فصل من كتاب رؤية التانترا: سر التجربة الداخليّة ج2 ترجمة
2009-02-16
هناك أناسٌ إلههم الوحيد هو المالُ. وذات يوم، سيفشل هذا الإله .. سيفشل حتماً. إذ لا يمكنُ للمالِ أن يكون إلها. لقد كان وهمك، كنتَ تتخيّل. يوماً ما ستصل إلى نقطة تستطيع أن ترى منها بأنه لا إله في المال، ولا يوجد شيء فيه، وبأنك كنت تهدر حياتك. عندئذٍ ستنقلبُ عليه، وتأخذُ موقفاً معاكساً: أي أنك تصبح ضد المال. ثم تتركه، ولن تَمَسّه. والآن.. أنت متوجِّس باستمرار، أنت الآن ضدّ المال لكن هاجس المال باقٍ. انتقلت من اليسار إلى اليمين، لكن مركز وعيك ما زال هو المال.
يمكنك الانتقال من رغبة إلى أخرى. كنتَ إلى حدٍّ كبير دنيويّاً جدّاً، وكان بمقدورك ذات يوم أن تصبح لادنيوياً.. لكنك تبقى كما أنت عليه دون تغيير، ويستمر المرض. يقول بوذا: أن تكون دنيوياً يعني أن تكون دنيوياً، وأن تكون لادنيوياً يعني أيضاً أن تكون دنيوياً. أن تعيش لأجل المال هو أن تعيش مجنوناً بعد امتلاك المال، أن تكون ضد المال هو أن تبقى مجنوناً بعد أن ملكت المال، إن التماس القوة حماقة، والهروب منها حماقة أيضاً. أما حين تكون في الوسط فهي الحكمة بحد ذاتها.
رآى ساراها ذلك بالفعل للمرة الأولى.. لم يكن قد شاهد ذلك حتى لدى سري كيرتي. كان هذا حقيقةً. وكانت المرأة مُحقّة عندما قالت: "يمكنك أن تتعلم فقط من خلال العمل". فقد كانت مستغرقة للغاية في عملها بحيث أنها لم تكن تنظر إلى ساراها الذي كان واقفاً يراقبها. كانت بكلّيتها مستغرقة، كانت بكاملها في العمل.. وتلك هي رسالة بوذا مرة أخرى: أن تكون بكلّيتك مستغرقاً في العمل يعني أن تكون متحرراًً من العمل.
خُلِقت الكارما لأنك لم تكن منغمساً كلّياً بالعمل. فلو كنت كذلك، لما خلّف ذلك أية تبعات. اعمل أي شيء بشكل كامل فتنتهي منه، ولن تحمل منه أي ذكرى نفسية. افعل أي شيء بشكل ناقص ولسوف يعلق بك باستمرار.. لأن العمل الناقص ذو تَبِعات. والعقل يُريدُ دوماً الاستمرار والقيام به وإكماله.
والفكر لديه ميل عظيم لإكمال الأشياء. أكملْ أيّ شيء فينتهي الفكر. إذا استمرّيت بعمل الأشياء بصورة كاملة، ذات يوم ستجد فجأة أن الفكر لم يعد موجوداً.
إن الفكر هو الماضي المتراكم من كل الأعمال الناقصة.
أردتَ أن تُحِبَّ امرأةً لكنك لم تُحِب، ثم ماتت المرأة. أردتَ أن تذهب إلى والدك لتطلب الصفح عن كل ما فعلته معه، أردت الصفح عن كل ما كنت تفعله بطريقة مؤذية.. الآن وقد مات والدك، ستبقى التبعات إذن. سيبقى الشبح. . . والآن تجد نفسك عاجزاً.. فما العمل؟ إلى من ستذهب؟ وكيف تطلب الصفح؟ أردتَ أن تكونَ لطيفاً مع صديقك غير أنه لم يعد يمكنك ذلك لأنك أصبحت منغلقاً. والصديق لم يعد صديقاً، لأنه تأذّى منك. فتبدأ حينئذٍ بالشعور بالذنب، وبالندم. وتستمر الأشياء على هذا المنوال.
قم بأي عمل بصورة كاملة فتتحرر منه، ولا تنظر إلى الخلف فالرجل الحقيقي لا ينظر للخلف أبداً.. لأنه لا يوجد شيء لتنظر إليه. الرجل الحقيقي ليس لديه تبعات. إنه ببساطة يمضي للأمام.
عيناه صافيتان لا يعكّرهما الماضي، رؤيته جليّة. وبذلك الجلاء يعرف المرء ما هي الحقيقة.
أنت قلق جدّاً بسبب أعمالك الناقصة.. التي تُشبه مِكَبّ الخردوات. حيث شيء ناقصُ هنا، وشيء ناقصُ هناك .. لا شيء مكتمل. هل راقبت ذلك؟ هل سبق وأن أكملتَ أيّ شيء؟ أم أنَّ كل شيء ناقص وحسب؟ ثم تستمر بتنحية أمرٍ من الأمور جانباً وقبل أن يكتمل تبدأ بأمر آخر. هكذا تُصبحُ مثقلاً أكثر فأكثر.. هذه هي الكارما*، فالكارما تعني العمل الناقص.
كن كاملاً … وستكونُ عندئذٍ حراً.
كانت المرأة مستغرقة في عملها بشكل كامل. لهذا بدت مشرقة للغاية، بدت جميلة جداً. كانت امرأة عادية، غير أن جمالها لم يكن من هذه الأرض. فجمالها جاء بسبب استغراقها الكامل ولأنها لم تكن متطرفة. بل لأنها كانت في الوسط، لأنها كانت متوازنة.
فمن التوازن تولد النعمة.
إنها المرة الأولى التي صادف فيها ساراها امرأة لم تكن جميلة جسدياً وحسب، بل كانت جميلة روحياً أيضاً، وبالطبع، كان مستسلماً. وكان مستغرقاً تماماً، مستغرقاً في كل ما كانت تفعله، وفَهِمَ للمرة الأولى بأن هذا هو التأمُّل. ليس التأمّل أن تجلسَ لفترة معيّنة وتردد مانترا*، وليس بأن تذهب إلى الكنيسة أَو إلى المعبد أَو إلى المسجد، ولكن بأن تكونَ بكلّيتك منغمساً في الحياة.. ليس التأمل بأن تستمر بفعل الأشياء التافهة، بل أن تكون بمثل هذا الاستغراق الذي يوحي بالتعمّق في كل عمل.
لقد فَهِمَ للمرة الأولى ما معنى التأمل. كان يَتأمّل سابقاً، وكان يناضل بصعوبة، ولكنها المرة الأولى التي يكون فيها التأمل هكذا، حيّا. استطاع أن يشعر به. أن يلمسه. كان شيئاً ملموساً تقريباً. وبعدئذٍ تَذكّرَ أن إغماض عين، وفتح الأخرى، هو رمز، رمزٌ بوذي.
بعد ألفين وخمسمائة سنة توصّل علماء النفس إلى تلك النقطة التي ذكرها بوذا من قبل، فهم يتفقون معه الآن...حيث يقول بوذا إن نصف الدماغ يُفكّرُ والنصف الآخر يحدس. فالدماغ ينقسم إلى قسمين، إلى نصفي كرة. الجانب الأيسر هو ملكة الفكر، والمنطق، والاستنتاج، والتحليل، والفلسفة، واللاهوت. . . وبالتالي، الكلمات ثم الكلمات والمجادلة والقياس والاستنتاج. فالجانب الأيسر إذن هو جانب أرسطوطاليسي.
أما الجهة اليمنى للدماغ فهي حدسيّة، إنها ملكة الإلهام الشاعري، والبصيرة، والوعي البديهي والإدراك البديهي. وليست للمجادلة.. لأنك ببساطة.. تدرك ولا تستنتج.. وهذا هو معنى الإدراك البديهي: فالإدراك موجودٌ ببساطة.
وهكذا تُعرَفُ الحقيقة بواسطة الجانب الأيمن للدماغ، وتُستَنتَجُ بواسطة الجانب الأيسر. والاستنتاج هو مجرّد استنتاج، وليس اختباراً.
أدرَكَ ساراها فجأة أن المرأة عندما أغمضت إحدى عينيها: كان ذلك رمزاً لإغماض عين الفكر، عين المنطق. وعندما فَتحت الأخرى كان ذلك رمزاً للحب، للحدس، للوعي. ثم تَذكّرَ وقفتها.
وعند التسديد نحو المجهول غير المرئي، نكون في رحلة لمعرفة المجهول.. لمعرفة ما لا يمكن معرفته. وهذه المعرفة هي المعرفةُ الحقيقيةُ: معرفة ما لا يمكن معرفته، وإدراك ما لا يمكن إدراكه، وإحراز ما لا يمكن إحرازه. وهذا الحماس الفريد، هو ما يجعل المرء باحثاً وَرِعاً.
نعم، إنه مستحيل. ولكنني لا أعني بـ "مستحيل" بأنّه لن يحدث، بل أعني أنّه لن يحدث ما لم تتغيّر أنت بالكامل. لا يمكن أن يحدث طالما أنك باقٍ كما أنت، ولكن هناك سبلاً مختلفة أمام الكائن. بحيث يمكنك أن تكون إنساناً جديداً تماماً... وعندئذ يحدث المستحيل، ولكنه يحدث لإنسان من نوع مختلف. لهذا يقول السيد المسيح: ما لم تولد من جديد فلن تعرفه، لكن إنساناً جديداً سيعرفه.
تعال إلي. أنت لا تعرف ما سيحصل لك. علي أن أقتلك، يجب أن أكون شديد القسوة والخطورة عليك... فلابد أن تزول. بعدها سيولد الإنسان الجديد، قادمٌ بوعي جديد.. سيتحطم فيك كل ما يحمل بطبيعته الزوال فقط، أما الراسخ فسيبقى. لأن فيك شيء لا يمكن تدميره، شيء لا يمكن تحطيمه، ولا أحد في الدنيا يستطيع تحطيمه. وعندما تحقق ذلك العنصر الراسخ في كيانك، ذلك الوعي الخالد، تكون إنساناً جديداً، وعياً جديداً.
من خلال ذلك يغدو المستحيل ممكناً، ويتحقق ما هو صعب المنال.
لذا فقد تَذكّرَ الوقفة والتسديد نحو المجهول، نحو اللامرئي، نحو ما لا سبيل لمعرفته، نحو الواحد.. ذلك هو التسديد. كيف تكون واحداً مع الوجود؟ بأن تكون اللاثنائيّة هي هدف التسديد، حيث يتلاشى الهدف والموضوع، حيث نتلاشى أنا وأنت ..
هناك كتاب عظيم ومشهور جداً لمارتن بوبر عنوانه أنا وأنت I and Thou. يَقول مارتن بوبر: إن تجربة الصلاة هي تجربةُ أنا-أنت I-Thou.. وهو على حق. فتجربة الصلاة هي تجربةُ أنا- أنت: الله هو "أنت " Thou، وأنت تَبْقى " أنا I"، إذن لديك حوار، لديك مشاركة مع الـ أنت Thou. لكن البوذية ليس فيها صَلاةُ، البوذية تمضي للأعلى. البوذية تقول: حتى لو كانت هناك علاقة أنا – أنت، فإنك تبقى منقسماً، تبقى متباعداً. يمكنك أن تَصرُخَ من كلا الجانبين، غير أنه لن تكون هناك مشاركة. المشاركة تحصل فقط عندما لا تعود الـ أنا – أنت منقسمة، عندما يختفي الهدف والموضوع (الذات والموضوع)، حيث لا يوجد لا أنا ولا أنت، لا باحث ولا بحث. . . عندما تتواجد الوحدةٌ والائتلاف.
ولكي ندرك مغزى هذا، وننظر في أفعال هذه المرأة ونتعرف على الحقيقة، نجد أنها أسمته ساراها، في حين أن اسمه كان راؤول؛ وساراها كلمة جميلة تعني "من رمى السهم".
إن كلمة "سارا" تعني سهم، و"ها" تعني رمى. وبالإجمال اسم ساراها يعني "الشخص الذي رمى السهم".
حينما أدرك مغزى أفعال تلك المرأة وإيماءاتها الرمزية، وعندما استطاع أن يقرأ ويحل شيفرة ما كانت تحاول تقديمه، وما كانت تحاول إظهاره، أصبحت في منتهى السعادة.
رَقصت ونادته "ساراها"، ثم قالت، "الآن وبدءاً من اليوم ستُدعى ساراها: لقد رميت السهم وحققت الاختراق بفهمك لمغزى أفعالي". فقال لها، "أنتِ لستِ صانعة سهام عادية وأَنا آسفُ لأنني اعتقدت بأنكِ صانعة سهام عادية. أعذريني، أَنا آسفُ جداً. أنتِ مُعلِّمة عظيمة وأَنا من خلالكِ ولدت من جديد. لغاية يوم أمس لم أكن براهمياً حقيقياً، ولكن منذ اليوم أنا براهمي حقيقي. أنت معلّمتي وأنتِ أمَّي وأنتِ من منحني ولادة جديدة. لم أعد الشخص ذاته. لذا فأنتِ على حق.. لقد أسقطتِ اسمي القديم ومنحتني اسماً جديداً".
تسألونني أحياناً، "لماذا تعطي أسماءً جديدة؟ "..إنني أفعل ذلك لإسْقاط الشخصيّة القديمة، لنسيان الماضي، حتى لا يكون هناك أي ارتباط به. خالياً من شوائبه. يجب أن تصبح مقطوع الصلة بالماضي.
وهكذا.. راؤول أصبح ساراها.
إن مفتاح ذلك اللغز هو أن المرأة لم تكن إلاّ بوذا متوارياً. إن الاسم المُعطى لبوذا في الكتب المقدّسة هو سوخناثا.. أي البوذا الذي جاء لمساعدة الرجل المنتظَرالعظيم ساراها. وإن بوذا المتحقق في اسم سوخناثا قد اتخذَ شكل إمرأة. ولكن لماذا؟ لماذا اتخذ شكل امرأة؟ لأن التانترا تؤمن بأن الرجل فقط هو من يولد من امرأة، لذا فإن الولادة الجديدة لتابع ستكون من امرأة أيضاً. والحقيقة أن كل المعلمين هم أمهات أكثر مما هم آباء. يمتلكون مزيّة الأنوثة. فبوذا أنثوي وكذلك مهافِر وكريشنا. لهذا يمكنك أن ترى نعمة الأنوثة، ونعمة التكوّر الأنثوي، يمكنك أن ترى الجمال الأنثوي، يمكنك أن تنظر في عيونهم دون أن تجد العدوانية الذكورية. لذا فإنه لأمر في منتهى الرمزية أن يتّخذ بوذا شكل امرأة. والحقيقة أن بوذا يتّخذ دائماً شكل امرأة.
قد يعيشون في جسد ذكري، لكنهم أنثويون.. لأن كل من وُلِدَ، قد وُلِدَ من الطاقة الأنثوية. أما الطاقة الذكرية فيمكن أن تتسببَ في إشعال فتيلها، لكنها لا تمنح ولادة.
ينبغي أن يُبقيكَ المعلّم في رحمِه شهوراً، أو سنوات، وأحياناً عدة حيوات. لا أحد يعرف أبدا متى تكون جاهزاً لكي تولد. ينبغي أن يكون المعلّم أمّاً. وأن يحتوي على الطاقة الأنثوية بشكل هائل، بهذا يكون بمقدوره أن يُمطرَ الحُب عليك.. عندئذٍ فقط يستطيع الهدم. وما لم تكن متأكدا من حبه، فلن تسمح له بهدمك. كيف ستثق إذن؟ إن حبه فقط هو ما سيجعلك قادراً على الثقة. ومن خلال الثقة، شيئاً فشيئا، سيَقطعك إرباً إربا. وذات يوم ستختفي فجأة. رويداً رويداً رويداً، ثم تتلاشى.. بعدها يولد الكائن الجديد.
تقبّلته صانعة السهام. والحقيقة أنها كانت تنتظره. المعلّم ينتظر المريد. والتقاليد القديمة تقول: قبل أن يختار المريد المعلم، يكون المعلّم قد اختاره. ذلك ما حصل بالضبط في قصة سوخناثا هذه، حيث كان سوخناثا يتوارى في شكل امرأة تنتظر ساراها لكي يأتي ويكون التحوّل من خلاله.
ويبدو الأمر أكثر منطقيّةً حين يكون على المعلّم أن يختار أولاً .. لأنه أكثر اطّلاعاً، لأنه يعرف. فهو يستطيع أن يَلِجَ إلى صميم إمكانات كيانكَ، إلى القدرة الكامنة فيك ذاتها. يستطيع أن يرى مستقبلك. يستطيع أن يرى ما يمكن أن يحدث. حينما تختار مُعلّماً، تظن بأنّك قد اخترت.. لكنك مخطئ. كيف يمكنك أن تختار معلّماً؟ فأنت أعمى للغاية، كيف تستطيع أن تميّز المعلم؟ أنت جاهل جداً، كيف تستطيع أن تشعر بمعلّم؟ إذا بدأت تشعر به، فذلك يعني أنه دخل إلى قلبك وأخذ يلعب بقدراتك.. ولهذا تبدأ بالإحساس به.
أما ما يحدث دائماً فهو أن المريد قبل أن يختار معلماً، يكون المعلم قد اختاره.
تقبّلته صانعة السهام. فقد كانت تنتحبُ من أجل أن يأتي ساراها. بعد ذلك انتقلا إلى أرض محرقة الجثث وبدأا بالعيش معاً. ولكن لماذا إلى أرض محرقة الجثث؟ لأن بوذا يقول: ما لم تفهم الموت، لن تكون قادراً على فهم الحياة. وما لم تمت، فلن تولد من جديد.
لقد عاش العديد من أتباع التانترا في أرض محرقة الجثث زمن ساراها. كان هو المؤسس لهذه السُنّة، وقد عاش فيها. حيث كان يُحضَرُ الموتى، وتُجلب الجثث وتُحرَق، هناك عاش.. هناك كان منزله الذي عاش فيه مع صانعة السهام هذه، عاشوا معاً. كان بينهما حبّاً عظيماً.. ليس حُبَّ امرأة لرجل، بل حب المعلّم لمريده، وهو بالتأكيد أسمى من أن يبلغه حبُ رجل لامرأة، لا بل هو أكثر حميميّة، بالتأكيد أكثر حميميّة... لأن مسألة حب رجل لامرأة هي مجرّد حب أجساد. وعلى أبعد تقدير يرتقي هذا الحب أحياناً إلى مستوى العقل، وإلاّ فإنه يبقى في مستوى الجسد.
المعلم والمُريد.. إنها مسألة حبٍّ روحي. ساراها وجد روحه. عاشا في حُبٍّ هائل، حب عظيم، نادراً ما يحدث على الأرض.
علّمَتْهُ المرأة التانترا. لأن من يستطيع أن يُعلّم التانترا، هو امرأة فقط. وقد سألني أحد الأشخاص، لماذا اخترت كافيشا لتكون زعيمة مجموعة التانترا...
لأن المرأة فقط هي من يستطيع قيادة مجموعة التانترا. سيكون ذلك صعباً على الرجل. نعم، يمكن أحياناً أن يكون القائد رجلاً، ولكن عليه حينئذٍ أن يكون أنثوياً للغاية. المرأة أنثويّة بالفطرة، فهي تملك دَوماً تلك الميزات، تلك المحبة، ميزات الحنان، لأنها بشكل طبيعي تملك ذلك الاهتمام، ذلك الحب، ذلك الإحساس بالرقّة.
غدا ساراها تانترياً تحت قيادة صانعة السهام هذه. ولم يعد بعد الآن يتأمل. لقد ترك ذات يوم جميع الفيدات والكتب المقدسة والمعرفة وترك حتى التأمل. بدأت الإشاعة تنتشر في جميع أنحاء البلاد: لم يعد ساراها يتأمل. إنه يغنّي، وهو بالطبع يرقص أيضاً، لكنه لم يعد تأمُّلَ. لقد أصبح الغناء هو تأمله. والرقص هو تأمله. وأصبح الابتهاج أسلوب حياته بالكامل.
إن جمال التانترا يكمن في العيش والاحتفال في أرض محرقة الجثث! العيش بسعادة حيث لا يحدث سوى الموت!.. التانترا تجمع النقائض معاً، تجمع المتضادات، تجمع المتعارضات. فلو ذهبت إلى أرض المحرقة ستشعر بالكآبة، سيكون من الصعب عليك أن تكون سعيداً، من الصعب جداً أن تغني وترقص حيث تُحرق الجثث، حيث الناس يبكون ويندبون. وفي كل يومٍ موتٌ ثم موتْ...موتٌ في الليل وموت في النهار. فكيف ستبتهج؟.
لكنك إذا لم تستطع أن تبتهج هناك، عندها فإن كل ما تعتبره بهجتك هو مجرّد ادعاء. إذا أمكنك الابتهاج هناك، عندها ستحصل على البهجة بالفعل. لأنها الآن غير مشروطة. عندئذٍ لا فرق إذا حدثَ الموت أو الحياة، إذا كان شخص يولد أو يموت.
أخذ ساراها يرقص ويغنّي. لم يعد جديّا.. لأن التانترا ليست كذلك. التاننترا دعابية الطبع. صحيحٌ إنها صادقة، لكنها ليست جدية. إنها ابتهاجية جدّاً. لقد دخل اللعب كيانه.. التانترا لعب، لأن التانترا هي أعلى شكل متطور للحب: فالحب لعب.
هناك أناس لا يرغبون حتى بأن يكون الحب لعباً. يقول الماهاتما غاندي: افعل الحب فقط عندما تريد التكاثر. حتى لو تحول الحب إلى فعل.. إلى تناسل. والكلمة بحد ذاتها تبدو قبيحة. مارس الحب مع امرأتك فقط عندما تريد التكاثر... فهل هي مصنع!؟ "تكاثر"؟.. الكلمة فعلاً قبيحة. الحب لهو! مارس الحب مع امرأتك عندما تشعر بأنك سعيد، عندما تشعر بأنك مبتهج، متى تكون في قمة العالم. شارك في تلك الطاقة. أحبّي رَجُلَكِ عندما تمتلكين تلك المَلَكَة من الغناء والرقص والبهجة.. ولكن ليس من أجل التناسل! فكلمة "تناسل" بذيئة! اجعلي الحب يحصل من البهجة، من البهجة الغزيرة. امنحيها عندما تمتلكينها!
دخل اللعب كيان ساراها.لأن المُحب يتحلّىبروح اللعب دائماً. وفي اللحظة التي تموت فيها روح اللعب، عندها تصبحان زوجاً أو زوجة، فلا تعودان مُحبّين، وعندئذٍ تتكاثران. في اللحظة التي تصبحان فيها زوجاً أو زوجة، يكون قد مات فيكما شيء جميل. ولا تعودُ هناك حياة، فيتوقف تدفق عصارة الحياة، وتصبح الحياة مجرّد دجل ونفاق.
دخل اللعبُ حياته، وعبر اللعب يوُلِدَ الدين الحق. كانت نشوته معدية بحيث شرع الناس بالقدوم لرؤيته وهو يرقص ويغنّي. وعندما يرغب الناس بالحضور والمشاهدة، فهم يريدون الرقص والغناء معه. وتحولت أرض محرقة الجثث إلى احتفال مهيب. صحيحٌ أن الأجساد كانت لا تزال تحترق، إلا أن الحشود أخذت بالتجمّع أكثر فأكثر حول ساراها والمرأة صانعة السهام، خالقين بهجة عظيمة على أرض محرقة الجثث تلك.
* الكارما: قانون الفعل وردة الفعل, حصيلة الأعمال الجيدة والسيئة المرتكبة في كل حياة والتي تتحدد على أساسها طبيعة الحياة القادمة.
* المانترا: كلمة أو صيغة مقدسة قصيرة يرددها الشخص في التأمل.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |