كلامُ الغائبِ على كلامِ الغائب في أمورِ الشَّهقات وماشَابَه
2008-12-09
أصحراويُّونَ كثيرونَ مثلي وقفوا على شاطئ البحر الأبيض المتوسط؟ أبحريَّاتٌ كثيراتٍ مثلكِ وقفنَ على تُخُوم جَسدي. يا جسدي، ويا جسدكِ، يا أجسادَ الهرمونات والغَرائز، يا أَجسادَ النَّزواتِ، لسنا سُوى سلالاتٍ تقمَّصتْ سلالاتٍ أُخرى.
إنْ كانَتْ سلالةً أنجبتْ سُلالةً، فمنْ أنجبَ السُّلالةَ الأُولى، ومن قالَ إنَّ السُّلالة الأولى كانت سلالةً ولمْ تكنْ شيئاً آخرَ. عدماً، أو شيئاً أدنى من العدمِ، وما هذا العدمُ؟ وما هوَ الأدنى من العدمِ إلا عدمُ العدمِ؟ وكيف يبتدئ العدمُ بشهقةٍ، ثمَّ ينتهي بشهقةٍ؟ وماذا إنْ كنا من لا عدمٍ ومن لاسلالةٍ.
إنْ كنَّا من عدمٍ إلى عدمٍ فلتبكِ كلُّ عينٍ تبكي، ولتبكي كلُّ عين، وإنْ كنَّا من عدمٍ ولسنا إلى عدمٍ، فإلى أي شيءٍ نصيرُ؟
أنهلِّلُ لما نجهلُ؟ وما نجهلُ ليسَ سوى عدمٍ.
إن كنتِ من عدمٍ فمنْ جعلَ خصركِ بهذا القدرِ من الاستدارةِ؟ من ثَنى أَصابعَ قدميكِ ليفردها على فرسخٍ ومائةَ ألف عقدةٍ بحريَّةٍ؟ وإنْ كنتِ من سُلالةٍ فما الذي جعلَ لعينيكِ وقعَ الخُطا أو خفَّة الأصابعِ؟ وفي أي جيلٍ ستخلَقينَ ثانيةً لآتيكِ صحراويَّاً مثلما أنا؟ صَحراويَّاً وأحملُ في قلبي مُدنَاً لبلاد مجهولةٍ. آتيك صحراويَّاً بالقطاراتِ وبشركاتِ النَّقل الدَّاخلي. آتيك بليراتٍ قليلةٍ وقلبٍ كثير.
أسكُنُ في جمهوريَّة، ومن جُمهوريَّتي آتيكِ
وأنت ذهبتِ إلى مملكةٍ أحلامكِ، وفي مَملكتكِ تنتظرين من يكتَشفُ شهقتكِ
هناك في أقصى البعيد؛ عندما تنحنينَ لجلالةِ ملكِكِ
أعزفُ
النَّشيد الوطنيَّ
وأحيِّي العَلَم
أقفُ باستعدادٍ
بيدٍ مسنودةٍ إلى الصَّدغ وذراعٍ مسبلةٍ على الجَنْب
أو بذراعٍ مضمومةٍ إلى الصَّدر وأخرى مسبلةً على الجنب
أوبقبضةٍ مرسلةٍ مثل رمحٍ في الفراغ
مازلتُ
ألبسُ بدلةَ الفُتوَّة ذاتَها
وأدندنُ ألحاناً هنديَّة. على الطَّريقة الاشتراكية
على إيقاع أقدامِ جاكيشان حين يركضُ مطارداً غريمَه، أحلُّ مسائلَ الرِّياضيَّات.
أنا مهندسُ خيبتي وعرَّاب سعادتِي
آكلُ "بيتزا الفُصُول الأربعة"
مستمعاً لموسيقى الجاز؛ أسأل مثلَ لويس آرمسترونغ:
"لماذا أنا حزين وأزرق؟"
ولا أعرف ما تفعلينَهُ في مملكةٍ
لا يوجد فيها ساكسفون واحد.
مالذي تفعلينه في مملكةٍ لا يرقصُ فيها غيتار؟
شَهقتُكِ التحوُّل، لا تُلمس بالصَّنارة، لكنَّ لها انسيابَ السَّمك، ولها من الجَلبةِ ما يصمُّ الأُذن كأنْ يمرَّ قطارٌ ذاهبٌ إلى غربِ البلاد،
ثمَّ أجري إلى جوارِ القطار في أرضٍ عراءٍ، فيعبر منسلاً مثل روحٍ خاطفةٍ من
قبرٍ بطيء.
أقف لاهثاً خلفَ عُبُورِهِ على سكَّة مملوءةٍ بالحصى..
السِّكَّةُ التي لو أُوقِفَتْ على ساقينِ قَصِيرتيْن صَارت سُلَّماً..
أتسلَّقُ نسيانكِ على سلالمَ تنهارُ بلمسِ اليد أو بالنَّفَس..
أقف مذعوراً، ملوِّحاً لمسافريْنَ، يطلُّون برؤوسِ ملائكةٍ وشَياطين مِنْ نافذةِ القِطَار..
شهقتكِ تُصيِّرني بطلاً لفيلمٍ لا نهاية لهُ..
كلُّ هذه الغرائبيَّة لا تُضَارعُ أن تغمضي عينيَّ بيدٍ واحدةٍ، فيما أنا قابضٌ على ما تجهلينَ علَّة وجودهِ..
فيما أنتِ بيدٍ وساقٍ واتِّكاءٍ على كَوكبي توقفينَ دورانَ الأرض
وَ،...
لهاثكِ صَنَّاع حيرةٍ، وحَمَّال أوجهٍ، له سخونةُ الماء الخارج للتوّ من بئرٍ في مزرعةِ عشبٍ لا أَملُكُها،
أَسألُ دهشتي الممتلئة بدهشةِ آخرين عن لغتي
ولغتي ليستْ لي، هي أيضاً لغةُ السُّلالات، أو لغةُ العدمِ. لغتي العُشب اللاهث، وماقالهُ المَوتى قبلَ دُخُولِهم قَطيْعةَ الوقت، وما يتَّفِقُ الآخَرون على أنَّها لغتِي. لغتِي أَبلغُ في الصَّمت، وأعجزُ في الكَلام. لُغتي كلامُ الغائبِ على كلامِ الغائبِ.
مالذي يبقى من القوِل إنْ كانَ قولاً على آخر. وماذا تقولُ اللُّغة عن شهقةٍ، عن شاهدةٍ على قبرٍ، عن مدنٍ تفصِلها أَميالٌ ولاتَصِلها القطارات. ماذا تقول اللُّغة إن صارتْ سوء فهمٍ ينجبُ سوءَ فهمٍ
كلَّما كوَّرتُ جَسَدكِ أراكِ شكلاً من الأشكال
لطخةً زرقاءَ على قماشٍ أزرقَ..
أحدثتْها يدٌ مرتبكةٌ
عجينةً أَقذِفُهَا إلى جدارٍ فترتَطِمُ وتسقطُ..
تُفلتين مِن كُلِّ قَبْضَةٍ
وتنسلِّين مِنْ بين أَصابعِ كُلِّ راحةِ يدٍ
و،..، أحبُّ جميعَ صفاتكِ
لسانُكِ..
كانسةُ ألغامٍ،
وكسَّارةُ جليدٍ،
على جانبيَّ فراغٌ، واللُّعاب وصلَ ركبتيَّ..
وعيناكِ تنبتانِ مثل الطَّحالب على رُطُوبةِ رُوحي
قلتِ،
وَمالمْ تقولي: قولٌ فَصْلٌ
حيثُ؛
شهقتكِ رافعةُ أقلامٍ ومجفِّفةُ صُحفٍ
وأكثرُ..
لا أُريدُ تَمْثيلَكِ،
شهقتكِ لا تمثَّلُ بالكتابةِ، ولا أريدٌ صِناعَة صورةٍ،
أريدكِ،
تبرِّدي قدحَ البيرة،
وَأنْ تحزِّي رِقابَ العَصافير الثَّلاثة والعشرين في صَدري،
وَأنْ تحوِّلي لُجوئِي إلى جنسيَّةٍ،
وأن تغْسلي رُوحي العَشوائية بالموسيقا،
وأن تعزفي الأُكورديون في أزقتها الجانبيَّة
أريدكِ أنْ تحوِّلي طُرقي المُتعرِّجة إلى دَوائِر،
وَأحلامي إلى مُثلثَّاتٍ قائمةٍ وَ حاجبيَّ إلى خطٍّ مستقيمٍ..
أريدُ أن أكتب قصيدةً عنك تشبهكِ، وكلُّ حرفٍ فيها مثلَ مسامٍ في جلدكِ
المسافتان الناقصتانِ في حاجبيكِ تتمَّةُ عالمي، وما كنت ترْسمينَهُ، أسفلَ جبينكِ، ذاتَ اليمينِ، وذاتَ الشِّمال، بقلم أسودَ، زيادةٌ.
مجرَّدُ
زيادةٍ
شهقتكِ صيَّادٌ وأنا سَمَكَةٌ في بركة الرّب
شهقتكِ غربيَّةٌ، والجنوبُ يشعُّ من خاصِرتِي التي ما إن كنتِ تنهشينَها حتَّى تنهارَ الأحلام،
خاصرتي ملككِ، أليست مااكتشفتِ
يسلكُ عشَّاقك طريقاً، وأنا أسلكُ آخر، وأنتِ تسلكينَ ثالثاً وتمضين..
في شوارعَ، في حاراتٍ، وطرقاتٍ مُنْعرجاتٍ، من جنبِ أسوارِ القِلاع، من جوارِ المقابر، روحك توقف الباص، وتأتي..
لم تأتِ روحكِ، وإنَّما تهيَّأ لي أن روحاً تأتي. من جهة النَّجم البعيد. حتَّى أنَّ نجماً قريباً هوى حين "دسست قلباً بصحنِ الفاكهة". ثمَّ أن يداً خفية دسَّت نجماً جديداً مكان النَّجم النَّاقص. فلا تنقصُ السَّماء من أثقالها
جسدُكِ أفلتَ من عقاله، و المركباتُ تخرجُ من من كراجات الإنتظار، تحتَ مظلَّة الإسمنت تجلسين..أبيضٌ قميصكِ ومدايَ أزرق. أو أزرقٌ بنطالكِ ومدايَ أبيض. من ثمَّ أسودٌ جسدي وقلبكِ أسودْ
مرحى للنِّظام، نعمْ يا فوضى،
الكائناتِ التي صعدت كلُّها تحجُّ إليكِ،
أنا الغرائبيُّ في غرائبيَّته، وأنا صمتُ الغرائبيّ مصدوماً بشهقتكِ، وأنا الغرائبيَّة والغريبُ عنكِ والغريبُ فيك، ألمسُ بيدي الشَّيطان فيصيرُ ملاكاً، وما ألمسهُ يصيرُ ذهباً. وكلُّ شيءٍ كما ينبغي له أنْ يكون.. تركتُ في قلبي خرقاً، ليمرَّ السَّهم الجديد
تستحضرينَ الموتَ بالطَّائرات، والأمواتُ في أرضيَّتهم، لا يتنفَّسون الهواء الباردَ على الشُّطآن
الأمواتُ بلا أَمل، ولستُ أهادِنُ الموتى إلا لأقتلَهُم،
لستُ خائفاً من الموت، وقد حللتُ معضلةَ الموتِ بمعضلةِ الحياةِ:
الأمواتُ لا يموتون ومن يموتونَ ليسوا أَمواتاً
يا غريمي،...،
وغريمَ شَكلي وَلوني
سأشتَهي عينيكَ، وأُسامحُ خُطاك،
والطَّريقَ التي جئتَ منها مُنهكاً
ضعْ فوقَ ضلعكَ طَمأنينةً، وتحتَ ضِلعكَ أُخرى، واستندْ عليَّ..
أنا من رأيتُ بعينيكَ
وتعثَّرتُ مثلكَ، وكنتُ أجمعُ"ياءً" مع "راءٍ" لأسقطَ "ألفاً" قبلها، و"ألفاً" بعدها، ثمَّ أفكُّ الحروفَ، وأصنعُ منها مفاتيحَ لأبوابٍ، ومغاليقَ لأخرى، وكنتُ أجمعُ الحروف ثانيةً، وأبعثِرها على خيالاتي، ثم ألمَّها
لم أستطعْ حملكِ حين أردتُ طرحكِ على وسائد الشَّوك،
سقوطكِ خلَّف لك ندبةً، ماعدّتُ أذكرُ في أيِّ ساقٍ:
ليستِ اليُمنى، لأنَّ اليمنى ترياقُ جروحِ الأرض، وليست اليُسرى لأنَّها مِسْنَدُ الكون،
مُسلِّماً بخطأ لم أرتكبْهُ،
أقول:
قلبي النُّدبة النَّابضةُ...
... بكِ.
شهقتكِ الخوخةُ الوحيدة في أَعلى غصنٍ من شجرةِ المشمُش التي يهزُّ أغصانَها الماء
شهقتكِ اسمكِ..
اسمكِ لا يُؤوَّل، معناهُ في لا معناهُ،
لمن،..، كلُّ هذا الشَّاي الأخضر،
ماذا،..، تقلبينَ الفناجين،
لكلامكِ رغوة القهوةِ التي ما إن تفرغُ حتى تلعبينَ دور السَّاحرة، وألعب دور مَسْخٍ يريدُ تحطيم الأرقام القياسيَّة للقُبَل
التأويلُ إلغاءُ الحقيقةِ
أَعرفُ الحقيقةَ بالشِّفاهِ والأَصابع، ومن لونِ شعركِ المبهمِ
وَمِنْ لونِ جلدكِ
وَمِنْ حيادكِ الذي يهزُّ الكلمة الضَّاحكة ويطعنَ الطَّير
البحرُ بعيدٌ..
وأنا مثلَ عصفورٍ أعمتهُ الشَّمس، أُسافرُ إليكِ
ممتنَّاً لارتدائكِ الأزرق والبنفسجيَّ
3-10-2008
08-أيار-2021
يحاضر في «أربعاء تريم الثقافي» / فراس السواح يقارن بين التاو والديانات الشرقية |
24-آذار-2010 |
17-آذار-2010 | |
28-حزيران-2009 | |
23-حزيران-2009 | |
13-حزيران-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |