الكذب الموجه
2010-10-20
عاما بعد آخر يتكرس المؤتمر الذي يدعو إليه مركز “الإعلاميات العربيات” في عمان مساحة واسعة لبث الهموم الإعلامية وما يتصل بها من قضايا سياسية واجتماعية وثقافية، تحتدم فيه نقاشات متخففة من الخطوط الحمر التي تثقل كاهل العمل المهني، ليكون اللقاء فرصة للتعرف إلى جوانب خفية من قضايانا المتشعبة والمتناسلة من بعضها بعضاً. وككل المؤتمرات تبدأ النقاشات في القاعة ولا تنتهي خلال الاستراحة، أو حول موائد الطعام، لكن ما يميز مؤتمر الإعلاميات الطابع النسوي بما يعنيه من صراحة مشوبة بانفعالات شتى تتنوع بين الجد والمرح، بين حدة الآراء والسخرية المرنة، في تفاعل لا تنقصه الحيوية والحميمية، يحتال على تردي واقع الحريات ويقاوم مشاعر خيبة لا بد أن تصيب الإعلامي كلما ولغ في حيثيات الواقع السياسي والاجتماعي الشائك.
“المؤتمر الثامن للإعلاميات العربيات” الذي عقد الأسبوع الماضي في الأردن تحت عنوان (الإعلامية العربية ودورها الإستراتيجي في القضاء على العنف) قارب فيه جرح صدقية وحيادية الإعلام في مناطق النزاعات والحروب، جرح لا يندمل ولا يكفي للحديث عنه أربعة أيام حفلت بحوار جدي ومعمق. فالقضايا العربية تزداد تعقيداً من فلسطين والعراق ولبنان إلى السودان ودارفور كبلدان ومناطق ساخنة. أما الأخرى التي تشهد نزاعات باردة، فحدّث ولا حرج عن التطرف بمختلف أشكاله، والمد الطائفي والردة العشائرية وغيرها من أدوات التفتيت والانقسام وإشعال الحرائق، يمارس فيها الإعلام دور المحرض، تحت ستار نقل الحقائق. هذه هي مأساة الإعلامي الذي يعمل ضمن مؤسسات تتبنى أجندات جاهزة غالباً تصاغ خارجها. إذ واقعياً لا حياد في الإعلام، وسيان إذا سعى للتهدئة وإطفاء الحرائق، أو العكس إذكاء نار الأزمات، فهو في الحالتين يجافي الصدقية والحياد.
إن المعضلة الصعبة هي في الإجابة عن سؤال، هل التزام الإعلام بنقل الحقيقة يحقق الهدف؟ والإجابة بالتالي لا تختلف فقط باختلاف الهدف، بل باختلاف السياسات الإعلامية، إذ لا حقيقة في ما ينقله الإعلام، إن قول جزء مما يجري هو: كذب موجه.
الكذب الموجه؛ تحدثت عنه مواربة أو بشكل مباشر أوراق عمل حملت شهادات لإعلاميات وفدن من المحيط إلى الخليج، يمثلن اتجاهات سياسية مختلفة وتيارات فكرية متعددة ومتناقضة، أبرزها كانت تجارب الزميلات الفلسطينيات اللواتي كن كما في المؤتمرات السابقة الأكثر عدداً بين المشاركات بعد الزميلات الأردنيات، جئن من مختلف المدن والمناطق الفلسطينية: رام الله، غزة، القدس، مناطق لـ 48. كانت فرصة لنا للاطلاع منهن على ما يجري داخل فلسطين مما لا يقاربه الإعلام، وهذا يحسب لمركز الإعلاميات الذي يولي اهتماماً خاصاً للمشاركة الفلسطينية كل عام.
الحديث عن الوجع الفلسطيني إذا بدأ لا يتوقف، والشهادات استخلصت من معايشة يومية مع احتلال عنصري يتفنن في ابتكار طرق الحصار والإذلال، يضاف إليها المآسي الناجمة عن المساعي الحثيثة لتهويد القدس، ومعاناة الانقسام الفلسطيني والتفاوض العبثي .. إلخ من قضايا تفرعت عن قضية فلسطين المطلوب تصفيتها دولياً. ومع أن شكوى زميلاتنا الفلسطينيات لم تتركز على دور الإعلام حيال كل تلك القضايا، لكن منسوب مشاعر الأسف والخيبة السلبية كان مرتفعاً في أحاديثهن عما كان عليه في الأعوام الماضية. إذ إن أكثر من ستين عاماً من الاحتلال المرير، لم تضعف الأمل لدى الفلسطينيين كما فعلت ثلاث سنوات من الانقسام. أحاديثهن لم تفاجئنا لكنها عمقت الشعور بالعجز حيال سياسات عربية هزيلة، تجعل مجرد رؤية أرض مقدساتنا من خلف الأسلاك الشائكة حلماً يعتصره الحنين، وتجعل تنقل الأوغاد فوقها أمراً واقعاً، من الصعب القبول به. لن ننسى منظر زميلة فلسطينية من رام الله وقفت على شط البحر الميت من الجانب الأردني تشير بيدها إلى شط الجانب الفلسطيني قائلة: أنظروا هذا الشط محرم علينا دخوله. قالت ذلك وسارعت تغرس قدميها الحافيتين في طين البحر، وكأنها بخطوة أخرى ستدخل الجانب المحرم عليها من فلسطين. موقف يصعب تناوله إعلامياً بحياد ليس لغلبة العاطفة وتأجج المشاعر، بل لمحاذير كثيرة تحفه، وألغام قد تنبت من تحت كل حرف يخرق خطاً أحمر.
لا جديد في القول، إن الإعلام الذي يمارس الكذب الموجه غير معني بالوجدان ولا بالعاطفة، ولا حتى بالحقائق، وإنما بمخططات يراد تمريرها كما أوضحت زميلاتنا السودانيات، اللواتي فاجأننا بوصفهن الإعلام بأنه لا يكف عن التضليل الموجه في تغطياته للأوضاع في السودان وإقليم دارفور على وجه التحديد، وعلى مدار الساعة تشوه الوقائع بهدف التغطية على حقيقة النزاع، وتكريس التوجه نحو التقسيم، وقلن إن حالات الاغتصاب التي يجري الحديث عنها في دارفور تتسم بكثير من المبالغة، حتى أن صحفياً سودانياً تعرض لهذا الأمر بالنقد، قطع رأسه على يد جماعة محلية وجدت في نشر قصص مبالغ فيها وصف الانتهاكات، تجارة رابحة بغض النظر عن المصلحة الوطنية. حوادث وقصص فظيعة روتها الزميلات السودانيات وهن يطالبن الإعلام العربي بالحضور إلى السودان للوقوف على حقيقة ما يجري وعدم تركه ساحة يعبث بها الإعلام الأجنبي على هوى مصالحه.
رغم أهمية هذه الدعوة لكنها لا تعني الإعلام العربي بقدر ما تعني الأنظمة العربية، للوقوف إلى جانب السودان، فالإعلام لا يذهب إلى حيث لا تريد السياسة، كما أن وجود الإعلام العربي في مناطقنا الساخنة لا يفيد دائماً في فهم حقيقة ما يجري على الأرض، بل قد يزيد الأمور التباساً كما هي الحال في العراق، وقد يكون أداة تحريض وتخريب كما هو الأمر في لبنان.
العلة ليست في الإعلام وإنما في توجهات السياسة. أما علة العلل ففي تخبطها كما الحال في فلسطين وفي واقعنا العربي عموماً... ومع ذلك لا بد من القول إن إصرار مركز الإعلاميات العربيات على عقد مؤتمر سنوي لطرح مثل هذه القضايا أمر مهم لإطلاق نداءات تنبه الى ما يجري، حتى لو كان لسان الحال يقول: لا حياة لمن تنادي.
الكفاح العربي
08-أيار-2021
30-تشرين الثاني-2011 | |
03-أيلول-2011 | |
20-تشرين الأول-2010 | |
بعد فشل حركته التصحيحية داخل بوكر رياض نجيب الريس يعلن الانقلاب عليها |
28-آذار-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |