الحلقة الأخيرة من كتاب صناعة الآلهة عند الموحدين
2008-09-24
ملاحظة / موضوع الكتاب لا يعطي أي مسوغ لذكر المصادر
الثورة ضد الدين و المتدينين
لو أننا تجاوزنا الكم القليل من أهل الحرص على الدين ، فإننا سنجد أن الكم الأكبر من أساطين الدين هم ممن ينسجون مملكاتهم على أنقاض جوع الإنسان وعوزه ، ولذا فإن من أخطر غايات رجال وعلماء الدين هي تحويل الإنسان إلى تابع مسلوب الإرادة ، يأخذ معطيات ومفردات حياته من دهاليز الدين التي يمنع من دخولها ، وقدرتهم على تحويله إلى كائن مسيّر بشكل سلبي نحو نقطة التلاشي والانهيار المقدس ، تحت ذرائع من الفتاوى والتوجيهات والاستفتاءات الضامنة لتبعيته المطلقة ، والضامنة لانغلاق ذهنيته وقدرته على التفكير والرياضة .
وأخطر من ذلك أن يتحول الإنسان إلى عابد – دون وعي – لإله جديد يسمى (رجل الدين) ويبدأ بالسجود المعبر عن الاحترام ، أو الركوع الراغب في الوصول إلى اليد لتقبيلها ، أو الانحناء بحضرة إنسان كان المفترض أن يكون من مواد إعادة الثقة والكرامة إلى نفسه .
سعداء هم رجال الدين بالصفات (الأنانية) التي يضفيها عليهم أتباعهم ، فهنا نجد (نيافة) الحاخام ، وهناك قداسة البابا ، وهناك (سيادة) المطران ، وهناك (سماحة) السيد ، و (فضيلة الشيخ) و (روح الله) و (آية الله - بنوعيها الصغرى والعظمى) و (حجة الإسلام والمسلمين) و(العلاّمة) و (الفهـّامة) وغيرها من الألقاب والصفات التي لا يلام الأتباع والرعاع إذا استخدموها ، ولكن يلام عليها سادة الرعاع الذين رضوا بها ورسخوها.
ولو إننا تتبعنا سيرة الأنبياء لوجدناهم يعيشون حياة الناس ، ويمشون في الأسواق ، ويأكلون القديد ، ويجلسون جلوس العبيد ، ليس لأنهم أناس عاديون ، وليس لأنهم لا يمثلون خطورة في مجتمعاتهم ، بل لأنهم يشعرون بأن انتمائهم للإنسانية هو الصفة الأهم ، وهو الخطر الأكبر ، ولأنهم يشعرون بأن القداسة لا تأتي من التسميات وإسباغ الصفات ، بل تأتي من هيبة الحق ، ولأنهم يعرفون بأن الأهمية لا تصنعها الأسماء والألقاب ولكن تصنعها قيمة التأثير في المجتمع ، ولأنهم يعرفون تمام المعرفة إن لقباً رنـّاناً قد يمنحهم الهيبة والخوف في قلوب أتباعهم ولكن لا يمنحهم المحبة التي تفتح لهم أبواب القلوب كي يدخلوا إليها ، ذلك لأن الأنبياء والصالحين يعرفون بأن المحبة تصنع الهيبة ، والعكس ليس صحيحاً ، فليس بوسع الهيبة والخوف أن تصنع المحبة ، ولذلك نجد أن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، قال في خطبته بعد استشهاد والده الحسين معدداً المزايا السبع التي منحها الله لهم ، وهي العلم والحلم والحكمة و..و.. الخ ، ثم ختمها بصفة أو مزية ربما هي خاتمة المزايا حين قال :- وأوتينا المحبة في قلوب المؤمنين .
إن الكثير من الألقاب الدينية لا تخلو من إشارة دنيوية ، فكثير من الألقاب الدينية تشبه بنغمتها وإيقاعها نغمة وإيقاع (سيادة) الرئيس و (سعادة) الوزير و (جلالة) الملك و (حضرة) الوالي ، وغيرها من الألقاب الدنيوية ، وبالتالي يمكن أن نتلمس فهمنا في إن هذه الألقاب – أعني الدينية – جاءت لتسد النقص الحاصل في رغبة رجال الدين في التسلط ، وحبهم للدنيا ، ونمو الـ (أنا) لديهم ، أو جاءت نتيجة رغبة الأتباع في إضفاء صفات وألقاب على أسيادهم حباً بهم أو خوفاً منهم أو تملّقاً لهم أو تنكيلاً بالآخر ، وبالتالي ، فقد تم ابتكار لقب ديني بإزاء لقب دنيوي ليكتمل طرفي المعادلة بين الدين والدنيا .
هناك الكثير من الناس يبررون هذه الألقاب على إنها ألقاب تتعلق بالدرجة العلمية ، كالدكتور والأستاذ والباحث والبروفيسور وغيرها ، ويعتبرون إن ألقاب البابا والمطران والبطريرك والخوري والقس والشماس أو آية الله أو حجة الإسلام والمسلمين والطالب الفاضل كلها ألقاب جاءت لتعبر عن مستوى علمي من مستويات الدراسة الدينية ، وهذا مبرر يتجه نحو السلب ، فحين نصف الأشخاص بهذه الصفات فكأننا نضعهم موضع (الموظفين) الحكوميين ، ونضفي عليهم صفة التمييز الوظيفي ، في حين إن المفترض أن مجرد وصول الإنسان إلى درجة الاجتهاد – ولو المتجزئ - فهو قد تجاوز درجة الدكتوراه ، وبلغ درجة علمية معتداً بها كأيّة شهادة أخرى ، على فرض أن الفارق بين الشهادتين أن الأكاديمي يبحث عن شهادته لأجل المال أو المنصب أو الوظيفة أو خدمة العلم وغالباً ما تكون سبباً متعلقاً بالدنيا والأنا ، بيد أن رجال وعلماء الدين يبحثون عن العلم لذات العلم ، ويؤدون به فريضة ، ويبتغون من ورائها خدمة البشر وقيادتهم الى التكامل ، ولذا فالمفترض أن لا تعنيهم التسميات والألقاب لأنها لن تخدمهم وظيفياً ، ولن تغني عنهم من الله شيئاً .
إن استخدام هذه الألقاب بشكل (كيدي) أو (غيضي) بين أفراد المجتمع قد يؤدي إلى خلق فجوة بين هؤلاء الأفراد داخل الدين أو الفرقة أو الطائفة الواحدة ، وبالتالي فقد يعمق من نقاط الخلاف ويوظفه باتجاه خلق أزمة قد تفضي إلى التشظي والفرقة ، وهي مشكلة تم حلها على الصعيد الأكاديمي ، حيث تتولى لجان علمية مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه وتضطلع بمهمة التقييم ، وهذا ما لا نجده في أسلوبية إضفاء الألقاب الدينية بسبب شعور رجال الدين بالقدسية والعصمة ، وترفعهم وتكبرهم عن الأكاديميين ، وشعورهم بأنهم طبقة أعلى من طبقات البشر ، وإحساسهم بأن فوق أية ضابطة يمكن أن تقنن هذه التسميات والألقاب.
لقد اضطر كثير من الشرفاء والأتقياء من علماء ورجال الدين أن يتنزلوا عن إيمانهم بعدم جدوى وأهمية الألقاب ، وأخذوا يكتبون تحت أسمائهم ألقاباً تحاكي المطروح على الساحة المؤسساتية الدينية ، كي يمروا أو يمرروا مشاريعهم المتعلقة بالتجديد ، بل نجد أن هناك من أصدر رسالة عملية وفتاوى في العبادات والمعاملات وهم غير مهتم بذلك ولا محتفي بهذا الإصدار ، لأنه كان يعتبر أن صدور رسالته العملية ستكون أشبه بجواز المرور داخل المؤسسة الدينية لكي تمنحهم القدرة على الحراك وقيادة المجتمع نحو الأفضل .
رفقاً بالأكاديميين والمثقفين
من غير المتعب أن نشخص سبب كراهية أو ابتعاد أو استهجان رجال الدين من الأكاديميين والمثقفين ، فمن الأخطاء الكبيرة التي وقع بها بعض رجال الدين هو تصورهم بأن الأكاديميين يمثلون ثقافة العولمة ، بل ربما كانت (اللحية) سبباً للقطيعة بين رجال الدين والأكاديميين ، هذا فضلاً عن كون رجال الدين يشعرون أنهم هم الأصل في العلم ولا علم غير ما يعلمون ، لأن كل العلوم الأخرى – بزعمهم – هي هراء وترهات لأنها لا تمس روح الدين والتدين .
وقد يشخص البعض سبب الفجوة بين رجال الدين والأكاديميين بأنه نتاج مسألة مهمة تتعلق بمحدودية وتخصص العلم الذي يحمله رجل الدين والمتعلقة بحقل واحد من حقول العلم وهو الدين ، بينما يكون الأكاديمي رجلاً موسوعياً يتنقل بين العلوم المختلفة ، وهذا ما يسبب حرجاً لرجل الدين في المحافل ، وحين يحتدم النقاش أو الحوار خارج دائرة العلوم الدينية ، ولذا يحاول الكثير من رجال الدين أن يختزلوا وجود الأكاديميين ولا يفضلون وجودهم مساوقين لهم في المحافل العامة ، لأن المسألة تتعلق بسرقة الأضواء .
إن العلاقة المهمة والصميمية بين (الحكم) و (الموضوع) بقيت خارج دائرة تسليط الضوء ، وبقيت مؤجلة في مشاريع وأجندات المناقشة ، وتناسى الكثير إن (الشيطان يكمن في التفاصيل) ، وعليه فقد بقيت مسألة الدخول إلى تفاصيل الموضوع مسألة تحتاج إلى مناقشة وتحليل معمقين .
إن مسألة مناقشة التفاصيل تفضي إلى أهمية الأكاديميين والباحثين ، وتعطيهم دوراً مهماً في التدخل بتفاصيل الموضوع المؤدي إلى الحكم ، فعلى سبيل المثال لو إننا أخذنا موضوع الحجاب كأنموذج ، لوجدنا إن الحكم فيه هو أن ترتدي المرأة حجاباً يسترها عن أعين الناظرين والمتطفلين والذين في قلوبهم مرض ، والحكم أن تستر المرأة جسمها إلا مواضع معينة ، هذا الحكم يتولى مسؤوليته (المرجع) المجتهد ، أما التفاصيل (التي يكمن الشيطان فيها) فهي من تخصص الأكاديميين ، فالمرجع لا يعرف نتائج نسبة وضع خيوط النايلون في نسيج القماش في رداء المرأة ، فقد تتحول هذه النسبة إلى وسيلة من وسائل الالتفاف على هذا الحكم ، حين يتحول القماش إلى وسيلة من وسائل الإثارة الواضحة والكبيرة في التصاقه بالجسد بحكم تولد شحنات كهربائية عند احتكاكه بالملابس الأخرى أو بجسم المرأة .
الغاية ، هي أن نعرف حدود تدخل رجل الدين ، وما هو دور الأكاديميين والباحثين ، فكثير من المتدينين يعتبرون سلطة المجتهد أو المرجع الأعلى أو رجل الدين تشمل كل تفاصيل الحياة ، وليس من حق أحد أن يتدخل في التفاصيل ، وبذلك سيتحول الدين إلى كائن غبي محصور بين زوايا الفتوى .
البعض الآخر يرى ضرورة أن يتدخل الكادر العلمي والبحثي في التفاصيل ، ويدعم الحكم الشرعي ، وما على المرجع سوى أن يتعامل مع الكليات ، أما الجزئيات فهي من اختصاص الباحثين ، وعليهم تقع مسؤولية تطبيق الحكم الشرعي في المجتمع ، وتحديد مدى إمكانية تطابقه مع روح العصر ، وبذلك تكون طبقة الأكاديميين والباحثين والمثقفين مؤتمنة على آليات تطبيق الحكم في المجتمع ، مما يؤدي إلى استنقاذ المجتمع من مغبة سوء فهم الفتوى أو التقافز عليها .
الحل الذي لا يقبل التطبيق
إن أحسن الحلول التي يمكن وضعها للحد من سلطة الكهنوت الـلا متناهية هي إقامة (المجلس العالمي للإفتاء) والذي يفترض أن يضم ممثلين من كل الأديان والطوائف التي تدعي التوحيد والانتماء لسلطة الله والأنبياء على وجه الأرض ، ويفترض بهذا المجلس أن يمارس سلطته الفتوائية بشكل صريح وواضح لقتل روح التشظي بين أفراد المجتمع الإنساني وإلغاء التعددية .
إن أبسط فوائد هذا المجلس أنه سيثبت لبني البشر بأن الأديان كلها تنبع من نقطة واحدة ، أو يوصلنا إلى قناعة أن الآلهة ليست متعددة ، بل هو إله واحد ، أما في حالة العجز عن تطبيق هذه الآلية فهي بوابة لفهم آخر يثبت لنا بإن مصدر الأديان ليس واحداً كما يدعي المدعون ،وإن كل الشعارات التي كان يرفعها رجال الدين وعلماءه ورغباتهم في توحيد البشر إنما هي محض ضحك على ذقون البسطاء وهي محض افتراء وهراء .
وليس بوسعنا أن نتحسس أو نتنبأ بنجاح (المجلس العالمي للإفتاء) ما لم يساوقه وجود (الهيئة الاستشارية العالمية للفتوى) التي ينبغي أن تضم مجموعة من العلماء والأكاديميين ليمارسوا دور التأسيس لمناقشة الفتوى وإمكانية تطبيقها وتسويقها داخل المجتمع الإنساني .
إن هذا الحل غير قابل للتطبيق – على الأقل الآن – بسبب روح العداء والفرقة والخلاف بين الأديان ، وبسبب وجود نفس روح العداء والاختلاف المفضي للخلاف بين أفراد الفرق والطوائف داخل الدين الواحد ، ولوجود الامتناع الشديد لدى أساطين الدين في أن يصبحوا جزءاً من كل ، أو يصبحوا محدودي الحركة ، أو يقعوا تحت طائلة الرقابة الإلهية العالمية ، وبذلك ستنهار سلطتهم وإمبراطورياتهم ومملكاتهم وممتلكاتهم وحساباتهم المصرفية ومؤسساتهم المالية .
انتهى الكتاب بعونه
08-أيار-2021
24-أيلول-2008 | |
13-أيلول-2008 | |
02-أيلول-2008 | |
27-آب-2008 | |
08-آب-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |