كتاب'عمر بن الخطاب.. السيرة المتوارية'
2007-05-11
عن موقع الأوان
يقوم الباحث والمترجم الحلبي مالك المسلماني في كتابه الثاني بعد كتاب "ميلاد الدولة الإسلامية" بدراسة شخصية الخليفة الثاني والمؤسس الثالث لدولة الإسلام، دراسة تستفيد من معطيات علم النفس وعلم الاجتماع. ينبه الباحث إلى أن كتابه محاولة تفسير قد تصيب وقد تخطئ ونتائجها غير يقينية. وأنه يتناول الشخصيات والوقائع بلغة غير اللغة الكلاسيكية، فمصطلح "الجاهلية" يصير عنده "ما قبل الإسلام"، و"المنافقون" يصبحون معارضين ومناوئين، والإسلام دعوة محمدية. ولا يتوقف الكتاب عند دراسة شخصية من كبريات الشخصيات الإسلامية بل هو لمحاولة فهم نشأة الإسلام وتطوره بقراءة تعليلية .
يعرف بداية بشخصية عمر بن الخطاب و نسبه إلى الأسرة العدوية ويلفت إلى وجود جذر حبشي من جهة الأم(جدة الخطاب كانت حبشية اسمها صهاك) الأمر الذي زاد ضعف نسبه، في مجتمع يفخر بالأنساب، الذي كان أدنى من ملأ قريش، والذي سيدخل أساسيات لاشعوره.
تتركز أطروحة الكتاب على ثلاث نتائج. فالباحث يرى أن وضع عمر بن الخطاب الاقتصادي الضعيف واختباره الفاقة باكرا كان وراء عداوتة اللاحقة للقرشيين الكفار، و يركز جلّ اهتمامه على علاقته بأبيه، التي كانت شديدة وغليظة، فيستنتج أن مركبا من مركبات عقدة أوديب تمخض عن العلاقة. المكون الثاني في شخصية عمر هو المحيط الثقافي والديني "الكتابي" التوحيدي، فثمة مشتركات تجمعه مع ورقة بن ونوفل، وقريبه الحنيفي زيد بن عمرو بن نفيل الذي كان الخطاب قد طرده من مكة فلجأ إلى غار حراء، ما يدفع الكاتب إلى وضع عمر في الدائرة التوحيدية الحنيفية. وربما كان لحكايات الجدة الحبشية المسيحية دور في تكوين عمر. ويدلل الباحث على ذلك بلقبه "الفاروق" الذي يجد له جذروا سرياينة مسيحانية ويهودية، كما يعضد رأيه بقرب عمر من الأحناف لكونه من القلائل الذين يجيدون الكتابة في عصره.
ويمرّ الكاتب بمعظم الأحداث المعروفة ويحللها فيميل إلى أن حكاية وأده لابنته مختلقة لرسم صورة درامية له ويقارن بين روايات إسلامه ليجد أن أحد أسباب إسلامه هو عدم قطع الإسلام مع الديانات الكتابية السابقة. أما السبب الرئيس الذي يعزو إليه إسلام عمر فهو الرد على سلطان الأب الطاغي، الذي كان يقسو على الحنيفي زيد بن عمرو بن نفيل، ويجد عوامل مشتركة بين إسلام عمر وتنصر بولس ( شاول)، وهو أن كليهما كانا يضطهدان المؤمنين، وتحولا إلى الدين بفعل عوامل عاطفية مثل ضرب عمر بن الخطاب لأخته في بيتها وهي تقرأ سورة طه وسماع بولس صوت يسوع الناصري.
كما يتوقف عند موقفه من أسرى بدر وموقفه من صلح الحديبية وموقفه عند دخول مكة بصيحته (اليوم تستحل الحرمة) فيجد الباحث أن فرحة عمر بكسر شوكة قريش مرده جذره الاجتماعي أكثر منه عقيدته وإيمانه. أكثر المواقف التباسا في سيرته هو رفضه الأيمان بموت النبي (ص) عند وقوعه والذي يرده الكاتب إلى عدة تفسيرات، أولها التفسير السياسي لمنع وقوع الفتنة في دولة غير ناجزة، والثاني هو القول بالرجعة كما حدث مع نبي اليهود موسى (الذي غاب أربعين ليلة) والذي فشا في المذاهب الشيعية لاحقا، والثالث هو العامل النفسي اللاشعوري الراغب بتصفية الأب! يضيف إليه الباحث حاجة عمر إلى أب جديد.
يرى الباحث أن سبب الفتوحات الأول هو الاقتصادي والسبب الثاني هو نقل المعارك إلى الخارج، ويتوقف عند نماذج من سيرة عمر في حكمه فيقف محللا حادثة "ابن الأكرمين" المعروفة ليجد أن سبب اقتصاصه من ابن عمرو بن العاص والي مصر يأتي ضمن حسابات سياسية. فيرجح أن المضروب كان رجلا حرا من صفوة المجتمع المصري، كما أن إصرار عمر على الاقتصاص من جبلة بن الأيهم الذي لطم رجلا من فزارة وطئ إزاره يعود إلى نزوع عمر إلى تحطيم الزعامات وتعزيز هيبته مع إقرار الباحث بمحبة عمر للعدل.
ويقرّ الباحث ببراغماتية عمر السياسية حيث كان يعين العمال حسب الكفاءات بالعمل وتغييرهم خوفا من تكون نخبة تكون خطرا على سلطته. وقد برر الفاروق استبعاده شخصيات الصدر الأول قائلا: "اكره أن أدنسهم بالعمل. كما يقر الباحث بزهده ونزاهته وصلابته أمام محاولة إفساده، ويرى أن وقوف عمر ضد تمدد نفوذ قريش المالي لم يكن مرده الوعي الاقتصادي السياسي المتقدم بل الجذور العصبية والاجتماعية.
يقف الباحث أمام مجموعة من اجتهادات عمر الفقهية مثل إلغاء زواج المتعة وتعطيل سهم المؤلفة قلوبهم وتشريع عقوبة شارب الخمر وعدم الإفتاء في الكلالة ويرى أن هذه التشريعات كانت تتكامل مع تكامل الدولة، كما يجد في قضية الحجاب التي كان عمر مهموما بها استمرارا للتقاليد الملوكية القديمة في صيانة النساء.
يفرد الباحث فصلا لعلاقة عمر مع خالد بن الوليد، ابن خالته وشبيهه، وينحاز إلى القول بوجود علاقة عداوة قد يكون سببها كسر خالد قدم عمر في صراع أيام الطفولة أو بسبب التفارق الاجتماعي والعصبي بينهم، والتي أدت لاحقا إلى إلحاح عمر على الخليفة الأول لعزله عند قتله مالكا بن نويرة وتزوجه من زوجته الجميلة، ثم عزْل عمر خالدا في فتوح الشام وتولية أبي عبيدة بن الجراح محله، ومقاسمته ماله.
يقف الباحث في نهاية بحثه بين صورتين متناقضتين لعمر بن الخطاب، في الصورة الأولى المؤمثلة يجد صورة عمر اللاتاريخي، الأسطوري، والتي تفيض بحكايات العدل والزهد والتي تصور المثال المنشود روائيا، وتروي المأثوات روايتين حول قوة عمر الماورائية الخارقة، أولها الواقعة المعروفة بـ"يا سارية الجبل"، والتي خاطب فيها سارية بن حصن في نهاوند كي ينجو بجيشه والحادثة "اللاتاريخية" الثانية: هي إبطال عمرو بن العاص عادة عروس النيل، وهو طقس مصري فرعوني، يقضي برمي عذراء مزينة في وقت معين كل سنة. ولما انقطع النيل ذلك العام، وهمّ المصريون بالرحيل خوفا من الجفاف، كتب عمرو إلى الخطاب مستنجدا فأرسل عمر رسالة إلى نهر النيل يقول فيها "من عبد الله عمر بن الخطاب إلى نيل مصر المبارك. أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر، وان كان الله يجريك فأسأل الله الواحد القهار أن يجريك بقدرتك". أما صور الزهد والرحمة فهي كثيرة منها اسوداد لونه في عام الرمادة حزنا على المسلمين وحمله الدقيق على ظهره للأسر الجائعة... الصورة الأخرى "المؤبلسة" التي رسمها خصومه ومبغضوه ليست بذلك السواد لكنها في النهاية تعكس صراعات عصره السياسية..
بعد هذا العرض الوجيز للكتاب يمكن تلخيص أطروحته بأنها محاولة تجريد عمر من كل الفضائل المنسوبة إليه وردها إلى جذور مرضية، حسب نظريات فرويدية لا تصل إلى مستوى الحقيقة العلمية. بل أن الاقتباسات التي يوردها الكاتب تحتوي على ما يناقضها، وكثير منها ضعيف، فعمر يتحدر من أصول حبشية من جهة ويتباهى بأصوله المخزومية من طرف الأم من جهة معاكسة. وإذا كانت المرويات تذكر ثلاث آيات نزلت موافقة لرأيه (مقام إبراهيم، آية الحجاب، أسرى بدر)، فهناك آيات نزلت معارضة لرأيه مثل واقعة حاطب بن أبي بلتعة الذي طالب عمر بقتله، وأحداث صلح الحديبية والتي يقول فيها عمر(ما زلت استغفر وأصلي وأصوم و أتصدق واعتق من الذي صنعت يوم صلح الحديبية).
قراءة المسلماني قراءة "نقدية" لدغية، تدعي إرادة المعرفة لكنها تستند إلى موقف مؤدلج يستند إلى نظريات نفسية وجنسية قيد التجريب لا تصل إلى مستوى القانون، وتنسى أن العقل التعليلي وحده غير قادر على تفسير التاريخ والوجود كما يقول كانط، وانه يمكن أن يكون للعقل التعليلي كهنة مثلما للعقل الغيبي. وتستدعي قول محمد أركون "ظلت مطارحات العقل التعليلي التي تدور حول الظاهرة موضع الدراسة بكثير من الشجاعة والرياء"، ولكنها تعجز عن إدراك كنهه أو تفسيرها تفسيرا عقلانيا كما أن الباحث ينسى أمرا ثانيا هو أن "تاريخ الإنسان تاريخ وهم" كما يقول ريجيس دوبريه.
ينسى المؤلف قاعدة مهمة قد تفسر عظمة بناة التاريخ الإسلامي بسهولة لا تحتاج إلى كل هذا الجهد المتعسف وهي التي قالها هيغل "لا شيء عظيم يتحقق في التاريخ بدون شغف"، وكان يشير إلى الفوران الخاص الذي يميز كل حركة جديدة، والمدّ النبوي الجارف الذي أطلق مواهب بالجملة، فلا تخلو شخصية من شخصيات صدر الإسلام من بعد "غيبي" وأسطوري بالمعنى الذي يعرفه العقل التعليلي.
------------
الكتاب : عمر بن الخطاب.. السيرة المتوارية
الكاتب: مالك مسلماني
الناشر دار الحوار. اللاذقية. 2006
يقع الكتاب في 300 صفحة من القطع الكبير
08-أيار-2021
09-كانون الثاني-2021 | |
12-كانون الأول-2020 | |
20-تموز-2019 | |
كتاب إبراهيم محمود " وإنّما أجسادنا " : غواية قطافها قبل الأوان |
17-تشرين الثاني-2015 |
24-تشرين الثاني-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |