وإلهه بإزاء طلب الرسول قائلاً (دعوه ، إن النبي ليهجر ، حسبنا كتاب الله) كل هذا لأن النبي (ص) قال (آتوني بقرطاس ودواة ، أكتب لكم شيئاً لن تضلوا بعدي أبداً) .
وليس بوسعنا إلا أن نتصور بأن إلهاً آخر سمح لهذا الشخص أن يركب مركب التعبير عن أسس جديدة للتعامل مع الرسول وأعتقد إنها أسس متأتية عن منهج أو دين جديد أو ربما قديم ، ولكنه حتماً ليس دين الرسول (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم ما يتبعون أهواءهم)50/القصص
التعددية والانشطار لدى الموحدين
إن أخطر ما يمكننا أن نتصوره هو أن يقع الموحدون تحت طائلة التعبد بالآلهة المنشطرة والآلهة المتعددة ، وانسياقهم نحو منـزلق استبدال الأصنام والأحجار بآلهة (معنوية) أو بشرية أكثر عدداً من آلهة الوثنيين ، كل هذا وهم مصرّون على أنهم موحدون .
هذا كله لمسناه عند الكثير من الناس رغم تأكيد الأديان على إن الله سبحانه وتعالى واحد ، لا يتجزأ ولا تحده حدود ، وليس بوسعنا تقسيمه أو حدّه أو تجسيده أو تجسيمه ، على الأقل لأنه جل ثناؤه (ليس كمثله شئ) وهذا أول الأسباب التي تمنعنا من الجرأة على تجسيمه وتجسيده وبالتالي تجزئته وتعديده .
بيد إن هناك إلهاً آخر عند الموحدين يضع رجله بالنار فتبرد ، ويرفع النقاب عن وجهه يوم القيامة ليراه العاشقون ويخلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم ينهكه التعب واللهاث فيجلس ليستريح في اليوم السابع ، وإله يدخل الجنة ويبحث عن آدم الذي اختبأ منه وراء الأشجار ، فيناديه (آدم !!! أين أنت يا آدم ؟؟) وليت شعري كيف يتسنى لهذا الإله أن يعلم غيب السموات والأرض وهو لا يجد شخصاً في نقس منطقته ؟ .
إن هذا لهو البهتان والجرأة على الله ، وهو ليس الله الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهو - أكيداً - إله لا يعرفه الأنبياء ولا يريدون معرفته .
وثمة معنىً مأخوذ من معنى الآية الكريمة (يؤمنون بقليل من الكتاب ، وكثيراً ينبذون وراء ظهورهم ) وهذا هو معنى الانشطار ، حين يتحول الإله الذي نؤمن به إلى شطرين أو أكثر ، فشطر معنا (بمحض إرادته) ، وشطر معنا (برغم إرادته) ، وهو إله لا يرتقي إلى الإله الذي جاء الأنبياء مبشرين به.
أما التعدد ، فالمقصود به انزياح البعض نحو آلهة جديدة ، وتنصلهم عن تعاليم وأوامر الإله الجديد تحت ذرائع من حديث (مختلق) ، أو نص غير موثق ، أو رواية جديدة ، وتعبدهم بمفاهيم وأسس طارئة على أصل الدين ، بحيث تنحى منحيين في الطروء ، فتارة تكون قديمة ومنبوذة فيعاد تأطيرها بإطار ديني وزجها في المجتمع وتارة أخرى تكون مستحدثة أو مختلقة فتأخذ حيزها في الفكر الديني .
فمثلاً ، حين يقول الله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) نجد الإله - الذي يؤمن به بعض المسلمين - يبدأ في انقلاب (السقبفة) بالانشطار إلى إلهين اثنين ، شطر واحدٌ يتطابق مع تطلعات المرحلة في إثبات الشورى بمحض إرادته ، وشطر آخر يلغي شرائط الشورى والإجماع و (اكتمال النصاب) وإثبات الوصية رغم إرادته، وذلك لوجود ذرائع من سلطة الكهنوت وسيوف لا تعرف معنى الحوار .
وحين يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه بإثبات الوصية ، نجد البعض يتخاتل على هذا الأمر ، ويبدأ بتفنيده لأغراض لسنا بصدد الحديث عنها ، وبالتالي نجد هنا إلهاً منشطراً ، شطره يأمر بالوصية وشطره الآخر ينفيها ، وشطر يقر الشورى والأغلبية ، وشطر يغمض عن عدم توفر شرائط الشورى ، وكلٌّ يدعي أحقيته في الفعل والقول .
تابعونا في الحلقات المقبلة
راسم المرواني
08-أيار-2021
24-أيلول-2008 | |
13-أيلول-2008 | |
02-أيلول-2008 | |
27-آب-2008 | |
08-آب-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |