فصل من كتاب رؤية التانترا / سر التجربة الداخلية : ترحمة
2009-04-12
سر التجربة الداخليّة
يعتبر ساراها مؤسس الرؤية التانترانية. وهي تكتسب أهمّية كبيرة، خصوصاً في الزمن الحاضر من التاريخ الإنساني، لأن أنساناً جديداً يجاهد كي يولد، ولأن وعياً جديداً يقرع الأبواب. وسيكون المستقبل للتانترا، لأنه لم يعد بإمكان المواقف المزدوجة بعد الآن أن تكبّل عقل الإنسان".
أوشو
اسمٌ آخرٌ للقداسة، تعبير آخر للبركة. يمنح الأمل والثقة، الحب والحنان، الحياة والوعي للجنس البشري المحاصر بالموت والدمار والألم والمعاناة. إنه دعوة لتجربة إيقاع جديد في الحياة، رقصة جديدة، إثارة جديدة في حياة المرء.
وفقدانه هو فقدان لأعظم نعمة
أوشو
لم يولد
ولم يمت
لكنه زار هذا الكوكب من 11 ديسمبر/كانون الأول، 1931 إلى 19 يناير/كانون الثاني، 1990
هذه الأحاديث هي ردوده العفوية المباشرة أمام الجمهور، وهي ذات دلالة سرمدية، تهم كافة البشر.
الشخص الذي رمى سهمه
ترنيمة ساراها الملكية
أَنحني لمانجوسري النبيل
أَنحني لمن قهر المحدود
كما المياه الساكنة التي تضربها الريح
تتحول إلى أمواج ودوّامات،
هكذا الملك يرى ساراها
في أشكال عدة، على الرغم من أنه واحد.
أحمق من يلحظ المصباح الواحد اثنين
لأن المشاهِد والمشاهَد واحد وليسا اثنين،
يا للغرابة!
إن الفكر يؤثر في كليهما.
مع أن مصابيح البيت مضاءة
يظل الأعمى يعيش في الظلام
مع أن العفوية قريبة وتحيط بكل شيء
لكنها تبقى للمخدوع قصية دوماً.
رغم وجود العديد من الأنهار، إلا أنها في البحر واحد،
ورغم وجود العديد من الأكاذيب،
إلا أن حقيقةً واحدة ستقهرها جميعاً.
عندما تبزغ شمس واحدة، سيختفي الظلام،
مهما كان دامساً.
غوتاما، البوذا هو المعلّم الأعظم الذي سار أبداً على الأرض. إن السيد المسيح هو معلّم عظيم، وكذلك كريشنا، وماهافير*، والنبي محمد، وغيرهم الكثير.. لكن بوذا مافتئ يبقى المعلم الأعظم. ليس لأنه حقق استنارة أعظم شأناً من أي معلّم آخر.. وليس لأن الاستنارة مسألة أكثر أو أقل شأناً .. فقد توصّل إلى نفس ماهيّة الوعي التي توصّل إليها ماهافير، والمسيح، وزاراثوسترا، ولاوتسو.
لا يتعلق الأمر بأن أي شخص مستنير يمكن أن يكون أكثر استنارة من أي شخص آخر. لكنه يتعلق بقدر ما يكون معلّماً، فبوذا لا يضاهى.. لأنَّ آلاف الناس حققوا الاستنارة من خلاله. وهذا لم يحصل سابقاً مع أي معلّم آخر. لقد كان مساره هو المسار الأكثر إثماراً. أما عائلته فكانت العائلة الأكثر إبداعاً حتى الآن. كان بوذا أشبه بشجرة كبيرة ذات فروع عديدة .. وكل فرع منها كان مثمراً زاخراً بالكثير من الثمار.
أما مهافير فقد بقي ظاهرة محليّة. وسقط كريشنا بين أيدي مريديه وتاهَ. وحُطّمَ المسيح بالكامل من قبل الكهنة. وكان يمكن أن يحدث الكثير لبوذا، لكنه لم يحدث. فقد كان بوذا محظوظاً جداً. ليس لأن الكهنة لم يحاولوا ذلك، وليس لأن المريدين لم يحاولوا فعل كل ما كان بوسعهم فعله، لكن تعاليمه كانت متوارثة بطريقة فريدة.. بحيث كان من غير الممكن تشويهها. فهي ما تزال حية. وبعد مضي خمسة عشرين قرناً لا زالت تتفتح بعض أزهار شجرته.
يأتي الربيع وما يزال شذاها فوّاحاً، ما يزال ثمرها يانعاً.
كان ساراها ثمرةٌ من نفس الشجرة. فقد وُلِدَ بعد بوذا بقرنينِ تقريباً. كان في الخط ذاته ولكن لفرعٍ آخر. أحدهما ينبثق من ماهاكاشايب وينتهي إلى بودهيدهارما ومنه وُلِدَ مذهب الزِنْ.. وهو ما يزال ممتلئاً بالزهور. هذا فرع. أما الفرع الآخر فينبثق من بوذا إلى ابنه راؤولبهادرا، ومن راؤولبهادرا إلى سري كيرتي، ومن سري كيرتي إلى ساراها، ومن ساراها إلى ناركارجيونا.. وذلك هو فرع التانترا، وهو ما زال يثمر في التيبت.
غيّرَت التانترا معتقدات التيبت، وساراها هو مؤسس التانترا مثلما أن بودهيدهارما هو مؤسس الزِنْ. لقد غزى مذهب بودهيدهارما الصين، وكوريا، واليابان. أما مذهب ساراها فقد غزى التيبت.
أغاني ساراها بالغة الجمال. وهي بالفعل أساس التانترا. ولكن عليك أن تفهم أولاً موقف التانترا تجاه الحياة، رؤية التانترا للوجود.
هذا هو العنصر الأكثر جوهرية في التانترا.. العنصر الجذري جدّاً والثوري والمتمرّد.. فالرؤية الأساسية للتانترا هي أن العالم غير مقسم إلى أدنى وأعلى، بل هو قطعة واحدة. فالأعلى والأدنى هما أيادٍ متشابكة. الأعلى يتضمن الأدنى، والأدنى يتضمن الأعلى. الأعلى يتوارى في الأدنى.. لهذا فإن الأدنى لا ينبغي إنكاره، لا ينبغي إدانته، ولا ينبغي أن يحطَّم أو يُقتل. الأدنى يجب أن يتحول. ويجب أن يُسْمَح له بالحركة إلى الأعلى … فالأدنى يُصبحُ أعلى. وليس هناك فجوة غير قابلة للردم بين الشيطان والله، فالشيطان يحمل الله في أعماق قلبه. وحالما يبدأ ذلك القلب بالعمل، يصبح الشيطان إلهاً.
ذلك هو السبب في أن الجذر الفعلي لكلمة "devil" " شيطان " يَعْني نفس معنى كلمة "divine" "إلهي". فكلمة " devil " جاءت مِنْ " divine" " إلهي "، والشيطان هو الإله الذي لم يتطور بعد، هذا كل ما في الأمر. ليس الشيطان ضد الإله، ولا هو يحاول القضاء عليه.. والحقيقة، أن الشيطان يحاول العثور على الإله. وهو في الطريق نحو الإله؛ إنه ليس العدو، بل البذرة. والإله هو الشجرة التي تفتحت أزهارها بالكامل بينما الشيطان هو البذرة.. بل إن الشجرة تختفي في البذرة. والبذرة ليست ضد الشجرة، الحقيقة، أن الشجرة لا يمكنها أن توجد ما لم تكن البذرة موجودة. والشجرة ليست ضد البذرة. فهما في صداقة عميقة، إنهما ملتحمتان.
السم والرحيق طوران لنفس الطاقة، وكذلك الحياة والموت وكل شيء: الليل والنهار، والحب والكراهية، والجنس والوعي الفائق.
تقول التانترا: لا تُدِنْ أي شيء أبداً.. فالإدانة تصرّف أحمق. فحين تدين شيئاً ما، فإنك تحرم نفسك من تطوير الأدنى عندما تتوفر له الإمكانية. لا تُدِن الطين، لأن اللوتس يتوارى في الطين، والطين يُستَخدَم لإنتاج اللوتس. وبالطبع، فإن الطين ليس اللوتس حتى الآن، لكنه يمكن أن يكون كذلك. والشخص المبدع، أو الشخص التقي، يساعد الطين على تحرير لوتسه وبهذا يُمْكنُ للوتس أن يتحرر من الطين.
إن ساراها هو مؤسس الرؤية التانترية. . وهي تكتسب أهمّية كبيرة، خصوصاً في الزمن الحاضر من التاريخ الإنساني، لأن أنساناً جديداً يجاهدكي يولد، ولأن وعياً جديداً يقرع الأبواب. وسيكون المستقبل للتانترا، لأنه لم يعد بإمكان المواقف المزدوجة بعد الآن أن تكبّل عقل الإنسان.
لقد حاولوا ذلك لقرون وقد شلّوا الإنسان وجعلوه آثماً. لم يجعلوا منه إنساناً حرّا بل سجيناً. ولم يجعلوه سعيداً أيضاً، بل جعلوه إنساناً بائساً جداً.
أدانوا كل شيء.. بدءاً من الطعام وصولاً إلى الجنس؛ من العلاقة وحتى الصداقة، لقد أدانوا كل شيء. فالحُبُّ مُدان، والجسد مُدان، والعقل مُدان. لم يتركوا لك بوصة واحدة كي تقف فوقها، لقد سلبوا كل شيء. وتركوا الإنسان معلقاً، معلّقاً تماماً.
وحالة الإنسان هذه لا يمكن احتمالها أكثر من ذلك. والتانترا يمكن أَن تمنحك منظوراً جديداً، لهذا اخترت الحديث عن ساراها. فساراهاواحدٌ من أكثر الأشخاص المحبوبين لدي. إنه حبي القديم.
من الجائز أنك حتى لم تسمع باسم ساراها، لكن ساراها هو أحد المحسنين العظماء للبشرية. فَلَوْ كنتُ أعُدُّ على أصابعي عشرة من المحسنين إلى البشرية، فسيكون ساراها أحد أولئك العشرة. ولو كنت أعد خمسة، فلن أكون أيضاً قادراً على إسقاط ساراها. وقبل أن ندخل في أناشيد ساراها هذه، لا بد من إعطاء لمحة عن حياة ساراها.
ولِدَ ساراها في فيداربها أثناء حكم الملك ماهابالا، وفيداربها هذه هي جزءُ من ماهاراشترا قريبة جداً من بونا. كان ساراها ابناً لشخصٍ من طائفة البراهمن* مثقفاً جداً يعمل في بلاط الملك ماهابالا. كان الأب في البلاط وكان الشاب ساراها أيضاً في البلاط. وكان له أربعة إخوة آخرون، جميعهم علماءَ كبار، وكان هو الأصغر بينهم والأكثر ذكاءً منهم جميعاً. كانت شهرته تنتشر شيئاً فشيئا في جميع أنحاء البلاد، وقد فُتِنَ الملك كثيراً بتفكيره الرائع.
كان الإخوة الأربعة أيضاً موهوبين وعظماء للغاية، ولكن لا أحد منهم يمكن أن يقارَن بساراها. وعندما أصبحوا ناضجين، تزوج الأربعة. وكان الملك راغباً بتزويج ابنته الوحيدة لساراها، لكن ساراها أراد التخلي عن كل شيء.. أراد أن يصبح ناسكاً. أُحرِجَ الملك، وحاول إقناعه.. فقد كان ساراها شابّاً وسيماً وذكياً جداً. وكانت شهرته تنتشر في جميع أنحاء البلاد، وبسببه اشتهر بلاط الملك مهابالا. قلق الملك كثيراً، ولم يكن يريد لهذا الشاب بأن يصبح ناسكاً.
أراد الملك حمايته، أراد منحه كل الراحة الممكنة.. وكان مستعداً لفعل أيّ شيء من أجله. لكن ساراها كان مُصرّاً ولم يكن هناك مناص من منحه الموافقة.. وهكذا أصبح ناسكاً، وصار واحداً من أتباع سري كيرتي.
كان سري كيرتي على الخط المباشر لبوذا.. الذي بدأه بوذا، ومن بعده ابنه راؤول بهادرا، ومن بعده جاء سري كيرتي. إذن كان هناك معلمان فقط بين ساراها وبوذا، فهو ليس بعيداً جداً من بوذا. ولا بد أن تبقى الشجرة في منتهى الاخضرار، لا بد أن تظل الذبذبة حيّة للغاية. كان بوذا قد رحل للتو. ولا بد للجو من أن يظل ممتلئاً بعطره.
صُدِمَ الملك، لأن ساراها كان براهميّاً. فإذا أراد أن يصبح سانياسن* sannyasin فعليه أن يصبح سانياسيناً هندوسياً، غير أنه اختار معلّماً بوذيّاً. كانت عائلة ساراها أيضاً قَلِقة جداً. والحقيقة، أن الجميع وقفوا ضده. . . وهذا لم يكن مناسباً له. ثم غدت الأمور أكثر سوءاً .. وسوف نأتي على الحديث عنها.
كان اسم ساراها الأصلي راؤول، سمّاه به والده. و سوف نعرف كيف أصبح اسمه ساراها فيما بعد.. فتلك قصة جميلة.
عندما ذهب إلى سري كيرتي، كان أول شيء قاله له: "انسَ كل فيداتك** وكل تعليمك وكل ذلك الهراء". كان ذلك صعباً على ساراها، لكنه كان مستعداً للمجازفة بأي شيء. كان هناك شيءٌ فتنه في حضرة سري كيرتي. فقد كان سري كيرتي مغناطيساً عظيماً، وهكذا تخلى ساراها عن كلِّ تعليمه السابق، وأصبح أمياً من جديد.
كانت هذه واحدةٌ من أكبر التنازلات: من السهل ترك الثروة، من السهل ترك مملكة عظيمة، لكن ترك المعرفة هو الشيء الأكثر صعوبة في الدنيا. في المقام الأول، كيف يمكن أن تتركها؟ فهي موجودة في داخلك. بمقدورك أن تهرب من مملكتك، أن تذهب إلى الهيمالايا، أن توزع ثروتك.. ولكن كيف تترك معرفتك؟ سيكون من المؤلم جداً أن تصبح جاهلاً من جديد. إنه لأمر في منتهى القسوة أن تصبح جاهلاً مرّة أخرى، أن تصبح من جديد بريئاً كالطفل … غير أن ساراها كان مستعداً لذلك.
مضت السنوات، وشيئاً فشيئاً، محا كل ما تعلمه في الماضي، وغدا متأمِّلاً عظيماً. وبنفس الطريقة التي بدأ يصبح فيها مشهوراً جداً كتلميذ عظيم، بدأت شهرته الآن تنتشر في الآفاق كمتأمّل عظيم. وأخذ الناسُ يتوافدون من أماكن بعيدة، فقط من أجل أن يلقوا نظرة خاطفة على ذلك الشاب الصغير الذي غدا بريئاً جداً، كورقة شجر غضّة، أو كقطرات الندى فوق عشب الصباح.
ذات يوم، شاهد ساراها فجأةً رؤيا بينما كان يتأمل.. كانت الرؤيا حول امرأة تعمل في السوق وتصبح معلّمه الحقيقي. لقد وضعه سري كيرتي على الطريق، لكن التعليم الحقيقي هذه المرّة سيأتي من امرأة. وهذا يعني بوضوح، أن التانترا هي الوحيدة التي لم يكن لديها تعصباً ذكوريّاً. والحقيقة، أنك لكي تدخل إلى عالم التانترا تحتاج لأن تتعاون مع امرأةٍ حكيمة، فبدونها لن تكونَ قادراً على الدخول إلى عالم التانترا المعقد.
لقد شاهد رؤيا حول لقاء امرأة في السوق. إذن، فهي أولاً امرأة. وثانياً .. في السوق. إذن تترعرع التانترا في السوق، في زحمة الحياة. وهكذا نهض واقفاً؛ لم يكن تصرّفه هذا استهجاناً، بل إنه في منتهى الايجابية. فسأله سري كيرتي: " إلى أين أنت ذاهب ؟" أجاب: "لقد أريتني الطريق. خلصتني من تعليمي السابق ورميته بعيداً. أديتَ نصف العمل.. نظفتَ سِجِلِّي. وأَنا جاهز الآن لكي أعملَ النصف الآخر". وببركات سري كيرتي، الذي كان يضحك، مضى ساراها بعيداً.
توجّه إلى السوق. وكان مندهشاً: لقد وجد المرأة حقاً. المرأة التي شاهدها في الرؤيا. كانت تصنعُ سهماً، إنها صانعةُ سهام.
الشيء الثالث الذي يجب تذكّره عن التانترا هو أن الشخص الأكثر ثقافة، والأكثر تحضراً، هو الأقل إمكانيةً في تحوله إلى التانترا. والشخص الأقل تحضراً، والأكثر بدائية، هو الشخص الأكثر حيوية. فكلما أصبحت أكثر تحضراً، كلما أصبحت أقرب إلى مادة البلاستيك.. فحين تصبح مصطنعاً، ومثقفاً أكثر من اللازم، تفقد جذورك في الأرض.
إذا كنت تخشى العالم الموحل، فابدأ بالعيش بعيداً عنه، ابدأ بتكوين نفسك كما لو أنك لست من هذا العالم. فالتانترا تقول: لكي تعثر على الإنسان الحقيقي عليك أن تمضي إلى الجذور.
لهذا ترى التانترا بأن أولئك الذين ما زالوا غير متحضرين. وغير متعلمين وغير مثقفين، هم الأكثر نشاطاً، ولديهم حيويةُ أكثر. وتلك هي أيضاً نظرة علم النفس المعاصر. فالزنجي أكثر حيوية من الأمريكي.. وهذا ما يخيف الأمريكي. إن الأمريكي يخشى كثيراً من الزنجي. وسبب الخوف هو أن الأمريكي أَصبح بلاستيكيّاً للغاية. أما الزنجي فما زال حيوياً، ما زال ملتصقاً بالأرض.
الحقيقة أن النزاع بين السود والبيض في أمريكا ليس نزاعاً بين الأسود والأبيض، بل هو نزاعُ بين البلاستيكي والحقيقي. والأمريكي، أي الرجل الأبيض خائفُ جداً، والسبب الأساسي هو أنه إذا أُتيح المجال للزنجي! فسيفقدُ الأمريكي امرأته، لأن الزنجي أكثر حيوية، فهو جنسيّاً أكثر حيويةً، وأكثر نشاطاً، طاقتهُ ما زالت بدائية. تلك هي أكبر مخاوف المتحضرين: خسارة نسائهم. فهم يعرفون أنه إذا وجِدَ أشخاصٌ أكثر حيوية منهم، فلن يكونوا قادرين على الاحتفاظ بنسائهم.
تقول التانترا: في عالم أولئك الذين ما زالوا بدائيين، توجد إمكانيةً للبدء بالنمو. لقد نما المتحضر في اتجاه خاطئ، بينما البدائيون لم ينضجوا بعد.. ومازال بإمكانهم أن يختاروا الاتجاه الصحيح. لذا فهم أكثر إمكانية للوصول إليه، وليس أمامهم أي شيء يعيقهم، وبإمكانهم أن يمضوا إليه مباشرة.
أما المرأة صانعة السهام فهي امرأة من طبقة دنيا، وبالنسبة لساراها.. المثقف البراهمي، البراهمي الشهير، الذي كان ينتمي إلى البلاط الملكي، فإن ذهابه إلى المرأة صانعة السهام هو مسألة رمزيّة. إذ يجب على المتعلم أن يذهب إلى الحيوي، وعلى البلاستيكي أن يذهب إلى الحقيقي.
شاهد ساراها تلك المرأة، وكانت امرأة شابة نشيطة جداً ومفعمة بالحياة، تُقَطِّعُ نصلة سهم دون أن تنظر إلى اليمين أو إلى اليسار، لكنها منهمكة كليّا في عملها.
على الفور شعر بشيء استثنائي في طلعتها، شيء ما لم يصادفه سابقاً. حتى سري كيرتي، معلّمه، بُهت أمام طلعة هذه المرأة. شيء نضِرٌ جداً وشيء من المنبع ذاته...
كان سري كيرتي فيلسوفاً عظيماً. أجل، لقد طلب من ساراها بأن يتخلّى عن كل تعليمه السابق، لكنه ظل رجلاً متعلماً. كما طلب منه أن يتخلى عن كل الفيدات والكتب المقدسة، ولكن ظلّت لديه كتبه المقدسة الخاصة وفيداه الخاصة. ومع أنه كان معادٍ للفلسفة، إلا أن معاداته للفلسفة كانت بنت الفلسفة. أما الآن، فلدينا امرأة لا هي فيلسوفة ولا هي معادية الفلسفة.. إنها ببساطة لا تعرف ما هي الفلسفة، وهي سعيدةٌ أيضاً لجهلها بعالم الفلسفة وبعالم الفكر. إنها امرأة فعل، تستغرق تماماً بما تفعله.
راقبَ ساراها المرأة بعناية: لقد أصبح السهم جاهزاً الآن، كانت تغمض عيناً وتفتح العين الأخرى، متّخذةً وضعية تسديد نحو هدف وهمي. اقترب ساراها أكثر. لم يكن هناك هدف الآن، كانت تتخذ وضعاً ليس أكثر. لقد أغمضت عيناً وأبقت الأخرى مفتوحة، مسدّدةً نحو هدف ما، مجهول وغير مرئي، أو بالأحرى لم يكن هناك هدف. وبدأَ ساراها يشعر برسالة ما. فهذا الوضع كان رمزياً، وقد أحسّ به، لكن الإحساس ما يزال باهتاً وغامضاً. لقد شعر بوجود شيء ما، لكنه لم يستطع أَن يتبيّنَ ماهيته.
وهكذا سأل المرأة إن كانت تحترف صنع السهام، فضحكت بصوت عال ضحكة همجية وقالت: "أنت براهمي غبي! تخليت عن الفيدات، لكنك الآن تعبدُ أقوالَ بوذا ودْهامّابادا. إذن ما الهدف من ذلك؟ لقد غيّرتَ كُتُبَكَ، غيّرتَ فلسفتكَ، لكنك بقيت طوال الوقت الرجل الغبي نفسه".
صُدِمَ ساراها. فلم يسبق أن كلّمه أحد بتلك الطريقة، فقط امرأة أمّية يمكن أن تتحدث بهذه الطريقة. لأن الطريقة التي ضحكت بها كانت مبتذلة جدّاً، بدائيّة للغاية.. ومع ذلك، كان هناك شيء ما حيٌّ جداً. وشعر بأنه منجذب له.
كانت مغناطيساً هائلاً ولم يكن هو سوى قطعة من الحديد. وبعد ذلك قالت: "هل تظن نفسك بأنك بوذي؟ - لا بد أن ساراها كان في ثوب راهبٍ بوذي، وهو الثوب الأصفر – ثم ضحكت مرةً أخرى وقالت: "يمكن معرفة معنى البوذية فقط من خلال الأفعال، وليس من خلال الكلمات ولا الكتب. أليس هذا كافياً لك؟ ألم تُتخَم بعد من كل هذا؟ لا تهدر الوقت أكثر في ذلك البحث العقيم. تعال واتبعني! "
ثم حدث شيء ما، شيء يشبه الصلة الحميمة. لم يكن قد شعر بمثل ذلك من قبل. واتضح له في تلك اللحظة المغزى الروحي لما كانت تفعله. لم تكن تنظر إلى اليسار ولا إلى اليمين، لقد رآها تنظر إلى الوسط فقط.
وللمرة الأولى فهم ما يعنيه بوذا من أن يكون الإنسان في حالة الوسط، وهذا يعني تَجنُّب القطبين. في البداية كان فيلسوفاً، والآن أصبح ضد الفيلسوف.. أي.. من تطرف إلى تطرّفٍ آخر. في البداية كان يؤلِّه شيئاً، والآن يؤلِّه النقيض تماماً.. غير أن التأليه باقٍ. تستطيع أن تتحرك من اليسار إلى اليمين، ومن اليمين إلى اليسار، لكن ذلك لن يفيدك بشيء. ستكون مثل بندول يتحرّك من اليسار إلى اليمين، ومن اليمين إلى اليسار.
فهل لاحظتَ؟.. أن البندول حينما يتحرّك إلى اليمين، فإنه يكتسب دَفعة كي يتحرّك إلى اليسار؛ وحينما يتحرّك إلى اليسار يكتسب دفعة ثانية للتحرك إلى اليمين. وتستمرّ الساعة، ويستمر العالم. ولكي يكون البندول في الوسط.. يعني أن يتدلّى هناك، تماماً في الوسط، لا في اليمين ولا في اليسار. حينها تتوقف الساعة، ثم يتوقف العالم. عندئذ لا يعود للزمن وجود. . . عندئذٍ تحدث حالة انعدام الزمن.
سمع هذا من سري كيرتي عدة مرات، قرأَ عنه، فكّر وأمعن النظر به كثيراً، تجادل فيه مع الآخرين ، أن تكون في الوسط لهو أمر صحيح. وللمرة الأولى رأى ذلك بشكل عملي: لم تكن المرأة تنظر إلى اليمين ولا إلى اليسار. . . كانت تنظر في الوسط فقط، لقد ركزت نظرها في الوسط.
الوسط هو النقطةُ التي يحدث منها التجاوز. فكِّرْ في هذا الأمر، تأمّلْ فيه، راقبْهُ في الحياة. فالإنسان الذي يجري وراء المال، هو إنسان مجنون، إنه مجنون المال، فالمال هو معبوده الوحيدُ. . .
إمرأة كانت تسأل الأخرى، "لماذا هجرت صديقك؟ ماذا حدث؟ ظننتُ أنك مخطوبة وبأنك تعتزمين الزواج.. ما الذي حدث؟ "
أجابت المرأة، "أدياننا مختلفة، ولهذا انفصلنا."
احتارت السائلة لأنها كانت تعرف بأنّ كليهما كانا كاثوليكيين، لذلك قالت: "ماذا تَعنين بأنّ أديانكما مختلفة؟ "
أجابت المرأة، "هو مُفلس وأنا أعبد المال"
* ماهافير أو ماهافيرا: لقّبَ أيضاً بالزاهد العاري. عاش ما بين 527-599 قبل الميلاد حسب ما ذكر في النصوص اليانية. ولكن بعض المؤرخين يقولون أنه عاش ما بين 477- 549 ق م.
كان معاصراً لبوذا, وهو ابن للملك سيدارثا. تزوج من الأميرة باشودارا وأنجب منها طفلة, بعدها ترك عائلته وتخلّى عن كل ممتلكاته وعاش في عزلة تامة مدّة اثنا عشرة عاماً. كان لدى ماهافير في ذلك الوقت ما يزيد عن 400000 تابع. ترك جسده وهو في الثانية والسبعين من عمره. (المترجم)
* طائفة البراهمن: هي الطبقة الاجتماعية العليا في طبقات المجتمع الهندوسي الأربع.
* Sannyasin السانياسن هو الناسك أو من كان ينتمي إلى جماعة أو مدرسة روحية.
** الفيدا: هي كتب الهندوس المقدسة.
Free Dating sites
2013-08-04
Hi, I really like your site if I am trustworthy. Wherever did you obtain it built?
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |