السيرة الذاتية للسارد
2009-01-20
بعيدا عن مخبرية اصطلاح الرواية وما تضمنه من خصائص مُيزت بها الرواية عن غيرها من السرديات الإنسانية, تأتي رواية هيولى "ل عقبة زيدان" كنص يضعك في مفترق أجناسي, فبعد الانتهاء من القراءة الأولى, تتكشف لك اللعبة التي تم وضعك داخلها والتي تقول : إنك أمام رواية , فتحضر قابلية التلقي للرواية وهذه القابلية تختلف بين جنس أدبي عن الآخر , ولكنك تتفاجئ أن الكل الذي يتكون من أجزائه وهو غيرها؛ من حيث أن الرواية شخصية مستقلة اعتبارية متميزة لها هويتها ترتبط بها عناصرها ارتباطا وثيقا لا ينفصم وهذه العناصر لا تملك هوية ذاتية خارج الرواية.
لكن هنا تجد أجزاء الرواية شخصيات مستقلة تستطيع التعامل معها لوحدها أو ضمن مجموعها.
فالسارد ع.ز :هو خط الأفق الذي يجمع تطلعات شخصيات الرواية وفضاءاتها وأساليبها النصية ومقاطعها وبإغفاله أو متا بعته لوحده تتلمس قصصا قصيرة وشعرا وقد نستطيع بتجويز المقالة على بعض مقاطع الرواية كمقالات تعالج الزمن والتقمص كرحلة معرفية يعيشها الكائن الأبدي.
تبتدئ الرواية بعتبة معرّفة "هيولى" في وسط السطر بخط عريض ثم تحتها مباشرة كقاعدة جبل وهيولي رأسها تأتي عبارة " كل شيء ولا شيء أيضا" ثم يبدأ السرد بقصة قصيرة زيلت كتوقيع " رسم في كهف" ثم تتالي المقدمات والدخولات والخروجات والخروجات الغير قابلة للقراءة وفق ما عتبت به النصوص المنداحة بين دفتي الكتاب إلى أن تنتهي الرواية بمقدمة كما بدأت وكأنك على أعتاب تقمص جديد لحياة الرواية في مكان وزمان آخر قد يكون تكرار لسابقه أو كسر نمطية العودة العبثية فينتهي كلام السارد كآخر اعتراف له أو أول فيقول:
أنا ممزق ومتشظ
لكنني لست هشا
أنا الأبد
إذاً: كل شيء أنا, ولا شيء أيضا.
***
"كمون مؤقت, متحرر لولادة جديدة"
المكان : الكون. المجموعة الشمسية , كوكب الأرض
وهكذا نستطيع القول : إن الرواية لا تفتح أبوابها كاملة إلا في القراءة الثانية بعد أن تكون تخلصت من سطوة شمولية مصطلح الرواية وتبعاته فتعود للقصص القصيرة التي تأتي كمفاصل ذاتية الحركة من حيث قدرتها على طرح أسئلة وأجوبة بعيدا عن جو الرواية ولكن بعملية تذوق لدنية تتكشف لك وحدانية الواحد أمام كثرة الوجود/ مرة, قطرت الآلهة في قلبي كلمات مقدسة:" أنت امتداد لي". لكن عقلي وقف معاندا ورافضا:"لا"/.
والمقاطع الشعرية نفسها لها خاصية الاستقلال الكامل فهي كذرات الماء الأوكسجين والهدروجين لا تأخذ شكل الحياة التي ندعيها لنا ولغيرنا من المخلوقات؛ لكنها أصل وسبب وجود الحياة:
"يا الحقيقة الراقدة
في ركن الهلاك
تنتظر من يفرك حلمتي نهديها".
والذي ذكر ينطبق على المقاطع الطويلة: فهي وحدة ذاتية ولكنها مندمجة في سياق السرد بل هي السرد ذاته الذي يقوده السارد كمحاولة للاعتراف ليس بأخطائه بل بوجوده المتكرر الذي يجد نفسه أمامه, فتأتي الرواية كتأسيس له؛ لمحاولة الخروج من عدمية هذه التكرارت التي تنتهي في أمرين أما التلاشي أو بالانغلاق على ذاتها والموات أيضا في الحالتين .
وهنا يظهر سبب الوجود عبر الحكاية التي قصها السارد في اعترافه لذاته : علاقة الحب التي جمعته بأنثاه سلاف التي خلع عنها تفاصيل المكان والزمان والجغرافية والتاريخ واكتفى بما تفرضه ضرورة اللغة كنتاج اجتماعي بما تحيل أفعال ك" غادرنا , وصلنا مدينة أخرى, أضمها", كون قصة الحب ذاتها مكررة عبرزمانية ومكانية وضدها الكره أيضا, فتوطينها سيوقع السارد بشريحة زمانية أو مكانية قد تجعله يفقد شمولية الرؤيا التي حصل عليها عبر تكراراته لذلك كانت الحكاية كلحن خفيف يأتي من ذاكرته ليعبئ لحظات الصمت القاتلة التي تواجهه في اعترافه بذاته. وهذا التشكيل رسم وضع الشخصيات الأخرى في الرواية وهذا ليس نوعا من نرجسية السارد بل لأن الكلام بضمير الحاضر أقوى دلالة في حالة الاعتراف الذي شاركه بها كل شخصيات الرواية .
فالحب هو ما يجب أن يعترف به السارد عبر روايته والاعتراف لا يعني عيشته مع أنثى ما أو غيرها من الكائنات البشرية بل أن يصبح السارد أحد تجليات الحب وفق كوجيتو" أنا أحب فأنا موجود" وهنا يستطيع أن يخرج من دائرة التكرارات المفضية للموات إلى الحياة مع كل أخوته البشر فعامل البطولة والتضحية والحب ليس من اختصاص فئة دون أخرى بل هو فعل جماعي بمقدار ما هو فردي.
وهنا نفهم لماذا ظهرت الرواية بهذا الشكل الذي يوحي بالتفرقة للوحدة السردية, فهو دلالة لتقصي الواحد / السارد/الحب, خلف كل التمظهرات حتى السلبية منها.
هيولى رواية ل عقبة زيدان صادرة عن دار كيوان الطبعة الثانية 2008
باسم سليمان
www.Bassem555.blogspot.com
نقلا عن تشرين
08-أيار-2021
29-كانون الأول-2018 | |
02-حزيران-2018 | |
17-آذار-2018 | |
23-كانون الأول-2014 | |
04-آذار-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |