بعد فشل حركته التصحيحية داخل بوكر رياض نجيب الريس يعلن الانقلاب عليها
2009-03-28
رياض نجيب الريس يكشف المسكوت عنه في كواليس بوكر العربية
عندما قدم الصحافي والناشر رياض نجيب الريس استقالته من مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية بوكر، خلال الاجتماع الذي انعقد في أبو ظبي بعد إعلان نتائج المسابقة إثر انتهاء الدورة الثانية. اندفع البعض ليقرأ هذا الموقف على أنه احتجاج على فوز رواية عزازيل للروائي المصري يوسف زيدان وعدم فوز رواية المترجم الخائن للروائي السوري فواز حداد الصادرة عن شركة رياض الريس للكتب والنشر، غير أن الريس نفى اعتراضه على قرار لجنة التحكيم قائلاً "استقالتي لم تكن احتجاجاً على النتيجة، لي رأي في النتيجة، لكنني لست معترضاً عليها"، وانه عندما أعلنت النتيجة لم يكن قد قرأ الرواية. والآن بعد أن قرأها يعلن "أن من بين الروايات الستة التي وصلت للقائمة القصيرة، هناك على الأقل روايتان تستحقان الجائزة أكثر من رواية عزازيل".
في لقاء جرى معه في بيروت كشف رياض الريس في حديث خاص لـ (كلنا شركاء) المسكوت عنه في كواليس الجائزة، بعد ثلاث سنوات على تأسيسها ودورتين على إطلاقها، فقد أريد منها أن تكون على غرار جائزة البوكر البريطانية، بعد نحو عقدين من نجاحها وربما أكثر، مما أدى إلى انبثاق بوكر الروسية وبوكر الأفريقية عنها، ومن ثم بوكر العربية، إلا أن رياح الواقع العربي كما يبدو لم تأت كما تشتهي الأماني بتعريب نموذج عالمي وتطبيق القواعد الإنكليزية، وسرعان ما انزلقت بوكر في نسختها العربية إلى مستنقع الثقافة، وابتليت بما أصابه من استئثار وسوء تنظيم وشللية ومحسوبيات.
عندما تم اقتراح إنشاء بوكر العربية عام 2006، إثر موافقة دولة الأمارات العربية على تمويلها، بدأت خطوات التأسيس بتشكيل مجلس أمناء من 13 عضو (ستة إنكليز وستة عرب، ورئيس المجلس الذي هو رئيس البوكر الانكليزية) بالإضافة إلى سكرتيرة إدارية تتولى متابعة الأمور التنظيمية، (الاتصالات والتبليغ عن الاجتماعات واستلام الروايات وإرسالها) وهي الوحيدة الذي تتقاضى راتباً لقاء عملها في الجائزة، وقد اختيرت لهذه الوظيفة الشاعرة والصحافية اللبنانية جمانة حداد.
وتبدأ قصة رياض الريس مع بوكر العربية عندما دعته اللجنة التنظيمية التحضيرية الإنكليزية، لينضم إلى مجلس الأمناء، وقالوا له إن اختياره جاء لثلاثة أسباب، أولاً لأنه اسم معروف في ميدان الثقافة والصحافة معاً. ثانياً وهو الأهم، أن له تجربة في ميدان الجوائز العربية، فقد سبق وأطلق جائزتين ثقافيتين عربيتين مستقلتين، وهما جائزة (يوسف الخال) للشعر وجائزة (الناقد) للرواية، وخرَّجت هاتان الجائزتان خلال أربع سنوات ثلاثين شاعراً وروائياً عربياً من الأسماء المعروفة اليوم في العالم العربي. ثالثاً لأنه ناشر، والجائزة تعتمد بالدرجة الأولى على تعاون الناشرين.
الفكرة لاقت لدى رياض الريس حماساً كبيراً، علما أن الأمناء لا يتقاضون أجراً أو مكافأة لقاء عملهم سوى تغطية نفقات السفر في الدرجة السياحية والإقامة في الدرجة الثالثة. كان حماسه مبنياً على "إمكانية تحقيق فرصة للاستفادة من التجربة الانكليزية، ومحاولة تقديم نموذج عربي بشروط عالمية من حيث الاحتراف والشفافية"، تساعد على دخول الرواية العربية في المشهد العالمي، بعيداً عن المحسوبية والشللية الثقافية وقبضة رقابات الأنظمة العربية، بما يعطيها المصداقية ويمنحها الثقة.
ما اكتشفه بعد الانخراط في اجتماعات مجلس الأمناء الذي كان يعقد في كل دورة، ثلاث مرات في لندن ومرة في أبو ظبي، أن هناك خللاً كبيراً في تحديد المهام وطريقة إدارة العمل، فهم لا يستشارون في كثير من المسائل الإدارية، وعدا عن اقتراحاتهم حول تشكيل لجان تحكيم تتبدل كل دورة، ليس لهم تأثير يذكر في اتخاذ القرارات، قائلاً إنه فوجئ بتشكيل لجنة التحكيم في الدورة الأولى، ووجد "أسماء مع احترامه لها أن تجربتهم لا تؤهلهم لإعطاء أحكام في الرواية"، وكان له اعتراض عليهم. كما لم يتم "مراعاة التوزيع الجغرافي للمحكمين والذي من المفترض ألا يركز على بلد دون آخر". ويشير إلى الخلل في هذا المجال أنه عند اتخاذ القرار "لا يستشار الأمناء جدياً"، وإنما تقبل منهم الاقتراحات في البداية فقط، دون أن يعمل بها أو تخضع للمناقشة المستفيضة. كما يعطي مثالا آخر عن ضعف تأثير مجلس الأمناء، وذلك عندما احتج البعض في لجنة التحكيم على تدني مكافآتهم لقاء قراءة أكثر 100 رواية، طالب الريس في مجلس الأمناء برفع مبلغ المكافأة، فتم رفض الطلب. هذا عدا أن مجلس الأمناء "لا يعلم بما يجري في لجنة التحكيم"، حيث لا ترفع اللجنة تقارير عن قراءاتها للروايات ولا أسباب اختيار الروايات المرشحة في القائمتين الطويلة والقصيرة ومن ثم مبررات ترجيح الرواية الفائزة، بل والأهم من ذلك أنه لا يتم وضع قوائم بأسماء الروايات التي قبلت للدخول في المسابقة، ولا كيفية توزيعها على الحكام بل يُكتفى بإرسال قوائم بأعداد الروايات المقبولة وتوزعها الجغرافي، مثلاً عشرة من سورية خمسين من مصر وهكذا... هذه الآليات ألغت "شرط الشفافية". ويذكر رياض الريس كمثال تفاجئه باستبعاد رواية رشيد الضعيف (معبد في بغداد) من القبول في مسابقة الدورة، بزعم عدم استيفائها شرط الزمن وذلك دون إبلاغ مجلس الأمناء، مع أنه كناشر رشح تلك الرواية، كان "متنبهاً لشرط الزمن الذي سمح في الدورة الأولى أن تكون الروايات صادرة خلال السنوات الثلاث الأخيرة".
و لم يشأ أن "يثير قضية في حينها"، معتبرا ذلك "تعثراً قد يحدث في البداية"، آملاً ألا تتكرر مثل هذه الهفوات لاحقاً. إلا أن الأمور جرت بالاتجاه المعاكس تماماً، لأن "إهمال شرط الشفافية" أدى إلى وجود خلل ضاعفه عدم دراية الأمناء الإنكليز بـ"كواليس الثقافية العربية والشللية والطائفية وطبيعة التدخلات السياسية التي تلعب دوراً في تقرير الواقع الثقافي". وبدل تدخل الجانب العربي في مجلس الأمناء لتصحيح الوضع، أبدى الجانب العربي "تقاعسا وعدم جدية في معالجته"، فحصلت فجوة تمت تغطيتها بالاعتماد على السكرتيرة الإدارية، التي تزايدت صلاحيتها مع مرور الوقت إلى درجة باتت فيها "جائزة البوكر مقترنة بالاسم الشخصي للسكرتيرة الإدارية"، ليكون ذلك من الأسباب المباشرة التي دفعته لتقديم استقالته دون تردد، أثناء احتفالية أبو ظبي الأخيرة، والتي أكدت أن كل الأمراض التي ترزح تحت وطأتها الثقافة العربية قد انتقلت إلى الجائزة، و"لا أمل في إصلاح الأمور لأن الأعضاء العرب في مجلس الأمناء هم الطرف الأضعف والمتساهل المكتفي بالفرجة، بينما الأعضاء الانكليز يحاولون وبصدق مشكورين تطبيق القواعد الإنكليزية، إلا أن وجود نقص في فهمهم للواقع العربي بالإضافة إلى زيادة الاعتماد على السكرتيرة الإدارية وتوسيع صلاحياتها، بشكل بات يوحي بأنها تمثل بشخصها الجائزة"، حتى أنها في الاجتماع الأخير والذي من المفترض أن يكون ختاماً للدورة الثانية وتحضيرا للدورة الثالثة، "تغيبت عن الاجتماع لارتباطها بلقاء تلفزيوني"!! الأمر الذي اعتبره رياض الريس "استهتاراً بمجلس الأمناء وبرئيسه الذي حرص على حضور الاجتماع رغم ارتباطه بموعد سفره". ولدى إثارة موضوع تغيب السكرتيرة عن الاجتماع والتساؤل عما إذا كان الظهور في التلفزيون أهم من الاجتماع الذي سيناقش الأسماء المقترحة لتشكيل لجنة التحكيم للدورة الثالثة، ما اضطرهم إلى تأجيل ذلك بسبب وجود قوائم الترشيحات معها، "دافع اثنان من الأعضاء الانكليز عن تغيبها واعتبرا أن ظهور جمانة حداد في التلفزيون أهم من حضور الاجتماع، لأنه يعد دعاية وترويجاً للجائزة!!" مع أنه بحسب رأي الريس "الإعلام العربي والإماراتي على وجه الخصوص لم يقصر طيلة الأشهر الثلاث الأخيرة في الدعاية المكثفة للجائزة". بالإضافة إلى ذلك كانت هناك أمور أخرى وتفاصيل كثيرة أثيرت في الاجتماع الأخير تحفظ عليها الأعضاء العرب منها على سبيل المثال "عدم استشارة مجلس الأمناء في موضوع إعداد أفلام وثائقية وبروشورات ترويجية عن المرشحين للجائزة، من حيث الميزانية التي رصدت لهذه الأفلام ومن تولى أمر إنتاجها، كما لم يتم اطلاعهم على كيفية إدارة تنظيم الاحتفالية والاستضافة وميزانيتها"، كما تبين أن هناك من تم استبعادهم من الصحافيين والمثقفين، أما الذين تمت دعوتهم فوفقا "لاعتبارات أهمها مراعاة العلاقات الشخصية للسكرتيرة، وليس للاعتبارات المهنية، واستطاعت بكل كفاءة أن تنقل وبأمانة الشللية اللبنانية إلى الجائزة العالمية للرواية العربية"، كما فوجئ الأمناء باختيار كاتب هندي يكتب بالانكليزية "غير معروف عربياً، ومتوسط القيمة أدبياً، سبق ونال جائزة أسوأ رواية، ليكون خطيب الحفل"، علما أن جائزة بوكر الانكليزية تختار عادة كاتبا عالمياً ليكون خطيب الحفل. ما دفع الريس للتساؤل باستهزاء: "هل عالمية الرواية العربية تحتاج لكاتب غير معروف ليكون خطيب الحفل؟! وما الذي يدعونا لهذه الفرنجة؟!" ويتابع الريس "كل هذه الأمور كان يجب مناقشتها في اجتماعات لندن لكن ذلك لم يحصل، وعندما ذهبنا إلى أبو ظبي وجدنا أن كل شيء كان جاهزاً"، بما يعبر أفضل تعبير عن أن مجلس الأمناء كان مجرد "شاهد ما شفش حاجة".
بعد ثلاث سنوات (سنة تأسيس وسنتان) منذ إطلاق أول دورة، قرر رياض الريس المعروف بسرعة نفاد الصبر إنهاء "خدمته العسكرية" في مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية، قبل عام على انتهاء المدة المحددة للمجلس وهي ثلاث سنوات، كان خلالها الأكثر صراحة وإثارة للأسئلة والنقاش وإبداء التحفظات، فقدم استقالته بعدما بات "من الصعب أن أؤدي دوراً مفيداَ لهذه الجائزة، ومن الصعب عليَّ كعضو في مجلس الأمناء أن أتبنى ما يصدر من قرارات لجنة التحكيم، وأن أدافع عنها من الآن فصاعداً، واخترت النجاة بنفسي من عمل الأفضل ألا يرتبط باسمي".
لكن ألم يكن هناك فرصة لإصلاح الأمور من خلال مناقشتها خاصة أن بعض المسائل جرت مراعاتها مثل مراعاة التوزيع الجغرافية لأعضاء لجنة التحكيم في الدورة الثانية بعد الانتقادات التي وجهت للجنة في الدورة الأولى؟! يضحك رياض الريس ويقول: "عندما تفشل الحركة التصحيحية من الداخل لا بد من القيام بانقلاب، وهذا ما فعلته".
أخيراً، حذر الريس من الاستمرار في "إهمال مجلس الأمناء وعدم إطلاعه على حقائق الأمور وما يجري في كواليس لجنة التحكيم وكواليس الإدارة، لأن ذلك سيؤدي بالجائزة لتكون كغيرها من الجوائز العربية، خاضعة للشروط المَرَضية ذاتها: (التوازنات السياسية، والحصص الجغرافية والشلل الثقافية والمحسوبيات، وهيمنة بلد على الجائزة)"... ومع أن رياض الريس لم يخف غضبه مما آل اليه حال تنظيم إدارة الجائزة إلا أنه اعتبر موقفه ينطلق من حرصه عليها، وأمله أن يتم تدارك ما وقعت فيه داعيا إلى "تطبيق قواعد بوكر الإنكليزية على بوكر العربية التي للأسف لم تطبق".
بيروت ـ سعاد جروس : ( كلنا شركاء) 26 /3/2009
08-أيار-2021
30-تشرين الثاني-2011 | |
03-أيلول-2011 | |
20-تشرين الأول-2010 | |
بعد فشل حركته التصحيحية داخل بوكر رياض نجيب الريس يعلن الانقلاب عليها |
28-آذار-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |