تحية إلى عامل حيادي وسعيد
2009-05-08
لا يعرفُ على وجه التحديد ما المقصود بـ" يا عمال العالم اتَّحدوا".. وعموماً، هو لا يفكِّر كثيراً في تلك الأشياء. هو لم ينتمي إلا إلى رغيف الخبز في يوم مِن الأيام، وبالنسبة إليه، فإنَّ مناسبة، كعيد العمال، هي يوم للعطلة، لا أكثر، يوم غير كاف لإراحة جسده المنهك، وملله من الروتين الذي يطرق جدران قلبه.. ولكنه قد ينفع للتنعُّم بدفء الزوجة واحتضان الأطفال.
يجلس أمام الشاشة.. وبحياد تام، قد يسخر من تلك المظاهرات التي خرجت في مكان ما مِن العالم في هذا اليوم احتجاجاً على الأزمة الاقتصادية العالمية، فهو ورغم أنه سمع الكثير من النشرات الإخبارية الاقتصادية التي تتحدَّث عن الأزمة المالية، إلا أنه- ودون أن يخجل من أحد- لم يفهم تلك المعادلات.
بالنسبة إليه، فإنَّ كلمة مثل السيولة لا تعني أكثر مِن مبلغ لا يتعدَّى بضع ألوف في الجيب كافية للخبز واللبن والبيض والدفاتر المدرسية وعلب الحليب والفلافل، لغاية منتصف الشهر، ومن بعد ذلك "يحلّها الحلال". أما مفردة من نوع "التضخم"، فهي أشياء رديفة للتكرُّش. و"المتكرِّشون" هم أشخاص مجهولون بالنسبة إليه، يراهم في المسلسلات لا أكثر.
ما يعرفه ويحسُّه ويخافه، هي البطالة، فهي كلمة سهلة في نطقها، وصعبة إذا ما أصابت أحداً. "اللهم قنا البطالة وعذاب النار". وأما "البطَّالون" أو العاطلون عن العمل فهم: أخوه الأصغر وعمه الأكبر وأصدقاؤه الثلاثة وابن خالته الأوسط وأولاد جيرانه الخمسة و...
يظلُّ صامتاً طوال الوقت. بصراحة هو لا يتوانى عن التعبير عن كراهيته للروايات والأشعار. وآخر مرة قرأ فيها شيئاً كان حين قرَّر أن يطبِّق زوجته، ففي ذلك الوقت ابتاع كتاباً من على الرصيف لنزار قباني.. لم يشغله في ذلك الوقت أن يكون الشعر حداثياً أو ما بعد.. وأي شاعر حداثي في هذا الوقت يفكِّر في أنه قد فكَّر في ذلك، ليس إلا مجنون يثير الضحك. لا تشغله الصراعات الثقافية، وآخر منجزات الفن التشكيلي. لكنه متصالح مع نفسه. فهو يعرف عقده جيداً. بمعنى أنه لا "تنقصه طلاسم الآخرين"..
يفكِّر كثيراً في المؤونة؛ المقدوس والملوخية والباميا والبرغل وزيت الزيتون.. له ولأبنائه. ولا يلتفت إلى مثقفي الألفية الجديدة، فهو يعرف، بل ويحفظ، قصة الصرصور والنملة. ومن هذا المنطلق، فإنه لا يحبُّ الأغاني الهابطة. وليس لديه وقت لسماعها، وذلك لسببين؛ الأول هو قلة الوقت، والثاني هو التيمُّن بالقصة المشار إليها، والتي يحكيها دائماً لابنه قبل نومه.
إنه إنسان صامت، يعمل بصمت، ويحبُّ زوجته بصمت، ويطعم أولاده، ويراقبهم وهم يأكلون بصمت. لم يحتجّ على شيء في يوم من الأيام.
لا يعرف ما الذي تعنيه كلمة "الكولوخوز" (المزارع التعاونية).. فالمثقفون وحدهم من ينطقون بهذه المفردات. )بربكم، أليس العمل الإجباري في الكولوخوز أفضل لمثقفينا من اشتغالهم ببعضهم البعض). وبالأحرى إنه لا يعرف تاريخ ونضالات الطبقة العاملة. إنه يريد سلته بلا عنب، ولذلك لم يلتفت لا إلى اليمين ولا إلى اليسار. إنه عامل وفقط.
لم يشعل له أحد الشموع على قوالب الحلوى في يوم عيده.. ولكنه سعيد أكثر من مأزومي الألفية الجديدة..
هو ليس تافهاً كما يتوهَّم البعض. إنه يفهم نبض اللحظة، فهو حقيقة كل شيء.. لكنه في لحظة ما وتاريخ ما وزمان ما، سيغيِّر كلَّ شيء تماماً.. هل ثمة مَن يثق بذلك؟
المصدر: جريدة بلدنا
مرسلة من الكاتب للموقع
08-أيار-2021
يحاضر في «أربعاء تريم الثقافي» / فراس السواح يقارن بين التاو والديانات الشرقية |
24-آذار-2010 |
17-آذار-2010 | |
28-حزيران-2009 | |
23-حزيران-2009 | |
13-حزيران-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |