الضلع المكسور
2008-11-01
ثلاثية الشاعر والنص والمتلقي التي حكمت التصورات النقدية إلى الآن , عملت على تقسيم الأدب وأضعافه ,فإن التركيز على ضلع من هذه الأضلاع أوقع الضلعين الباقيين في الظل, مما أدى إلى انعكاس العلاقة بين الأدب والنقد, فبدلا من أن يكون الأدب سابقا على النقد والنقد نتيجة ومحرك له فيما بعد استلم النقد ريادة توجيه العلاقة؛ فأصبح الأدب يكتب تحت سلطة القواعد التي استنبطها منه النقد وهذا ما خبرناه في قصيدة البيت التي حكمت النتاج الشعري العربي قرونا طويلة وما شهده التاريخ من محاولة لكسر جمود هذه القواعد, بدء ا من بشار بن برد مرورا بأبي تمام وأبي النواس وصولا للنفّري لم يأت ثماره فعلا فالفسحة التي أوجدها هؤلاء أعيد إغلاقها علي يد اللاحقين وتلاهم من تنطع لوصل النتاج العربي القديم بالعصر الحالي سواء عن طريق النسج على منوال الأقدمين أو محاولة تطعيم هذا النمط بآليات الحداثة وما تعنيه من معايشة اللحظة لم تنفع في تحرير الشعر من ربقة الماضي وإن كان مجيدا, فمازالت المعركة قائمة بل وتشتد رغم ما نستطيع أن ندعوه انتصارا حقيقيا لكل أشكال الحداثة على صعيد الكتابة ؛ لكن هذا الانتصار أشبه بالسيل العرم خرب أكثر مما نفع وخاصة على صعيد المتلقي الذي أصبح الضلع الهش في هذه الثلاثية.
وفي محاولة تقريبية لمعرفة حصول هذه النتيجة: لنعود للبدايات, حيث كان الشاعر هو محور هذه الأضلاع الثلاثة وتتكون هذه المحورية, بأن كان الشاعر يشتغل في جوهر واقعه الذي يحتضنه, فما ينتج من هذه التربة منها وإليها, لذلك كان الشاعر"الكتابة" التي لم تتوفر بشكل جدي في ذلك الزمن: زمن زهير وامرؤ القيس وغيرهم وهذه الكتابة بحروفها وجملها وسياقاتها كانت تفهم وتُعرف من متلقيها تتفاعل معهم وتنفعل, فهي كالظل يتبع النور حيث ذهب.
وهكذا كان الشعر ينمو ويطرد ومن ثمة جاء الفراهيدي ووضع بحوره وبدأ التقنين وهنا لا نستطيع اتهام النقاد بنية سيئة بل الأمر اقتضته ظروف التطور لكن الذي حدث ويحدث في أية دولة ناشئة أن تعمل على حماية أصولها البعيدة فحولتها لأصنام حتى ظهر من قال : إن الشعر ديوان العرب وبالتالي تسابق النقاد من ابن رشيق إلى قدامة وو.. على وضع الدستور وعملت السلطة على غلغلته في عقول المتلقين كونها رأت فيه ما يخدم مصالحها وخاصة للمكانة التي ظل الشاعر يحتفظ بها, وهذا جيد كون العلاقة ظلت مقبولة بين الأضلاع الثلاثة حتى محاولات الخروج عنها قُبلت ولو على مضض والحياة لم تتغير بشكل جذري فكل تغير كان ممكن استيعابه فلا نستطيع أن نقول أن المكان المملوء في المدينة غير من شكل البيت الذي فرضته طبيعة الحياة في البادية ليجعل العمود الشعري وحدة في المعنى والشكل ومن ناحية أخرى ظهر بشكل جلي أن النقد قد استلم الدفة وإن كان بشكل خفي بداية لكن أحكم سيطرته مع الوقت برفع قواعده لصفة المقدس.
ونحن الآن نرى أثار سلطته على الطرف الأضعف في العملية الشعرية ألا وهو المتلقي الذي يعيش في ظل ثقافة ماضية اتحدت عدة عوامل على تدعيمها وقد يكون أبرزها فشل النهضة العربية الحديثة في توطين نفسها وأخذ الجنسية من المتلقي المشدود بشكل نكوصي إلى الماضي وانقسام النقد إلي قسمين : الأول سلطوي عمل على إعادة صنمية الماضي ونقد مغترب استجلب تجارب النقد الغربي على واقع لم يعشها.
عودا على بدء نستطيع أن نقول : إن الشاعر العربي في القرن العشرين وبحكم طبيعة الشاعر الحساسة وتحت رغبته بالقيام بدوره كما كان الشاعر العربي قديما
كان من الطبيعي أن يتنسم كل الرياح التي عصفت بمنطقته وبحكم خصوبته كان أكثر المشتغلين في الأدب قدرة على التلاقح والتغير ومن صيرورة الأشياء أتى رفض القواعد القديمة واستلهم طرق جديدة سواء قلنا أنها مستوردة أم وجد لها أساسا في ماضيه وهذه الحالة أعطته صفة الناقد بشكل عفوي فنظر إلي نفسه ونصه وعمل على تطويرهما وخاصة مع انفتاحه على التجارب الأوروبية التي أخذت وقتها بالتكون في حين قد مرت لدينا في قرن واحد جميع ما أنتجته أوروبا من مذاهب فتم الابتعاد عن المتلقي وجاء دور النقد وعمق الهوة بتبنيه مذاهب النقد الأوروبية محاولا موازاة النتاج الأدبي ومحاولة تخطيه.
ودخل الشاعر والناقد في سباق وإن كان ذو نتيجة رائعة على صعيد القيمة الأدبية فأنه أعطى نتيجة سلبية على المتلقي وخاصة مع ما طبع هذا القرن من سرعة وفشل على صعيد الدولة الراعية.
والذي يجب قوله : هو أن يعمل الكاتب والنص والنقد على أعادة جبر ضلع المتلقي المكسور بالنزول إليه ورفعه إليهم والقول : أنه من إبداع: نستطيع أن نرسم الكثير من الموازيات :الكاتب ,النص ,المتلقي, النقد ووو..
وإلا بقوا يدوروا في أفلاكهم لا ينظر إليهم المتلقي إلا لماما.
باسم سليمان
www.bassem-sso.blogspot.com
08-أيار-2021
29-كانون الأول-2018 | |
02-حزيران-2018 | |
17-آذار-2018 | |
23-كانون الأول-2014 | |
04-آذار-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |