اللعنة الأبدية على الفأر المخبري (نجم والي)
2009-03-15
يصرح الروائي (العراقي) نجم والي ليديعوت أحرنوت الإسرائيلية، ثمة من يستعد في هذه الأيام لأن يصرِّح لصحيفة إبليس مقابل أن يكون شهيراً أو أديباً عالمياً، ولا يتوانى عن القول في تصريحاته بأنه "يحب إسرائيل.. وبأنه يكره فيروز وإدوارد سعيد"، ويرى والي أن "الأخوين رحباني كتبا لفيروز قصائد تتظاهر بأنها ثورية" فيما هي وحسب ادعاءاته "جزء من أيديولوجيا الكراهية التي تضرب بجذورها في المجتمع العربي". وأبعد من ذلك يذهب وحسبما أوردت صحيفة أخبار الأدب القاهرية إلى أنه "يمكننا العيش سوية بسلام" وذلك في جواب عن سؤال الصحيفة التي استفسرت من والي، إن كانت مواقفه قد تغيرت بعد الهجوم الإسرائيلي على غزة.
لم يكن نجم والي معروفاً كما ينبغي لـ"كاتب كبير"، كان مجهولاً حتى اللحظة التي ظهر فيها سنة 2007 في مدينة القدس مشاركاً في مؤتمر اسرائيلي على هامش معرض اسرائيلي للكتاب. وقد قام وقتها بنشر صور له أمام المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وسمى مدينة القدس بـ"أورشليم"، وأصر على تسميته تلك ناسفاً حق الفلسطينيين في عاصمتهم التاريخية. يمكن في هذا السياق تذكر أبيات شعرية غاضبة لعراقي آخر هو مظفر النواب، ربما كانت تنطبق تماماً على حالة نجم والي:"القدس عروس عروبتكم/ فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها/ وجلستم من خلف الأبواب/ تسترقون السمع لصرخات بكارتها/ أولاد القحبة/ هل تسكت مغتصبة".. هكذا ذهب والي إلى أورشليمه فيما ينام أكثر من ستة ملايين فلسطيني تحت سماوات شتاتهم وضياعهم وهم يحلمون منذ أكثر من ستين عاماً بقدسهم. وهكذا أيضاً يكون والي أورشليمياً ويكون الآخرون قدسيين. إلا أن الآخرين(أي نحن) وحسبما يرى الروائي الأوشليمي، كارهون وعنصريون وبغضاء. فيما يكون هو حضارياً ومتسامحاً ويؤمن بالتعددية. ولذلك يكون جديراً بالتعامل مع الإسرائيليين الطيبين والكرماء.. وبلا هوادة يتناسى والي أن دماء كثيرة سالت من أجل هذه الأرض التي ينكرها على أصحابها، ويتناسى أيضاً أن ما كرم به الإسرائيليون عليه هو مال وحق مسروق، إلا أن والي من أولئك الذين يؤمنون بالمثل القائل: "السارق من السارق كالوارث عن أبيه".
لماذا يغيّب نجم والي وأشباهه تلك الصورة البشعة التي تناقلتها وسائل الإعلام في تموز 2006 حين كان الإسرائيليون يشنون حرباً على الشعب اللبناني، وقتها وقف مجموعة من الأطفال الإسرائيليين وكتبوا على صواريخ جيشهم تلك الرسالة التي يندى لها جبين البشرية: "أعزاءنا الأطفال اللبنانيين والفلسطينيين العرب المسلمين والمسيحيين، موتوا مع محبتنا. مع تحيات أطفال إسرائيل."
بعد الصفقة اللاأخلاقية التي أجراها والي مع الإسرائيليين. والتي ليس من حقه إجراؤها، بدأت الهبات تنهال عليه بشكل فاضح وفي عام 2008 وضعت مجلة هاربيرز الثقافية الأمريكية(تأسست عام 1850) اسم نجم والي على غلافها. المجلة العريقة التي نشر فيها كتاب كبار مثل شتراوس ووليم فولكنر، اختارت نجم والي على غلافها باعتباره "فأراً مخبرياً" يستكشف من خلاله أولو الثقافة الجديدة في بلاد العم سام ما يحصل في العراق من خلال مجموعة من القصص كتبها نجم والي تحت عنوان "حروب فوق أراض بعيدة". من ثم ترجمت روايته التي كتبها بعد ذلك إلى لغة الشعب الحضاري، قبل أن نقرأها نحن شعوب الهمج. وفي العام 2008 نفسه، كان حمام الدم العراقي يبلغ ذروته التي لم تضاهها مذابح "شعب اسرائيل الطيب" التي يفترض أن آخرين- لسنا نحن- قد ارتكبوها.. والمصيبة التي لا تخفى على أحد أن الإسرائيليين لعبوا دوراً قذراً في حصار الشعب العراقي ومن ثم دوراً أشد قذارة في احتلاله وتقتيل أبنائه الذي لا يزال يستمر حتى الآن ومازالت استخبارات الإسرائيلين تعيث فساداً في عاصمة الرشيد، وتنفذ أشنع أعمال الاغتيالات بحق الشخصيات الوطنية والثقافية والدينية العراقية..
لم ينس نجم والي في حواره أن يتذلل للاسرائيليين وأن يستعطفهم قائلاً، إن العراقيين يعتبرونه خائناً،( كأنه يريد أن يعتبروه بطلا قومياً). ويأتي تذلل والي في الوقت الذي تعلن فيه القدس عاصمة الثقافة العربية، وهو بذلك ينخرط في أجندات الإسرائيلين الذين يحاولون طمس معالم العروبة والثقافة في هذه المدينة المسبية. وهو بذلك ينسف ادعاءاته بأنه "صاحب رأي" فأصحاب الرأي لابد أن يكونوا منحازين بالضرورة للحق، لا لما اختلقه توراتيون يفسرون نصوص التاريخ المحرفة والتي تهيمن على الفكر الغربي وفق مشيئتهم، فيما يتشدق بالمزايدة على إدوارد سعيد، باعتباره مطبّعاً في الغرب ومناضلاً في الشرق، ويبدو أن كثيرين أتقنوا المزايدة على المفكر الفلسطيني الراحل بعد موته، وفي ذلك مغالطات كثيرة، لا يمكن أن يصل إليها صاحب "الاستشراق" و"الثقافة والإمبريالية".. لما في الكتابين المذكورين من مناهضة لكل المفاهيم الاحتلالية الكولينيالية على مستوى الفكر والسلوك المجتمعي البشري ككل.
يريد نجم والي أن يصير عالمياً، فليبتعد أبداً ونهائياً عما يقدسه الفلسطينيون، وليصبح كما شاء.. لكنه وصل من الغباء إلى الدرجة التي غاب عنه فيها أن لا أدب عظيم إن لم يخلد هذا الأدب الشعب الذي أنتجه ولا أدباء عظماء إن لم تخلدهم شعوبهم، فالإسبان وحدهم من يحتفلون بـ"سرفانتس"، والروس يحتفلون بـ"دوستوفسكي وتشيخوف" وهم من خلدوهم .. وهكذا سيذهب والي مع ركاكة ما يكتبه إلى مزبلة التاريخ فيما.. ستبقى فلسطين.
نشر هذا المقال في جريدة بلدنا
08-أيار-2021
يحاضر في «أربعاء تريم الثقافي» / فراس السواح يقارن بين التاو والديانات الشرقية |
24-آذار-2010 |
17-آذار-2010 | |
28-حزيران-2009 | |
23-حزيران-2009 | |
13-حزيران-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |