فاطمة ناعوت: أكتب قصيدتي وأمشي فعجلة النقد العربي لا تلحق بالشعر
2009-04-19
الترجمة تلصص على إرهاصات النص والتجربة الشعرية الشابة لم تُقرأ بعد
فاطمة ناعوت كاتبة صــحافية وشــاعرة ومترجمة مصرية لها حتى الآن اثنا عشر كتاباً ما بين الشعر والترجمات والنقد، وجديدها الشعري لهذه السنة عن دار «الدار» المصرية مجموعة تحت عنوان: «اسمي ليس صعباً» مُهدى الى والدتها الراحلة حديثاً. عن الشعر وجديدها كان هذا اللقاء:
«اسمي ليس صعباً» جديدك الشعري عن «الدار» المصرية، ومُهْدًى إلى (سهير) والدتك الراحلة حديثاً، إلى أيّ مدى اشتغلت على مناخات الفقد في مجموعتك، وكيف وظّفت خسارتك فنياً في القصائد؟
} أظن أنَّ الفقدَ هو محورُ كلِّ قصائد العالم. الفقدُ بمعناه الأشمل. الفقْدُ الوجوديّ، المعنويّ، الماديّ، المشاعريّ، فقدُ الهوية، فقدُ الوطن، فقدُ الأمل، فقدُ الانتماء، فقدُ البهجة، حتى في لحظاتِ العشق والوله نشعرُ بالخوفِ، إنه فقدُ الثقة في الغد، فقدُ الشعور بالأمان بأن معشوقنا سيظلُّ معنا ولنا... الخ. أما فقدي أمي، سهير، فقد زلزل كلَّ قطعةٍ في جسدي، وصدّع ائتلافَ نسيج روحي. العالمُ اصطبغ بلونٍ لم أعهده في ظلِّها. لونُ الصُّفرة الخاوية. كأنما لم تعد هنالك زُرقةُ بحارٍ أو بياضُ زَبَدٍ أو لمعانُ سماء. كأنما الدفءُ قد اِنتُزِع من خلاياي فاعتمرتني برودةٌ أبديةٌ أكافحُ الآن أن أنسلَّ منها بكلِّ قواي. قصائدي في ماما بديوان «اسمي ليس صعباً»، لم تكن توظيفًا فنيّاً بقدر ما كانت محاولةً لتصديق ما حدث. لم تكن مراثيَ لها، بل عتابٌ مستطيلٌ لشعوري بغدرها بي بأن تركتني وطارت، والآن تحديداً، ويدي لم تزل مُعلَّقةً بطرف ثوبها. هي محاولة للقصاص منها، كي أُحَجِّم توغُّلَ وجودها داخلي. محاولةٌ لتشتيت اللحظة، لحظة الفقد، حتى تفقد اللحظةُ طاقتَها المكتنزة، فأنجو. قصائدي في أمي أقرب للمحاكمة منها للمراثي. حاولتُ جهدي أن أتذكّرَ كلَّ لحظاتِ تعنيفها لي وقسوتها، الظاهرية على طفولتي. أستدعي عقابَها لي لما أطلَّ «نبيُّ جبران» من كراسة الحساب، وقصيدةُ نزار من داخل كتاب التاريخ. أستحضرُ لحظاتِ تكسيرها دُماي ولُعبي، ودسّها أنفي في صحن الطعام وكوب اللبن وكتاب التاريخ، كي تبني صحتي ودماغي، ولو على حساب فرح روح الطفلة داخلي. حاولتُ أن أجدَ معادلاً موضوعيّاً من حسمها وحزمها معي طفلةً صغيرة، كي أتقوّى به عليها وعلى فقدي إياها وأنا امرأةٌ في الأربعين، ولم تزل طفلة.
القراءة الفائقة
هل يؤثّر اشتغالك في الترجمة في بنية قصائدك وكيفيتها وعباراتها، باختصار هل تخدم الترجمة قصيدة الشاعر (الشاعرة) المترجم أم تسيء إلى تركيبـتها في اللغة العربية؟
} الترجمةُ هي لونٌ عميق من القراءة «فوق العادة». حين تترجمين قصيدة أو نصّاً أدبيّاً، أو حتى مقالا فلسفيّاً، فإنكِ لا تنظرين «إلى» النص، بل تنظرين «فيه». تتأملين المبنَى وتحللين المعنَى، وتهدمين النصَّ وتفككينه لتفحصي مكوّناته الأولى، وتسبقين النصَّ عودةً بالزمن إلى الوراء لتحاولي أن تتلصصي على إرهاصاته التي صنعته. كلُّ ما سبق هو لونٌ من القراءة «الفائقة». فإن كانت القراءةُ أو المعرفة صنواً للشاعر وحتماً لإثراء تجربته، فما بالك بلون من القراءة فائقٍ مائز؟ بالتأكيد أفادتني الترجمةُ لأنها لونٌ من النقد الأدبي العميق. فحين أضع قلمي على الورق لأكتب قصيدةً أو مقالاً، أخجل أن أكتب لمجرد الكتابة وملء صفحاتٍ بيضاء بالحبر. أتأدب في حضرة الشعر، وهو ما ينقص كثيرين ممن «يتحرشون بورق الكتابة»، والتعبير الفاتن لنزار قباني، لمجرد أن خاطرةً عنَّت لهم فأهرقوها على بياض الورقة. أما اللغة العربية فهي غرامي الكبير، لا خوف عليها داخلي من الترجمة أو الصحافة. لأنني في الواقع أطوّع الترجمةَ والصحافةَ والمقال كي تخدم العربية الرائقة، لا العكس.
تشتغلين بدأب وصبر إلى الشعر، كيف حال نتاجك مع النقّاد؟
} النقّاد؟ ما معنى هذه الكلمة؟ الشعرُ العربي الراهنُ مُهْر جامح، والنقدُ عربةٌ كسيحة متهالكة، من أسف، تركضُ بعجلاتها المتهدمة ولا تلـحق به. أما عن اشتغالي على الشعر فلا أظنه بالمعنى القَصــْديّ، وإن كنــتُ أرجو أن يأتي يومٌ أصِلُ فيــه إلى تلك الحــِرَفيّة. لكنني أكــتبُ حــينما تناوئني القصيدةُ، فأقاومها فتغلبــني وتقضّ نومي فأعرف أن شعراً سوف يأتي فأنصاعُ له. ورغم كــلامي العدميّ السابق عن النقد والنُّقّاد إلا أنني أعدُّ نفسي أفضلَ حالاً قليلا من بعض الشعراء الجدد في جيلي. وإن كنتُ مُصِرَّةً على أن التجربةَ الشعريةَ العربيةَ الشابة الراهنة، على مجملها، لم تُقرأ بعد.
شلة مقهى
قرأنا لك هجوماً على استبعادك عن مهرجان قصيدة النثر الذي عقد في القاهرة بموازاة مهرجان الشعر لحجازي، لماذا الاستبعاد أولاً برأيك، وكيف تقيمين حركة الشعراء الشباب الآن؟ وإلى من تميلين في قراءاتك الشعرية؟
} بدأتُ كلمتي في الاستــطلاع الذي أجرته جريدة «البديل» المصرية حول ملتقى قصيدة النثر بما يلي: «الشِّعرُ يُكتَب، ولا يُتناحَر من أجله!»، فهل يمكن لمن تقـول هذه العـبارة أن تكتب هجوماً لاستبعــادها من مهرجان؟ لم يحدث قط أن أزعجني عدم إدراج اســمي هــنا أو هناك، لأن لي مفهوماً عن التحقــق والنــجاح لا يخرجُ عن دائرة الكتابة الجــيدة، ولا شيء أكثر. كان رأيي يدور في خانــة انزعاجي من ردود الأفعال الطفولية، بعمل مهرجان مضادٍّ لمهرجان الدولة الرسميّ في نـفس اليوم والساعة! ليس هكذا تورَدُ الإبل! ولا سيما حال التعامل مع كائنٍ عذبٍ رهيــف اسمـه الشعر! أما لماذا استبعدوني فلأحد سبـبين، أحدهما أنيقٌ، والآخر ركيك. الأول ربما لأنهم يعــلمون جيداً أنني كنتُ سأرفضُ المشاركةَ، تماماً كما رفضتُ المشاركةَ قبــل عامين في «مهرجان الشعر البديل» الذي أقامه بعض السبعينيين رداً أيضا على مهرجان الدولة الرسمي الذي استبعد شعراء قصيدة النثر. كنتُ على رأس قائمة المُدرَجين في قائمة المهرجان البديل، واعتذرتُ عن المشاركة لذات الــسبب: أرفضُ ردود الفعــل. لســنا في مباراة، ولا أقبــل أن أكون حصانَ سبــاق. أنا أكتب قصيدتي وأمضي. وقصيـدتي تلك قد احــتفى الكثيرون بها في كافة أرجاء العــالم، وتمت دعوتي لكبريات المهرجانات الدولية، فقط بسبب قصيدتي تلك. هذا هو سبب استبـعادي «الأنيق»، الذي أحبُّ أن أفترضه. أما السبب الخبيث الركيــك، وهو الأقــرب، من أسفٍ، للواقع، فلأن لجنة المهرجان الطـفولي كانت مكونةً من سبعة أفراد، ستة منهم يحنقون عليّ لأسباب يعلمونها هم وحـدهم، فكــيف يدعوننــي؟ وما يؤكد قولــتي إنهم «شلـّة» مقـهى أقامــوا مهرجاناً بلـــيلٍ، أن الأسماء التي دُعــيت أغلبهـا لا تقــارب دائرةَ الشــعر مــن قــريب أو بعيد، جلّهم كُتّــابُ خواطرَ وصحــافيون صغارٌ، ربما راهنتْ لجنــةُ المهرجــان على أن يروّجــوا لهم في الصحف، وهو ما قد كان، في مقابل إغــفالهم أســماء شعــرية وازنة من شباب مصر. هذا أمر يــدعو إلى الرثاء، لا للدهــشة وحدها. أما الشِّعر، الشعر ذاته، فبــعيد جدًّا. وفي كلــمتي تلك انتـقدتُ كــلا المهرجــانين، الرسميّ وغير الرســميّ. الأول لإقــصائه الشعــراءَ الشــباب، والثــاني لكـونه ردّ فعلٍ انعكاســيا، لم يحفلْ بالــشعر بقــدر ما حــفل بمغازلة الأصدقاء ومهاجمة الكبار. كلاهما ابتعد عن الشعر واقترب من المصلحة. فكــيف لي أن أقبلَ المشاركةَ في أيٍّ منهما؟
عن السفير الثقافي
08-أيار-2021
28-تشرين الثاني-2012 | |
24-حزيران-2009 | |
فاطمة ناعوت: أكتب قصيدتي وأمشي فعجلة النقد العربي لا تلحق بالشعر |
19-نيسان-2009 |
14-أيلول-2008 | |
27-أيار-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |