دراما الواقعية الفنتازية العربية
2008-10-26
قد نستطيع القول عن الدراما التلفزيونية : إنها تناص الكلمة والصورة وغير ذلك صعب فلا تعريف جامع مانع يستطيع أن يلبي تطلعات هذه الوليدة التي بدأت التربع على عرش التلقي البصري من أواخر الستينات إلى أن تم لها ذلك اليوم, فتقول وبكل راحة بال كهارون الرشيد في زمنه : حلقي أيتها الكلمة فصورتك في خراجي .
وإذا كانت صورة المعنى ,كلمة وصورة الكلمة أن تتجسد في حيز زمكاني, فهل العكس صحيح ؟وإن كان كذلك!, فهل تم له ذلك أم أنه لسبب ما, لم يتم؟, فيتوقف العكس الصحيح عند الكلمة ولا ترتقي لمعناها؟! بعد أن قيض لها عن طريق الدراما العودة محملة بالزمكاني.
قد تكون الدراما الرمضانية مخبرا جيدا للتأكد من صحة ما تم فرضه بداية وعليه بمراجعة للخطاب الذي يحكم الدراما العربية بالمجمل نتبين أنها تقع تحت مذهب الواقعية بفنتازياتها العربية لما يحمله من مفاهيم وأحكام نتبينه فيما يقوله أصحاب هذه الدراما وما يتم عزفه تحت حبر جوقات الكتابة يؤكد هذا المنحى فالمطلوب من الدراما وبنفس الوقت: أن تحافظ على التراث والأصالة والقيم والعادات, لب الهوية العربية وأن تحدث المجتمع العربي ليتوافق وما أفرزته القرون الثلاثة الأخيرة وأن تعمل على نزع فتيل الألغام المزروعة بكثرة في التراب العربي وكل هذا تحت سلطة رأس المال وما أدراك ما رأس المال والرقيب الذي تجاوز دور البستاني إلى حريق يصيب الغابات بحجة تهيئة أرض جديدة للزراعة أو المحافظة على ما تم استصلاحه ومتلقي منذ زمن تنحى عن الحراك ليعيش بداية تحت البيان رقم واحد للثورة ومأفرزه من خضوع سحري لصندوق الفرجه الذي عن طريقه وهو جالس على كرسيه في البيت يعيش الحراك الحضاري عن طريق شريط أخبار يمر أسفل الشاشة أو فلم يستمر لساعة ونصف وفي أكثر أحواله مرابطة على ثغور هذه الأمة متابعة مسلسل من ثلاثين حلقة يرد به جحافل المغول عن دياره مرة ثانية ويعطي المستعمر الأوربي ومن بعده الصهيوني درسا في المقاومة أو مقاربة بالتي هي أحسن لمشكلات حاضره ثم ينكفئ لسريره ممارسا دور المخرج وكاتب السيناريو والممثل والمنتج والموزع مطمئنا لجولة جديدة من التقدم الحضاري متمثلا بدراما الحوليات من سنة لسنة.
وبعد أن تبينا الشروط المخبرية التي تعمل بمقتضاها الدراما التلفزيونية والمثالية الصورية التي تحكمها: نفهم أن الحكاية ليست من ضرورياتها ولا المتعة أيضا
ولا الخيال ولا الاحتمال أيضا فهي كواليس ثانوية بعدما تم تنسيق الدراما بتطلعاتها السابقة فبقليل من التبصر تستطيع أن تعرف ما ستقوله الحلقات الثلاثين مادمت تعرف ما أحل وما حرم لها والأدلجة التي تسيرها ؛ فيكون الإبداع والحرية بتطابق هذين الجناحين مع ما تقدم وما خالف ذلك مصيره المنع .
فالدراما التاريخية القريبة والبعيدة نجد فيها التوثيقية والعلمية التاريخية وهذا ما نلاحظه لكن بكيفية المنتقي الذي يريد لوي عنق التاريخ وتقويله ما لم يقل بحجة أن الدراما هي تصور عاطفي, تصالحي ,برغماتي,على قاعدة لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم, في جانب كبير منها فيجوز لها تحت هذا المسوغ أن تمارس فعل التزوير وطمس الحقائق مادام نهج الواقعية بفنتازياتها العربية إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا وبالتالي إخراج الماضي بحلة جديدة مروض وهادئ كنمر في سرك ,يلبي أوامر المدرب ويرضي كسل الجمهور في حبات الذرة المفرقعة.
هذا من ناحية الماضي أما الحاضر فهو يلعب لعبة الأمان كما في حضرة السلطان فهو لن يتكلم إلا إذا أجاز له السلطان والسلطان هنا مجمل عوامل سياسية واجتماعية ودينية وهذه السماح يشبه مهرج القصر فهو أن انتقد السلطان المذكور فهو ليرضيه لا ليرضي الإبداع والحرية بل لكي يضحكه ويريه قدرته العجيبة على تحويل الشعب وما تحمله هذه الكلمة من مضامين إلى رعية فيطمأن لملكه ويذهب لنومه كما في مسرحية للرحابنة أو ليتمتع بعريه والجميع يتندر بدقة صناعة ثوبه وجودة الأقمشة التي قدّ منها وبتناغم الألوان حتى أن الدنيا تصبح كالحرباء تحت ضغط قناعة المتلقي بعبقرية ثوب السلطان فتعمل على تغير فصولها كل ما تثنى وتبدى هذا السلطان بثوبه أما الطفل الذي سوف يصرخ بعري السلطان فقد تم إجهاضه رغم أن القوانين العربية تحرم الإجهاض.
وعودا على بدء, لن تتم الدائرة مع الدراما العربية, فهي تقدم صورة منقوصة, لكلمة مقموعة, لمعنى خلبي وكون قانون الطبيعة مستمرا؛ فهذا النقصان الذي أصابه من جراء نقصان الدائرة في كل عملية تبدأ من المعنى وتعود له بعد جدلية المعنى والواقع يعكس آلية السيطرة ويصبح المعنى تحت سيطرة الواقع الذي يتمم النقص في هذه الدائرة فتصبح القاعدة السابقة : معنى, فصورة, فتجلي في الزمكان معكوسة زمكان يحكم الصورة وصورة تتسلط على المعنى وبما أن الواقع هو ابن شرعي للماضي ومتبنٍ للحاضر وابن حرام للمستقبل يتم إخراج الابنين الباقيين من الورثة وسيطرة الماضي بشرعية الواقع على الرؤية والرؤيا منتجا معنىً متصنما يجتر عشب ماضيه وبالتالي إخراج قطار الزمن عن سيرورته وصيرورته الجدلية مع المعنى والصورة وتحويله لطبقات درامية مكانية بدلا من حلزونية الصعود في الزمكاني.
وعليه تكون الدراما العربية تخلت عن الحكاية والمتعة والخيال المبدع للمرتبة الثانية لصالح مجموعة من التنظيرات رغم صوابيتها وضرورتها لكنها لا تعمل بتلك الطريقة التي وضعت لها ولا تحت شروط عمل يحكمها رأس المال والرقيب متمثلا بالسياسي والديني والاجتماعي , فخسرت العنب ولم تقتل الناطور وأنتجت مشاهدا أقل ما يمكن القول عنه ليس بعدلٍ فهو إن هبت أي ريح يغتنمها متناسيا أن زورقه بلا شراع ولا بحر, فهو ذاته الذي سلبت لبه المسلسلات المدبلجة وهو ذاته الذي نصب أبا عصام زعيما للأمة , وهو ذاته لم يحرك ساكنا عندما تمنع الرقابة مسلسلا قد يعيد إصلاح الدائرة , وهو ذاته من يرى بالقطع والحذف والاجتزاء وسائل إخراجية درامية فات على المخرج أن يطعم بها مسلسله وهو....!!!
فعن أي تطهير تكلم أرسطو في بيوطقياه؟, وماذا جنينا من ثورة الميديا غير القضاء على ذيول النهضة العربية التي استيقظت في غفلة من المتلقي العربي الذي يصفق من المحيط للخليج لعبوديته الجديدة التي أنتجتها الدراما العربية؟!.
هذا التساؤل برسم الواقعية الدرامية الفنتازية العربية؟.
باسم سليمان
[email protected]
08-أيار-2021
29-كانون الأول-2018 | |
02-حزيران-2018 | |
17-آذار-2018 | |
23-كانون الأول-2014 | |
04-آذار-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |